موجة ناتجة عن ثقب أسود بعيد تلتف كسوطٍ عملاق

يُظهر هذا الرسم المتحرك كيفية انتشار الموجات المغناطيسية، التي تدعى بموجات ألف-فين، من قاعدة نفثات الثقب الأسود باتجاه الخارج، وهذه النفثة هي تدفق من الجسيمات المشحونة التي تصدر عن الثقب الأسود وتدعى بالبلازما. تمتلك النفثات حقلاً مغناطيسياً حلزونياً (الظاهر باللون الأصفر) يخترقُ البلازما، بعد ذلك، تسير الموجات على طول النفثات بنفس اتجاه تدفق البلازما، ولكن بسرعة يتم تحديدها من خلال كل من الخصائص المغناطيسية للنفثات وسرعة جريان البلازما. يصل طول التدفق BL Lac الذي تمت دراسته في البحث الجديد إلى عدة سنوات ضوئية، وتصل سرعة الموجة إلى حوالي 98% من سرعة الضوء.

المصدر: Caltech.
 


تُشير دراسة جديدة اعتَمَدَت على بيانات المصفوفة القاعدية الطويلة للغاية (Very Long Baseline Array) التابعة للمرصد الفلكي الراديوي الوطني، إلى أن الموجات المغناطيسية ذات الحركة السريعة التي تصدر عن ثقب أسود بعيد فائق الكتلة تلتف كسوطٍ عملاق كما لو أنها تُضرب بيدٍ عملاقة. وقد استخدم العلماء هذه الأداة لدراسة المنظومة المعروفة باسم (BL Lac) بدقة عالية، والتي تتألف من ثقب أسود في مركز إحدى المجرات.

يُظهر هذا الرسم التخيّلي ثقباً أسود فائق الكتلة تصل كتلته إلى ملايين وحتى مليارات أضعاف كتلة الشمس. المصدر: NASA/JPL-Caltech.
يُظهر هذا الرسم التخيّلي ثقباً أسود فائق الكتلة تصل كتلته إلى ملايين وحتى مليارات أضعاف كتلة الشمس. المصدر: NASA/JPL-Caltech.


يقول ديفيد ماير David Meier، وهو من علماء الفيزياء الفلكية المتقاعدين من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا ومعهد كاليفورنيا للتقانة الواقعين في باسادينا: "تتحرض الموجات بفعل الحركات الاهتزازية الناجمة عن النفثات في قاعدتها".

وتمثّل هذه الاكتشافات –والتي ذكرت بالتفصيل في عدد 10 نيسان/أبريل من مجلة الفيزياء الفلكية Astrophysical Journal– المرة الأولى التي تُكتَشَفُ فيها موجات ألف-فين (Alfvén) في منظومة تضم ثقباً أسود.

تتولد موجات ألف-فين حين تتفاعل خطوط الحقل المغناطيسي، كتلك التي تصدر عن الشمس أو عن القرص المحيط بثقب أسود، مع الجسيمات المشحونة (الأيونات)، بحيث تلتف أو تنفتل في شكل حلزوني، وهذه الأيونات في المنظومة BL Lac هي نفثات من الجسيمات التي تندفع من الجهتين المتقابلتين للثقب الأسود بسرعة قريبة من سرعة الضوء.

يقول المؤلف الأول في الدراسة مارشال كوهين Marshall Cohen، وهو فلكي في مرصد كالتيك: "تخيّل أنك تمرّر خرطوم مياه داخل غلاف ضيقٍ محكمِ الشد. إذا حدث أي انزياح جانبي في إحدى نهايتي الغلاف فسيؤدي ذلك إلى تشكل موجة تنتقل إلى النهاية الأخرى. ومع اهتزاز الغلاف جيئةً وذهاباً، فإن خرطوم المياه المحصور في الداخل لا يمتلك إلا خياراً واحداً، وهو أن يتحرك مع هذا الغلاف".

ويحدث الأمر عينُه في المنظومة BL Lac كما يقول كوهين، حيث يمكن أن نعتبر موجات ألف-فين مكافئة للحركة المتزايدة للغلاف باتجاه الجانبين، ومع انتشار الموجة على طول خطوط الحقل المغناطيسي، فهي ستؤدي أيضاً إلى حركتها، بالإضافة إلى نفثات الجسيمات المحاطة بخطوط الحقل.

ومن الشائع أن تنحني الجسيمات الصادرة عن الثقب الأسود في حركتها، بل إن بعضها يهتزّ جيئةً وذهاباً، لكنّ هذه الحركات تحدث في الحالات النموذجية في إطار زمني يمتد لآلاف أو ملايين السنين. يقول كوهين موضحاً: "إن ما نشاهده الآن يحدث في إطار زمني يمتد لأسابيع فقط، حيث أننا نلتقط صورةً واحدةً كل شهر، ويتغيّر موضع هذه الأمواج في كل صورة".

ويتابع ماير قائلاً: "يمكننا من خلال تحليل هذه الموجات تحديد الخصائص الداخلية للنفثات، ويساعدنا ذلك في النهاية على فهم كيفية إنتاج هذه النفثات من قبل الثقوب السوداء".

ومن المثير للاهتمام أن موجات ألف-فين الصادرة عن المنظومة BL Lac تسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء بخمس مرات من وجهة نظر الراصدين على الأرض، ولكنّ هذا لا يعدو كونه خداعاً بصرياً، ومن الصعب رؤية هذا الخداع البصري، ولكنه يعود إلى حقيقةِ أن هذه الموجاتَ تبتعد بشكل طفيف عن خط نظرنا بسرعةٍ تُقارب سرعة الضوء، حيث يتباطأ الزمن مع هذه السرعات الكبيرة، مما يشوّه إدراكنا للسرعة الحقيقية لحركة هذه الموجات.

ومن الباحثين الآخرين في الدراسة نذكر تالفيكي هوفاتا Talvikki Hovatta، وهي طالبة سابقة لما بعد الدكتوراه في مرصد كالتيك. بالإضافة إلى ذلك، فقد شارك في الدراسة علماء من جامعة كولونيا، ومعهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي في ألمانيا، ومعهد إسحاق نيوتن في تشيلي، ومعهد جامعة ألتو في فنلندا، ومركز الفضاء والفلك في معهد ليبيديف للفيزياء، ومرصد بولكوفو، ومرصد كريميان للفيزياء الفلكية في روسيا، وأخيراً، جامعة بوردو في إينديانا، وجامعة دينزون في غرانفيل-أوهايو.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات