الفلكيون يكتشفون أكثر من 800 مجرة مظلمة في عنقود الذؤابة المجري المشهور

صورة ملونة باستخدام صور النطاقات B وR وI من تسكوب سوبارو. اقتطعت منطقة صغيرة بأبعاد 6×6 دقيقة قوسية من صور عنقود الذؤابة المجري الكبير. تُظهر الدوائر الصفراء اثنتين من المجرات الـ47 المظلمة المكتشفة خلال السنة الأخيرة، أما الدوائر الخضراء هي المجرات المظلمة التي اكتشفت في هذه الدراسة.


حقوق الصورة: NAOJ


اكتشفت مجموعة من الباحثين من جامعة ستوني بروك جامعة ولاية نيويورك، والمرصد الفلكي الوطني الياباني National Astronomical Observatory of Japan، 854 "مجرة مظلمة جداً" (Ultra dark galaxies) في "عنقود الذؤابة" (Coma Cluster)، عبر تحليل البيانات المخزنة، الخاصة بتلسكوب "سوبارو" (Subaru Telescope). وقد كان اكتشاف 47 مجرة مظلمة غامضة كهذه اكتشافاً مفاجئاً عام 2014، والاكتشاف الحديث لأكثر من 800 مجرة مثلها يشير إلى أن عناقيد المجرات هي البيئة الأمثل لتطور مثل هذه النوع من المجرات. يقول الباحث الرئيسي في هذه الدراسة "جين كودا" Jin Koda: "تظهر هذه المجرات منتشرة بشكل كبير، كما أنها على الأرجح مُغلفة بشيء ضخم جداً".



تَظهر هذه المجرات بشكل واسع الانتشار، وممتدة بشكل واضح، كما يبدو من ضوء النجوم التي تحتويها. العديد منها قريب من حجم مجرة درب التبانة، ولكنها تحتوي فقط على 1/1000 من النجوم التي تحتويها مجرتنا. تتعرض النجوم الموجودة في مثل هذه المجرات الرقيقة الممتدة للتمزق السريع نتيجة قِوى المد الشديدة والموجودة ضمن العنقود. ويعتقد الباحثون بوجود شيءٍ مخفيّ يحمي هذه الأنظمة النجمية الهشة في هذه المجرات، شيء ذو كتلة عالية، ومن المرجح أن يكون هذا "الشيء" كميةً كبيرة من المادة المظلمة. حيث أن المادة المرئية كالنجوم الموجودة في المجرة لا تُشكل سوى 1% أو أقل من كتلة كل مجرة، أما المادة المظلمة فتُشكل أكثر من 99%.



أظهر تلسكوب سوبارو، بفتحته الكبيرة، والكاميرا واسعة المجال، والمستخدَم في ظروف رؤية ممتازة، أن هذه المجرات المظلمة تحتوي على تجمعاتٍ نجميّة قديمة، تُظهر توزيعاً مكانياً شبيهاً للمجرات الأخرى الألمع في عنقود الذؤابة. هذا يشير إلى أنها كانت تجمعات لمجرات مُعمِرة في هذا العنقود، وتعتبر كمية المادة المظلمة التي تحتويها (أقل من 1%) قليلة جداً بالمقارنة مع المعدل الوسطي في الكون.



ما سبب ظلام هذه المجرات؟ لقد فقدت هذه المجرات بطريقة ما الغازَ الذي تحتاجه لتكوين نجوم جديدة خلال أو بعد عملية تكوّنها المجهولة تماماً قبل مليارات السنين. وانطلاقاً من تفضيل وجود هذه المجرات في العنقود، فمن المحتمل أن تكون البيئة العنقودية قد لعبت دوراً أساسياً في فقدان الغاز، والذي أثر على تكوين النجوم في المجرة. وهناك آليات عديدة محتملة لفقدان الغاز منها انتزاعه بضغط الدفع داخل العنقود (ram-pressure)، والتفاعلات التجاذبية مع المجرات الأخرى داخله، وتدفق الغاز بسبب الانفجارات المتزامنة للسوبرنوفا التي تحدث نتيجة ضغط الدفع أو الالتقاءات التجاذبية مثلاً.



قد تعطي هذه المجرات نظرة أخرى ضمن نموذج تكوّن المجرات، ولكن، وبحسب د. كودا، فإننا نحتاج للمزيد من العمل لنفهمها ولنفهم مكانها في إطار الصورة الكلية لتكوّن المجرات. ويقول د. كودا: "قد تكشف المشاهدات المطيافية المستقبلية عن تاريخ تكون النجوم في هذه المجرات المظلمة".



بالإضافة إلى البحث في التجمعات النجمية للمجرات، فإن التحقق الإضافي من المادة المظلمة فيها يُعتبر أمراً ضرورياً. مع أن المادة المظلمة غير مرئية، إلا أن القياسات المجراة على التحركات النجمية قد تُظهر توزيع المادة المظلمة في هذه المجرات، وقد لا يكون مثلُ هذه القياسات المذهلة ممكناً حالياً ﻷنها باهتة جداً، لذلك من الصعب قياس التحركات الدقيقة للنجوم، حتى باستخدام تلسكوب سوبارو. وقد يكشف بناءُ "تلسكوب الثلاثين مترًا" (Thirty Meter Telescope)، بشراكة عالمية بين المؤسسات، بما فيها المرصد الفلكي الوطني الياباني، لغزَ المجرات المظلمة في المستقبل القريب.



حافظ المرصد الفلكي الوطني الياباني على كل بيانات الرصد لتلسكوب سوبارو منذ أول رصدياته الضوئية قبل 16 سنة (في 1999)، وتُصبح هذه البيانات متاحة للمجتمع بعد سنة ونصف من ليلة المشاهدة. وما كان هذا الاكتشاف الجديد ليكون، لولا إتاحة الوصول إلى البيانات الغزيرة المؤرشفة لسوبارو، وتؤدي إعادة تحليل البيانات المؤرشفة عادة إلى اكتشافاتٍ ونشراتٍ علمية جديدة. ويوفر أرشيف بيانات سوبارو فرصاً مستمرةً لاقتناص مثل هذه الكنوز.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات