فلكيون يرصدون الأحداث حول الثقب الأسود في مركز مجرتنا

من الذي ترك هذه الندوب العميقة في قلب مجرتنا درب التبانة؟ قام فريق عالميٌّ من علماء الفلك في معهد ماكس بلانك لفيزياءِ الفضاء الخارجِي (extraterristrial physics)، خلال بحثهم عن أدلة مبهمة قد تقودنا إلى كشف الجاني، بصقل صور كونية من تلسكوب نيوتن الفضائي متعدد المرايا والعامل في مجال الأشعة إكس (X-ray satellite XMM-Newton). المتهم الأبرز هنا هو الثقب الأسود الموجود في مركز درب التبانة، ولكن عددًا من النجوم كبيرة الكتلة وعددًا من المستعرات العظمى لا تبدو بريئة بشكل كامل أيضًا.

نظرة خاطفة على قلب درب التبانة: تتكون هذه الصورة الفسيفسائية المأخوذة بالأشعة السينية عريضة النطاق من أكثر من مئة صورة مفردة من صور تلسكوب نيوتن الفضائي متعدد المرايا والعامل في مجال الأشعة إكس في المنطقة المركزية من درب التبانة. تشير الألوان إلى المشاهدات الحاصلة على مستويات طاقة مختلفة، وتغطي هذه الخريطة منطقة عرضها 500 سنة ضوئية. بالإضافة إلى انبعاث الأشعة السينية من مناطق موجودة حول الثقب الأسود هائل الكتلة الموجود في مركز درب التبانة، فإن هذه الخريطة تظهر نجومًا ثنائية، وتجمعات نجمية، وبقايا لمستعرات عظمى، وفقاعات، وفقاعات فائقة، والعديد من المصادر الأخرى للأشعة. حقوق الصورة: MPE / ESA.
نظرة خاطفة على قلب درب التبانة: تتكون هذه الصورة الفسيفسائية المأخوذة بالأشعة السينية عريضة النطاق من أكثر من مئة صورة مفردة من صور تلسكوب نيوتن الفضائي متعدد المرايا والعامل في مجال الأشعة إكس في المنطقة المركزية من درب التبانة. تشير الألوان إلى المشاهدات الحاصلة على مستويات طاقة مختلفة، وتغطي هذه الخريطة منطقة عرضها 500 سنة ضوئية. بالإضافة إلى انبعاث الأشعة السينية من مناطق موجودة حول الثقب الأسود هائل الكتلة الموجود في مركز درب التبانة، فإن هذه الخريطة تظهر نجومًا ثنائية، وتجمعات نجمية، وبقايا لمستعرات عظمى، وفقاعات، وفقاعات فائقة، والعديد من المصادر الأخرى للأشعة. حقوق الصورة: MPE / ESA.


تُعَد دراسة انبعاث الأشعة السينية من المركز المجري أمرًا ذا أهمية بالغة لعلم الفلك. ولذلك أحد أول المشاريع الكبيرة التي صرّح لها بالعمل هي عملُ مسحٍ لمركز المجرة بواسطة تلسكوب نيوتن الفضائي متعدد المرايا والعامل في مجال الأشعة إكس بعد إطلاقه مباشرة. حصل فريق يقوده علماء من معهد ماكس بلانك لفيزياء الفضاء الخارجي (MPE) مؤخرًا على مسح جديد من تلسكوب نيوتن الفضائي متعدد المرايا والعامل في مجال الأشعة إكس، وقام بربط هذه المشاهدات بكل البيانات الأرشيفية للحصول على أفضل الخرائط في مُتَّصَل الأشعة السينية وانبعاث الخطوط والَّلذين نتجا حتى اللحظة.


وبذلك، استطاع الفريق توصيف النتائج العَرضية الناتجة عن الأحداث الكارثية التي أطلقت كميات هائلة من الطاقة توصيفًا دقيقًا. أدت الدراسة العدلية بالأخص إلى اكتشاف كيفية تأثير الفقاعات المطلِقة للأشعة السينية، ذات العرض البالغ عشرات من السنين الضوئية، على البيئة المحيطة بها، متسببة في إيجاد تجاويف عملاقة في الغاز، والغبار، والبلازما ذات درجة الحرارة الأقل في مركز مجرة درب التبانة.


وحش ضخم وُجِد متلبسًا


كان زوجان من "الفصوص" ثنائية القطب أحدَ الأدلة الواضحة التي حصلوا عليها من صور الأشعة السينية، والتي تمتد على نطاق عشرات السنوات الضوئية أعلى وأسفل المستوى المجري، كما أنها تتمركز في موضع الثقب الأسود هائل الكتلة. بَيَّنَ الدليل الظرفي السابق تورط الثقب الأسود في عملية الإيذاء هذه، ولكن الحقائق الجديدة تمسك فعليًا بالثقب الأسود وعصبته النجمية متلبسين بالجرم المشهود خلال عملية الاعتداء. في الواقع، فإن مصادر المواد والطاقة المحتاجة لنفخ هذه الفصوص ثنائية القطب باستخدام سحابة غازية ساخنة باعثة للأشعة السينية، إما أن تكون هي التدفقات التي تُطلق من مكان قريب جدًا من أفق الحدث حول الثقب الأسود هائل الكتلة، أو قد تكون رياحًا من النجوم عظيمة الكتلة تدور حول الثقب الأسود، أو قد تكون أحداثًا كارثية متعلقة بموت نجوم عظيمة الكتلة قريبة منها.

بلازما دافئة في ضواحي المنطقة المصورة


اكتشف الفريق أيضًا بصمات لبلازما دافئة في ضواحي المنطقة المصورة (بمسافة مئات السنوات الضوئية)، الأمر الذي يعني أن أفعال الشغب التي تحدث في مركز المجرة لها آثار تمتد إلى مناطق أبعد من هذه المنطقة المذكورة. قد تكون البلازما المكتشفة حديثًا مرتبطة مع "غلاف جوي" حار وغير متجانس يتخلل المناطق المركزية في مركز المجرة، والذي يحتمل أنه يتزود بالوقود عن طريق الانبعاثات الانتيابية أو المستمرة للكتلة والطاقة، واللتين تنبعثان من مركز المجرة. أحيانًا ما تُلاحَظُ تراكيب مشابهة موجودةٌ في مراكز مجرات أخرى. ولكن، وبفضل قرب مركز درب التبانة، يُمكن لخرائط تلسكوب نيوتن الفضائي متعدد المرايا أن تصور هذه الظاهرة بشكل مباشر وبتفاصيل ممتازة.

تقريب على المركز: صورة مكبرة لمركز درب التبانة على امتداد 100 سنة ضوية، حيث لا يُرى هنا إلا الانبعاث الذي يحصل في مجال الأشعة السينية منخفضة الطاقة. يتموضع الثقب الأسود وما يحيط به من انبعاثات في المنطقة المركزية ذات السطوع الأكبر في الصورة، وتظهر الفصوص ثنائية القطب فوق وتحت هذا الموضع. حقوق الصورة: MPE / ESA.
تقريب على المركز: صورة مكبرة لمركز درب التبانة على امتداد 100 سنة ضوية، حيث لا يُرى هنا إلا الانبعاث الذي يحصل في مجال الأشعة السينية منخفضة الطاقة. يتموضع الثقب الأسود وما يحيط به من انبعاثات في المنطقة المركزية ذات السطوع الأكبر في الصورة، وتظهر الفصوص ثنائية القطب فوق وتحت هذا الموضع. حقوق الصورة: MPE / ESA.


 فقاعات فائقة في قلب المجرة


كما اكتُشف اضطراب آخر في هذه المنطقة المنفلتة، فقد كان هناك القليل من "الفقاعات الفائقة"، وهي تجاويف عملاقة تمتد على عرض مقداره عشرات السنوات الضوئية وتحتوي على بلازما ساخنة تبعث بإشعاعات سينية ذات طاقة منخفضة. تمتلك إحدى هذه المناطق محتوًى من الطاقة مقداره على الأقل 1051 إرج (الإرج هو وحدة قياس للطاقة وتساوي 100 نانو جول)، وهو يُقارب الطاقة الكلية التي بعثتها الشمس خلال حياتها الممتدة على مدى 10 مليارات سنة. يشير الدليل إلى أن هذا التركيب الضخم قد نُفخ على مدى عشرات الآلاف من السنين الماضية، وقد نفخته رياح قوية من النجوم ذات الكتلة الأكبر من بين النجوم الموجودة في تجمع التوائم النجمي، وكذلك الأحداث الكارثية كانفجارات النجوم هائلة الكتلة. لهذه الانبعاثات الكبيرة من الطاقة أثر عميق على تطور المادة بين النجمية في المركز المجري.

وبالتالي، وبينما يتم تجميع قطع أحجية مكان الجريمة، فإن صور الأشعة السينية هذه تتيح لعلماء الفلك أن يحصلوا على صورة أكثر وضوحًا عما حدثَ خلال ملياري سنةٍ مضت، وكيف يمكن لمجرتنا درب التبانة أن تتطور في المستقبل. هناك أمر واحد واضح وهو أن العنف الموجود في منطقةٍ من مركز درب التبانة سيستمر في المستقبل بلا شك.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات