خريطة كونية للمادة المظلمة لمنطقة مسح درجة الكيلو KiDS survey (المنطقة G12). حقوق الصورة: KiDS survey
ربما استطاع علماء في جامعة أكسفورد حلّ أحد أكبر المسائل في الفيزياء الحديثة، بعد نشرهم ورقةً علمية جديدة توحّد المادة المظلمة والطاقة المظلمة في ظاهرة واحدة: سائلٌ يمتلك "كتلة سلبية" أي أنك إذا قمت بدفع كتلةٍ سالبة، فستتسارع باتجاهك. هذه النظرية الجديدة المدهشة قد تثبت صحة التنبؤ الذي قدمه آينشتاين قبل مئة عام.
إنّ نموذجنا الحالي للكون المعترف به على نطاق واسع، والمسمى LambdaCDM، لا يخبرنا أي شيء عن الطبيعة الفيزيائية للمادة المظلمة والطاقة المظلمة. نحن نعرف أنهما موجودتان فقط بسبب آثار الجاذبية التي تؤثر بها على الأجسام الأخرى القابلة للرصد.
يقدم النموذج الجديد، الذي نشره الدكتور جيمي فارنز Jamie Farnes من مركز أكسفورد للأبحاث الإلكترونية، قسم العلوم الهندسية، يوم 5 ديسمبر/كانون الأول في مجلة Astronomy and Astrophysics، شرحًا جديدًا. يقول الدكتور فارنيس: "نعتقد الآن أنه يمكن توحيد كلًا من المادة المظلمة والطاقة المظلمة في سائلٍ يمتلك نوعًا من "الجاذبية السالبة" بحيث تدفع جميع الأجسام الأخرى من حولها. على الرغم من أنّ هذا الأمر غريبٌ جداً بالنسبة لنا، إلا أنه يشير إلى أنّ كوننا متماثل في الصفات الموجبة والسالبة".
استُبعِد وجود المادة السالبة سابقًا، حيث كان يُعتقد أنّ هذه المادة ستصبح أقل كثافة مع توسع الكون، وهو الأمر الذي يتعارض مع عمليات رصدنا التي تظهر أنّ الطاقة المظلمة لا تتقلص بمرور الوقت. ومع ذلك، فإن بحث الدكتور فارنيس يُطبق "مُوَتِّر التكوين- Creation Tensor"، والذي يسمح بتكوين كتل سالبة بشكلٍ مستمر. حيث يوضح أنه عندما تستمر الكتل السالبة في الانبثاق إلى الوجود، فإن سائل الكتلة السالبة لا يميع أثناء توسع الكون. في الواقع، يبدو أنّ السائل متطابق مع الطاقة المظلمة.
كما تقدم نظرية الدكتور فارنيس أول التنبؤات الصحيحة لسلوك هالات المادة المظلمة. تدور معظم المجرات بسرعةٍ كبيرةٍ بحيث ينبغي أن تُمزق نفسها، مما يوحي بأن هناك "هالةً" غير مرئيةٍ من المادة المظلمة تحيط المجرات وتمنع تمزقها. ويظهر البحث الجديد محاكاةً حاسوبية لخصائص الكتلة السالبة، حيث تتنبأ بتكوين هالات المادة المظلمة تمامًا مثل تلك التي تستنتجها عمليات الرصد باستخدام التلسكوبات الراديوية الحديثة.
قدم ألبرت آينشتاين أول فكرةٍ على وجود الطاقة المظلمة قبل مئة عامٍ بالضبط، عندما اكتشف معاملًا في معادلاته يُعرف باسم "الثابت الكوني-cosmological constant"، والذي يرادف اليوم الطاقة المظلمة. اعتبر آينشتاين هذا الثابت الكوني "خطأه الأكبر" على الرغم من أن عمليات الرصد الفيزيائية الفلكية الحديثة تثبت أنها ظاهرةٌ حقيقية. في ملاحظاتٍ يعود تاريخها إلى عام 1918، وصف آينشتاين ثابته الكوني كاتبًا أنّ: "تعديل النظرية مطلوبٌ بحيث أن الفضاء الفارغ يلعب دور الكتل السالبة التي تنتشر في جميع أنحاء الفضاء بين النجوم". وبالتالي، فقد يكون آينشتاين قد تنبأ بنفسه بوجود كتلةٍ سالبة تملأ الكون.
يقول الدكتور فارنيس: "حاولت الطرق السابقة للجمع بين الطاقة المظلمة والمادة المظلمة تعديل نظرية آينشتاين للنسبية العامة، ولقد تبين أنّ هذا صعبٌ جدًا. أما هذا النهج الجديد، فإنه يجمع بين فكرتين قديمتين متوافقتَين مع نظرية آينشتاين، ألا وهما الكتل السالبة وتكوين المادة".
"تبدو النتيجة جميلةً إلى حدٍّ ما: يمكن توحيد الطاقة المظلمة والمادة المظلمة في مادةٍ واحدة، حيث يمكن تفسير التأثيرَين ببساطة باعتبار أنّ الكتلة الموجبة تُحاط ببحر من الكتل السالبة".
سيأتي الدليل على نظرية الدكتور فارنيس من الاختبارات التي أُجريَت باستخدام تلسكوب لاسلكي متطور يعرف باسم مصفوفة الكيلومتر المربع Square Kilometre Array، والذي يعتبر مسعىً دولي لبناء أكبر تلسكوب في العالم تتعاون فيه جامعة أكسفورد.
يضيف الدكتور فارنيس: "لا يزال هناك العديد من المشكلات النظرية والمحاكاة الحاسوبية للعمل عليها، وبالرغم من أن عمر نموذج LambdaCDM ثلاثين عامًا تقريبًا، فإني أتطلع إلى رؤية ما إذا كان بإمكان هذا النموذج الموسع الجديد من LambdaCDM مطابقة أدلة عمليات الرصد الأخرى بدقة. وإذا ثبتت صحته، فإنه سيقترح أنّ نسبة الـ 95 % المفقودة من الكون لديها حل جمالي: لقد نسينا تضمين علامة ناقص بسيطة".