اكتشاف في الكون المبكر يطرح سؤالاً عن لغز نمو الثقوب السوداء 

تصوّر فني عن الكوازار، يظهر الثقب الأسود في الوسط محاطاً بقرص المواد الساخنة المتراكمة، مع تدفقين اثنين من الجسيمات السريعة للغاية بشكلٍ عموديٍ على القرص. 


حقوق الصورة: J. Neidel / MPIA

تعدّ الكوازارات Quasars أجساما مضيئة تتواجد في مراكزها ثقوب سوداء هائلة، وهي مرئية على مسافات كونية كبيرة. إنّ ابتلاع الثقب الأسود للمادة يؤدي إلى زيادة كتلته، كما أنّ هذا هو سبب سطوع الكوازارات. 

وقد اكتشف علماء فلكٍ بقيادة كريستينا إيلرس Christina Eilers، في مرصد دبليو. إم. كيك W.M. Keck في هاواي مؤخراً كوازارات بعمر صغير جداً وبخاصيّة غامضة؛ إذ تتمتع هذه الكوازارات بكتلةٍ تقدّر بمليار ضعف كتلة الشمس، رغم قصر المدّة الزمنية التي استغرقتها لجمع المادة، والتي تقدّر بأقل من 100,000 سنة فقط، على الرغم من أنّ التصور التقليدي للكوازارات ينصّ على أنّه يتعين عليها ابتلاع المادة لمدة أطول بألف مرةٍ من ذلك الوقت للوصول إلى هذه الكتلة الهائلة، وقد نشرت هذه النتائج في طبعة 2 أيار/مايو من مجلة Astrophysical Journal.

يتواجد ثقب أسود هائل في قلب كل مجرة ضخمة، وما زالت الاسئلة مفتوحةً حول كيفية تشكل هذه الثقوب السوداء، وآلية نموها إلى هذا الحدّ، وصولاً إلى كتلة تساوي ملايين أو حتى مليارات ضعف كتلة الشمس. ولكن، هناك ،على الأقل، بعض مراحل النمو النشطة التي يمكن للمراقبين الفلكيين رصدها بشكل جليّ، فكلما تواجدت كميات كبيرة من الغاز التي تحوم باتجاه الثقب الأسود، فإنّ المادة في المنطقة المجاورة له ستبعث كمية وفيرة من الضوء، ليتحول الثقب الأسود ، خلال فترات متقطعة، إلى كوازار، الذي يعدّ أحد أكثر الأجسام سطوعاً في الكون.

 

اكتشف باحثون من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك (MPIA) مؤخرًا ثلاثة كوازارات تتحدى التصوّر التقليدي لنمو الثقوب السوداء، حيث تتميز هذه الكوازارات بكتلةٍ كبيرةٍ جداً نتجت عن جمع المادة خلال فترةٍ أقصر من الفترة المتوقعة. ويستند هذا الاكتشاف إلى عمليات الرصد فى مرصد دبليو. إم. كيك في هاواي الذي يعطي لمحات عن التاريخ الكوني القديم.

 

ونتيجةً لسطوعها الشديد، فإنّ بالإمكان رصد الكوازارات من مسافاتٍ كبيرةٍ جداً، فقد رصد الفلكيون كوازارات استغرق ضوؤها 13 مليار سنة تقريباً للوصول إلى الأرض، ونتيجة لذلك لا تظهر الكوازارات كما هي اليوم، بل كما كانت عليه قبل 13 مليار سنة تقريباً، أي أقل من مليار سنةٍ بعد الانفجار العظيم.

مجموعة أساسية من الملاحظات حول الكوازار: يعمل الغاز على امتصاص الضوء من الكوازار (على اليمين). ولكنّ عملية الامتصاص تحدث بشكل أقل بكثير في المنطقة القريبة من الكوازار، حيث تظهر باللون الأخضر للكوازار الأكبر عمراً، وباللون الأصفر للكوازار الأصغر عمراً. ويمكن ملاحظة حجم امتداد المنطقة المحيطة من خلال الطيف (في الأسفل). الكوازار هو ثقب أسود مركزي، مُحاطٌ بدوامةٍ من المواد على شكل قرص، ويمكنه قذف الجسيمات على شكل تدفقين مُركزين بقوة كما يظهر في أعلى يمن الصورة.
مجموعة أساسية من الملاحظات حول الكوازار: يعمل الغاز على امتصاص الضوء من الكوازار (على اليمين). ولكنّ عملية الامتصاص تحدث بشكل أقل بكثير في المنطقة القريبة من الكوازار، حيث تظهر باللون الأخضر للكوازار الأكبر عمراً، وباللون الأصفر للكوازار الأصغر عمراً. ويمكن ملاحظة حجم امتداد المنطقة المحيطة من خلال الطيف (في الأسفل). الكوازار هو ثقب أسود مركزي، مُحاطٌ بدوامةٍ من المواد على شكل قرص، ويمكنه قذف الجسيمات على شكل تدفقين مُركزين بقوة كما يظهر في أعلى يمن الصورة.


تفترض جميع النظريات الحالية ،بشأن نمو الثقوب السوداء، أنها تحتاجُ إلى ابتلاع الموادّ المتساقطة من أجل نموّها إلى هذا الحدّ من الضخامة، بحيث تشع لامعةً كالكوازارات لمدةٍ لا تقل عن مئة مليون عام. ولكنّ الاكتشاف الحديث يُظهر أنّ الكوازارات الثلاثة المكتشفة حديثاً - التي تبلغ كتلتها حوالي مليار ضعف كتلة الشمس- كانت نشطةً لفترة أقصر بكثير، أقل من 100,000 سنة.

 

وفي هذا السياق تقول كريستينا إيلرس Christina Eilers، طالبة دكتوراه في كلية الدراسات العليا في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك، والمؤلفة الرئيسية للدراسة الحالية: "هذه نتيجة مدهشة، مازلنا لا نفهم كيف تمكّنت هذه الكوازارات الصغيرة من النمو عن طريق ثقوب سوداء هائلة تغذيها في مثل هذا الوقت القصير". 

ولتحديد طول فترة نشاط هذه الكوازارات، درس علماء الفلك تأثيرها على البيئة المحيطة بها، فدرسوا ،على وجه الخصوص، المناطقَ القريبة والساخنة الأكثر إنفاذا للضوء حول كل كوازار. 


يقول فريدريك ديفيزFrederick Davies، باحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك، وخبير في التفاعل بين ضوء الكوازار والغاز المجري: "من خلال محاكاة كيفية تأيين ضوء الكوازارات وتسخينه للغاز من حوله، يمكننا التنبؤ بحجم المساحة المحيطة أو القريبة لكل كوازار، وبمجرد بدء سطوع الكوازار عن طريق المواد التي يسحبها الثقب الأسود، فإنّ المناطق المحيطة تنمو بسرعة كبيرة، وفي غضون 100,000 سنة، يجب أن يكون لدى الكوازارات بالفعل مناطق محيطة كبيرة".

ولكن الأمر المثير للدهشة هو أن ثلاثة من الكوازارات كانت تحتوي على مناطق محيطة صغيرة جداً، مما يشير إلى أن مرحلة الكوازار النشطة لا يمكن أن تكون قد بدأت قبل أكثر من 100 ألف سنة. 


يقول البروفيسور جوزيف حناوي Joseph Hennawi، قائد مجموعة البحث في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك التي قامت بالاكتشاف: "لا يمكن لأي نماذج نظرية حالية تفسير وجود هذه الأشياء." وأضاف: "إن اكتشاف هذه الأجسام ذات العمر الصغير تتحدى النظريات الحالية الخاصة بتشكّل الثقوب السوداء، وسيتطلب الأمر نماذج جديدةً للتوصل إلى فهمٍ أفضل لكيفية تشكل الثقوب السوداء والمجرات". 

قام علماء الفلك بالفعل بالتخطيط لخطواتهم المقبلة، وتشير كريستينا إيلرس إلى ذلك قائلة: "نود إيجاد مزيد من هذه الكوازارات الصغيرة، وفي حين أن العثور على هذه الكوازارات الثلاثة غير العادية قد يكون مجرد ضربة حظ، فإن إيجاد أمثلة إضافية يعني أن جزءا كبيراً من الكوازارات المعروفة أصغر بكثير مما كان متوقعاً".


وقد سبق للعلماء تخصيص وقت لرصد عدة أمثلة إضافية عن طريق التلسكوبات، متأملين أن تساعد النتائج الجديدة على توثيق نماذج نظرية جديدة حول تشكّل الثقوب السوداء الهائلة الأولى في الكون، التي ستساعد الفلكيين على فهم تاريخ الثقوب السوداء الضخمة العملاقة في مراكز المجرات الحالية مثل مجرتنا؛ مجرّة درب التبانة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الكوازارات أو أشباه النجوم (quasars): هي عبارة عن مجرات لامعة جداً وبعيدة جداً، ويُعتقد ان لمعانها ناجم عن قيام ثقب أسود فائق الكتلة وموجود في مركزها بابتلاع المادة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات