داء باركنسون: خطوة جديدة في العلاج

بالتعاون مع جامعات أخرى، اكتشف فريق من الباحثين من جامعة البوليتيكنيك المدريدية اليو بي أم (UPM) وجود عدة أنواع من مرضى باركنسون، الأمر الذي سيساعد في تقديم علاج أفضل في المستقبل.

شارك الباحثون من مركز تكنولوجيا الطب الحيوي Centre for Biomedical Technology واختصاراً (CTB) في اليو بي أم في بحث مشترك مع جامعة كارلوس 3 المدريدية (Universidad Carlos III de Madrid) وجامعة ريدنج (المملكة المتحدة) الذي كشف عن وجود أنواع محتملة لمرضى داء باركنسون. وباستخدام هذا الاكتشاف، استخدم باحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الرعاش (tremor) في المرضى في هذه المجموعات.

وكان الهدف الحصول على تحفيز عميق للدماغ وفق الحاجة demand driven deep brain stimulation والذي يستطيع تخفيف أعراض المرض بشكل ذكي. كل هذا سيحسن من جودة حياة المرضى.

يعد داء باركنسون اضطراباً تنكسياً (مدمراً للأعصاب) في الجهاز العصبي المركزي والذي تشمل أعراضه الرعاش، والصمل (التيبس rigidity)، وبطء الحركة (bradykinesia). تقوم الوظيفة الحركية على التوازن، الأمر الذي تنظمه مجموعة من النواقل العصبية تعمل في دوائر في العقد القاعدية Basal Ganglia.

عندما يُفرز ناقل عصبي بشكل غير صحيح، تصبح المعلومات القادمة غير فعالة، فينتج عن ذلك اعتلال في الجهاز العصبي. وهذه هي الحال في داء باركنسون، التي تنتج بشكل أساسي عن موت الأعصاب المفرزة للدوبامين. وركز بحث مجموعة علم الأعصاب الإدراكي والمحوسب في مركز تكنولوجية الطب الحيوي في اليو بي أم على أكثر أعراض باركنسون انتشاراً وهو الرعاش.

هناك أنواع عديدة من الرعاش في داء باركنسون حسب الظروف التي ظهر فيها، أكثر الأعراض انتشاراً هو رعاش الراحة (resting tremor). يعد رعاش الراحة عبارة عن حركات منتظمة تظهر عندما يكون المريض في حالة الراحة، وتختفي عندما يبدأ بالحركة، هذا العرض يمنع المرضى من أداء الوظائف اليومية.


اقترحت العديد من الدراسات أن داء باركنسون هو بالحقيقة مجموعة من أنواع مختلفة من الأمراض تجتمع معاً، فلا يمتلك جميع المرضى نفس الأعراض ولا يستجيبون للعلاج بالطريقة نفسها.

يعد علاج داء باركنسون اليوم مهمة معقدة، الخيار الأول هو الأدوية الفموية التي تتكون من الليفودوبا (levodopa) والذي يعد المكون الأساسي لإنتاج الدوبامين. وكان قد بدأ استخدامه في منتصف الستينيات ومازال الأكثر استخداماً في علاج داء باركنسون. الليوفودوبا يخفف من أعراض المرض ولكنه لا يتكيف بشكل جيد مع تقدم المرض، فبعد سنوات قليلة من استخدام هذا العلاج يتعرض ما يقارب ال5% من المرضى لتقلبات حركية.

هذا التأثير يعرف بظاهرة التشغيل- التوقف (ON-OFF phenomenon)، وهي فترات متناوبة يؤثر فيها الدواء أحياناً (تشغيل) وأحياناً أخرى لا يؤثر (توقف). كما أن الفترات التي لا يؤثر فيها الدواء تزداد مع طول فترة استخدام الدواء، وبالتالي فإن الأدوية الفموية تصبح غير مناسبة بشكل متزايد مع التقدم في استخدامها.

وبسبب تلك المضاعفات الناتجة عن استخدام الأدوية الفموية، فإن بعض المرضى يحتاجون إلى إجراء عملية لاستخدام تحفيز الدماغ العميق حسب الطلب. هذا العلاج يشتمل على زراعة مسرى كهربائي (إلكترود) يعرّض الجزء المصاب من الدماغ إلى تحفيز كهربائي، وعادة ما يكون هذا الجزء من الدماغ هو منطقة تعرف باسم "النواة تحت المهادية" subthalamic nucleus. هذا التحفيز ينفصل عن النشاط غير الطبيعي للأعصاب، الذي يؤدي إلى تزامن كبير وبالتالي إلى أداء وظيفي مناسب.

وبالرغم من أن المحفزات العصبية تعد "ناظمات للدماغ" (brain pacemakers)، إلا أنها لا تعمل بطريقة عمل ناظمات القلب نفسها. فناظمات القلب لديها القدرة على كشف النوبات غير الطبيعية لإشارات القلب، وبالتالي تعدل التحفيز حسب حاجة المريض في كل حركة، أما المحفزات العصبية فمجرد زراعتها تقوم بالتحفيز بشكل مستمر. وهذا يعني أن بطارية الأداء تحتاج إلى تبديلٍ كل 3-4 سنوات وبالتالي إجراء عملية مرة أخرى.

كان أكثر ما ساهم به هذا البحث هو إعطاء أدلة على نوعين من المرضى وبدرجة عالية من الدقة، وبشكل أكثر تحديداً النوع الأول من الرعاش، وذلك وفقاً للبيان المجمع عليه لمجتمع اعتلال الحركة بما يتعلق بالرعاش Consensus Statement of the Movement Disorder Society on Tremor.

هذه النتائج يمكن أن تؤدي إلى علاجات شتى لأنواع مختلفة من المرضى.

وبناءً على تلك النتائج، فقد اقترحت الدراسة نظام كشف للرعاش معتمدة على شبكة أعصاب اصطناعية. واقترح الباحثون أداة تستطيع الكشف عن خصائص مختلفة لإشارة الدماغ عندما يتعرض المريض لرعشة. ومن خلال تدريب هذه الأداة، ستتمكن من اتخاذ قرار معين عندما يتعرض المريض للرعشة. والفكرة هنا أنه عندما يصبح نظام التحفيز حسب الطلب فعالاً 100%، سيتم تضمين النظام المذكور في المحفزات العصبية الموجودة.

هذه الأداة (أداة التحفيز حسب الطلب) سوف تكون قادرة على كشف حدوث الرعشة عند المريض، ومن ثم إحداث التحفيز في تلك الحالة فقط. وهذا يتميز بأمرين، الأول هو قدرة الدماغ على العمل بشكل طبيعي حيث لا يتم التحفيز عند عدم وجود أعراض، والثاني هو عدم الاستهلاك السريع للبطارية، وبالتالي تمديد الفترة قبل الحاجة لإجراء عملية لتغيير البطارية.

وبهذه الطريقة، نستطيع توفير أداة طبية مزروعة لديها درجة معينة من الذكاء. وبالتالي فإن هذه الأدوات تستطيع تمييز الحالة المرضية لدى المريض وبالتالي اتخاذ قرار معين لتحفيز العلاج وتحسين جودة الحياة اليومية للمريض.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات