طاقم البعثة 62 المكون من ثلاثة أعضاء، وهم: أوليج سكريبوتشكا Oleg Skripochka، وجيسيكا مير Jessica Meir، وأندرو مورجان Andrew Morgan يقفون معًا مرتدين قمصانهم الخاصة بمهمتهم في محطة الفضاء الدولية في يوم 7 شباط/فبراير 2020. حقوق الصورة: © NASA
إن الدماغ البشري محاط بالسائل القحفي الشوكي متعدد الوظائف.
وجد مجموعة من العلماء في دراسة جديدة أُجريت على 11 رائد فضاء روسي زاروا محطة الفضاء الدولية (ISS) أن توزيع السوائل حول الدماغ يتغير في الجمجمة أثناء رحلات الفضاء.
أكدّت الدراسة التي قادها ستيفن جيلينغز Steven Jillings النتائج السابقة حول تأثيرات الجاذبية الصغرى على الدماغ البشري، وجيلينغز هو طالب دكتوراه في مختبر التحقيقات الخاصة بالتوازن والفضاء (LEIA) في جامعة أنتويرب في بلجيكا University of Antwerp in Belgium، وقد كان مشاركًا سابقًا في تأليف دراستين فحصتا تأثير رحلات الفضاء على أدمغة رواد الفضاء الروس، وقد تولى القيادة التحليلية لمواصلة استكشاف هذا الموضوع في الآونة الأخيرة.
درس جيلينغز وفريقه أدمغة 11 رائد فضاء روسي قبل رحلاتهم الفضائية، ثم درسوها مرةً أخرى بعد تسعة أيام من الهبوط، ثم كُرِّرت الدراسة بعد ستة إلى سبعة أشهر من عودتهم إلى الأرض. شارك جيلنغز في عمل سابق على أدمغة المسافرين الفضائيين استخدم به نوعًا اعتياديًّا من التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، أمّا في العمل الجديد فقد استخدم نوعًا معيّنًا من فحص التصوير بالرنين المغناطيسي تضمن سلسلة من صور التصوير بالرنين المغناطيسي (dMRI)، ما سمح له بإلقاء نظرة أكثر تعمّقًا على مشهد الدماغ لمعرفة كيف تغيّر حاله عبر رحلات الفضاء.
بفضل هذه الدراسة، أصبح جيلنجز مهتمًا بتأثيرات رحلات الفضاء على الدماغ البشري بمساعدة الأستاذ المشرف عليه فلوريس وييتس Floris Wuyts الذي يمتلك خلفيةً في دراسة الجهاز الدهليزي، وهو مجموعة من الأعضاء الحسية في الأذن الداخلية المسؤولة عن التوازن والتوجيه المكاني.
في عام 2009، كتب وييتس اقتراحًا لإجراء مسح بالرنين المغناطيسي على 11 رائد فضاء روسي من وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس Roscosmos لدراسة المرونة العصبية للدماغ، أو قدرة الدماغ على التكيف مع البيئات الجديدة. بدأ ذلك العمل في 2013، وقد انضم جيلينغز له في 2016. استندت التحليلات الجديدة على ملاحظات لأدمغة رواد الفضاء الروس، والتي بدأت في عام 2017، وقد كان لدى الباحثين في ذلك الوقت بيانات كافية لإجراء اختبار إحصائي رسمي؛ حلّل جيلينغز البيانات وفسّرها بشكل أولي لهذه الدراسة.
خُلِق جسم الإنسان ليعمل ضمن جاذبية الأرض، وقد تطورت العديد من أجزائه للاستجابة لهذا الشد لأسفل. تتغير هذه الأنظمة البيولوجية عندما يقضي البشر والثدييات الأخرى فترةً طويلةً من الوقت في المدار، حيث تسبب بيئة الجاذبية الصغرى إحساسًا بانعدام الوزن.
تستجيب المواد السائلة والهلامية في أجسامنا للجاذبية بطرق مهمة لعملنا اليومي على سطح الأرض. يحدث ذلك كلّه في مكان واحد داخل الغبار الأذني، وهو جزء من الجهاز الدهليزي. عندما يقوم الرأس بحركةٍ مثل الميل باتجاه كتفٍ معين، تسحب الجاذبية بلورات الغبار الأذني لأسفل عبر شعيرات داخل الأذن الداخلية، ما يرسل إشارة إلى الدماغ بأن الرأس مائلٌ، أما في حالة الجاذبية الصغرى، فلا يوجد ما يكفي من الجاذبية لإخبار الدماغ أن الرأس قد غيّر موضعه.
إن الأيام العديدة الأولى في الفضاء مربكة لأفراد طاقم السفينة، كما يعني التعرض المطوّل للجاذبية الصغرى أنهم بحاجة إلى فترةٍ من إعادة التكيف مع الجاذبية الكبرى عندما يعودون إلى الأرض.
وجد جيلينغز وفريقه أن السائل المحيط بالمخ والعمود الفقري لا يتحرك أثناء رحلات الفضاء بالطريقة التي يتحرك بها على الأرض. خلص هذا العمل الجديد إلى أن رواد الفضاء الروس الذين خدموا في مهماتٍ دامت لمدة ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية قد عانوا من تغير تصاعدي لأدمغتهم، وأنه قد أُعيد توزيع السائل الموجود حول الدماغ والعمود الفقري نتيجةً لوجوده في الجاذبية الصغرى.
قال جيلينغز لموقع سبيس.كوم Space.com: "إن السائل الدماغي الشوكي هو السائل الذي يدور حول الدماغ والحبل الشوكي ويحيط به. إن للسائل وظائف متعددة، ولكن حقيقة أنه يحيط بالدماغ يساعد في حال ارتطام الرأس، فهو يعمل كمساحة عازلة لكي لا تتأذى أنسجة دماغك على الفور". بالإضافة إلى الدفاع عن الدماغ فإن السائل الدماغي الشوكي يساعد أيضًا في إزالة النفايات من العقل.
لقد بدى أيضًا أن هذا السائل يتجمع بالقرب من الجزء السفلي من الدماغ بعد عودتهم من الفضاء، ويشير هذا إلى أن الدماغ قد ارتفع للأعلى، لكن هذا الأمر مؤقت وقابل للعكس. كما أظهرت فحوصات المتابعة أن الأدمغة قد عادت بالكامل تقريبًا إلى ما كانت تبدو عليه في عمليات المسح قبل الرحلة.
لقد أكدت الدراسة ما كشفته الدراسات السابقة أيضًا، وهو أن الهياكل المفتوحة الموجودة في أعماق الدماغ أي في مكان إنتاج السائل النخاعي، والتي تسمى البطينين تتسع في الفضاء، وقد وجد هذا العمل الجديد أنه على الرغم من تقلص البطينين بين اختبارات ما بعد الرحلة وامتحانات المتابعة لمدة 7 أشهر، فإنه لا يزال هناك المزيد من السائل النخاعي داخل بطينات رواد الفضاء أكثر ممّا كان عليه قبل ذهابهم إلى الفضاء.
وقد رأى الباحثون وجود خللٍ واضحٍ في طريقة الدوران الطبيعي لهذا السائل، وعلى الرغم من أنه لا يبدو أنّ له تأثيرًا على الضغط داخل الجمجمة، لكن هذا الاضطراب في الدورة الطبيعية للسائل القحفي الشوكي قد يكون السبب في معاناة بعض أفراد الطاقم عمومًا من رؤية ضبابية أثناء وبعد رحلات الفضاء.
كشف جيلينغز لموقع سبيس.كوم أنّ استخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي المختلفة في الأبحاث المستقبلية ذات الصلة يمكن أن يساعد العلماء في جمع المزيد من المعلومات حول الدماغ في الفضاء، مثل ما إذا كانت رحلات الفضاء تسبب أي تغيير هيكلي في الدماغ نفسه أم لا.
يذكر أنه تمّ تمويل من وكالة الفضاء الأوروبية European Space Agency قد موّلت دراسة جيلينغز بالتعاون مع معهد المشاكل الطبية الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية Biomedical Problems of the Russian Academy of Science. نُشِر البحث بكامل تفاصيله في الرابع من أيلول/ سبتمبر في مجلة ساينس أدفانسز Science Advances.