الذكاء الاصطناعي يساعد في الكشف عن كيفية معالجة الناس للتفكير المجرد

مع ازدياد تعقيد الذكاء الاصطناعي، تركز معظم الاهتمامات العامة على مدى نجاح هذه التقنيات في منافسة البشر في ألعاب الشطرنج وغيرها من الألعاب الاستراتيجية. اتخذ فيلسوف من جامعة هيوستن Houston University نهجاً مختلفاً، ففكّك الشبكات العصبية المعقّدة المستخدمة في تعلم الآلة لإلقاء الضوء على كيفية تعامل البشر مع مفهوم التعلُم المجرَّد.
 

كاميرون باكنر Cameron Buckner الأستاذ المساعد في الفلسفة ومؤلف ورقة تبحث في هذا الموضوع نُشِرت في مجلة سينثيز Synthese، يقول: "في الوقت الذي نعتمد فيه بشكلٍ متزايدٍ على هذه الأنظمة، فمن المهم معرفة كيف تعمل ولماذا." حيث أن الفهم الأفضل للكيفية التي تعمل بها هذه النظم بدورها قادته إلى إدراك طبيعة التعلم البشري.


لقد ناقش الفلاسفة أصول المعرفة الإنسانية منذ أيام أفلاطون - هل هي فطرية، مبنية على المنطق؟ أم أن المعرفة تأتي من تجربة حسية في العالم؟
 

توحي الشبكة العصبية الالتفافية العميقة (دي سي إن إن DCNNs) بأن المعرفة البشرية تنبع من الخبرة، وهي مدرسة فكرية تعرف باسم التجريبية، واستنتج باكنر من طبيعة هذه الشبكات العصبية (وهي شبكات عصبية اصطناعية متعددة الطبقات، تحوي عقداً تحاكي طريقة معالجة الخلايا العصبية البشرية المعلومات وتمرّرها في الدماغ) كيفية اكتساب المعرفة المجردة، مما يجعل هذه الشبكات أداة مفيدة في مجالات علم الأعصاب وعلم النفس.
 

في الورقة، يشير باكنر إلى أن نجاح هذه الشبكات في المهام المعقدة التي تنطوي على الإدراك والتمييز قد يفوق في بعض الأحيان قدرة العلماء على فهم كيفية عملها.


استند بعض العلماء والذين يبنون أنظمة الشبكات العصبية، إلى تفكير الفيلسوف البريطاني جون لوك John Locke وغيره من أصحاب النظريات المؤثرين، فقد كان تركيزهم على النتائج بدلاً من فهم كيف تتقاطع الشبكات مع المعرفة الفلسفية التقليدية عن الإدراك البشري. شرع باكنر في ملء هذا الفراغ، مع الأخذ في الاعتبار استخدام الذكاء الاصطناعي للتفكير المجرد، بدءاً من الألعاب الاستراتيجية إلى التعرف البصري على الكراسي والأعمال الفنية والحيوانات، وهي مهام معقدة بشكل مدهش بالنظر إلى الاختلافات العديدة المحتملة في وجهة النظر والألوان والأسلوب وغير ذلك من التفاصيل.


يقول باكنر: "لاحظ الباحثون في مجال الكمبيوتر والتعلم الآلي في الآونة الأخيرة أن المثلث، والكراسي، والقطة، وغيرها من الفئات اليومية من الصعب إدراكها لأنه يمكن مواجهتها في مجموعة متنوعة من المواقف أو الاتجاهات المختلفة التي لا تتشابه فيما بينها فيما يتعلق بالخصائص الحسية منخفضة المستوى." ويضيف:"لايبدو الكرسي عند النظر إليه من الأمام بنفس المظهر عند النظر إليه من الأعلى.. يجب علينا توحيد كل وجهات النظر المتنوعة هذه لبناء نظام موثوق للتعرف على تلك الكرسي".
 

للتغلب على التحديات، يتعين على الأنظمة أن تتحكم في ما يسمى بتباين الإزعاج، أو نطاق الاختلافات التي تؤثر عادةَ على قدرة النظام على تحديد الأشياء والأصوات والمهام الأخرى - الحجم والموضع، أو درجة الصوت والنغمة على سبيل المثال. القدرة على حساب واستيعاب هذا التنوع من الاحتمالات هي السمة المميزة للاستدلال المجرد.


وقد أجابت شبكات دي سي إن إن أيضاً على سؤال آخر حول التفكير المجرد، حيث ناشد التجريبيون من أرسطو إلى لوك وجود مَلَكات عقلية تجريدية لإكمال تفسيراتهم للكيفية التي يعمل بها العقل، ولكن حتى الآن، لم يكن هناك تفسير جيد لكيفية عمل ذلك! يقول باكنر: "للمرة الأولى ، تساعدنا شبكات دي سي إن إن على فهم كيفية عمل هذه المَلَكات التجريدية فعلياً".
 

بدأ باكنر مسيرته الأكاديمية في علوم الحاسب، ودرس مناهج الذكاء الاصطناعي المستندة على المنطق. دفعت الاختلافات الصارخة بين الذكاء الاصطناعي المبكّر والطرق التي تحل بها الحيوانات والبشر في الواقع المشاكل إلى تحوله نحو الفلسفة.


يشير باكنر إلى أنه قبل أقل من 10 سنوات، اعتقد العلماء أن التقدم في تعلم الآلة لن تكون لديها القدرة على إنتاج المعرفة المجردة. والآن مع تغلب الأجهزة على البشر في الألعاب الاستراتيجية، واختبار السيارات ذاتية القيادة في جميع أنحاء العالم، ونشر أنظمة التعرف على الوجه في كل مكان من الهواتف المحمولة إلى المطارات، أصبح العثور على إجابات في هذا المجال أكثر إلحاحاً.
 

يضيف باكنر: "تنجح هذه الأنظمة في الأماكن التي فشل فيها غيرها، لأنها تستطيع اكتساب نوع من المعرفة الدقيقة والمجردة والبديهية للعالم والتي تأتي تلقائياً إلى البشر إلا أنه كان من المستحيل حتى الآن برمجتها في الحواسيب."

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات