الأقزام البنية: هل هي نجومٌ باردة جدًا، أم كواكبُ شديدة الحرارة؟

تجمع الأقزام البنية بين معالم النجوم والكواكب، لكن لها كيانها الخاص. يُظهر هذا الرسم الفني القزم البني المُسمى MASSJ22282889-4310262 والذي رصده تلسكوبا سبيتزر وهابل في نفس الوقت.
حقوق الصورة: ناسا/مختبر الدفع النفاث - جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا.



يبدو الأمر مثل بداية لغز سيء للغاية: "أنا أكبر من الكوكب، لكنني لست نجمًا؛ وأنا أصغر من النجم، لكنني لست كوكبًا؛ فمن أنا؟".


لكن بدلًا من الارتياب، فهذه في الواقع نقطة دخول لاستكشاف كيف يصنف الفلكيون الأجسام الغريبة لكوننا، كما أنها فرصة لفهم بعض أغرب مواطني مجرة درب التبانة.

 

ماذا في الاسم؟


على الرغم من اسمهم، فالأقزام البنية ليست بنيةً تمامًا، تبعث هذه الأجسام، التي تتراوح كتلتها ما بين 12 ضعفًا من كوكب المشتري حتى نصف كتلة الشمس، الضوء من تلقاء نفسها، وعادةً لا يكون بالقدر الكبير. يكون أكبرها وأصغرها سنًا ساخنًا جدًا، الأمر الذي يجعلها تتوهج بضوءٍ ثابتٍ ودافئ؛ من بعيد ستبدو تلك النجوم غير قابلة للتمييز عن أبناء عمومتها من النجوم، الأقزام الحمراء red dwarfs. وعلى النقيض، فالأصغر والأقدم فيهم لا يكاد يكون مرئيًا، حيث يبعث إشعاع قوي في الجزء تحت الأحمر من الطيف، ولن تستطيع رؤيتها بدون مساعدة نظارات الرؤية الليلية.


بالنسبة لمعظم الأقزام البنية، وعلى الرغم من أن أغلبها متوسط الحجم وإضاءته قليلة، فهي تشع بألوان أرجوانية زاهية، الأمر الذي يجعلها مميزة في مجموعة الأجسام المجرية.
ولكن بخلاف النجوم، فإن الأقزام البنية لا تشع نتيجة تفاعلات الاندماج النووي في قلب النجم، وإنما يعود الضوء والحرارة التي تشعها لباقي تكوينها الأولي.


تنتج الأجرام الناتجة عن انهيار سحب الغاز والغبار (مثل النجوم) والانهيار الجذبي كمياتٍ هائلةً من الطاقة، لكن الطاقة تُحاصر في المادة المنهارة في الداخل لعشرات ملايين السنين، بالرغم من انبعاث الحرارة ببطء نحو الفضاء على شكل ضوءٍ خافت.


ومع هروب هذه الحرارة يستمر القزم البني في الخفوت، وينزلق من الأحمر الناري إلى اللون الأرجواني المرقش إلى الأشعة تحت الحمراء غير المرئية. كلما زادت الكتلة عند نشوء الجرم السماوي تزداد الحرارة التي يمكنه أن يحبسها. وبالمثل، كلما طالت المدة يمكن أن تحاكي نجمًا لفترة أطول، لكن المصير النهائي الذي ينتظر كل قزم بني، بغض النظر عن نسبه، واحد.


مراكز لينة


قد يكون من المغري تصنيف الأقزام البنية على أنها مجرد مجموعة غريبة من الكواكب الكبيرة جدًا، بعد كل شيء تبرد الكواكب بثبات مع تقدمها في السن ولا تملك مصادر طاقة أخرى لتبقي حرائقها مشتعلة لمليارات أو تريليونات السنوات.


لكن تلعب معظم الأقزام البنية لعبةً خاصة، يستغرق الأمر عتبةً معينةً في الكتلة (نحو 80 مرةً من كوكب المشتري) للوصول إلى درجات الحرارة والضغط القويَين، وهو الأمر المطلوب لدمج الهيدروجين مع الهيليوم، وهو المطلوب لتكوين نجم.


لكن هناك عتبة أقل بكثير، نحو 13 مرةً كتلة المشتري، يمكن أن يحدث فيها نوعٌ مختلف من الاندماج.


في الوضع شديد البرودة ذلك، يمكن أن يحصل الديتريوم (والذي يتكون من بروتون واحد ونيوترون واحد) على بروتون آخر، مما يحول الديتريوم إلى نظير الهيليوم-3 مطلقًا كميةً ضئيلةً من الطاقة. تمر النجوم المناسبة بفترة وجيزة لحرق الديتريوم في داخلها أثناء ارتفاع درجة حرارتها، لكن الأمر قد يستغرق مدةً أطول مع الأقزام البنية لأنها لا تصل إلى اندماج الهيدروجين بشكلٍ كامل.


لكن هذا لا يستمر إلى الأبد، فأكبر الأٌقزام البنية تستخدم كل الديتريوم الموجود فيها خلال بضعة ملايين من السنين القصيرة، والسبب في ذلك هو عدم انقسام الأجزاء الداخلية لها إلى طبقاتٍ منفصلة بدقة.


لدى النجوم مثل شمسنا كتلةٌ خوخية كثيفة من الهيدروجين والهيليوم، محاطةٌ بطبقةٍ من البلازما التي تسيطر عليها طاقات إشعاعية، تحيط بها طبقةٌ تشبه الحساء المتموج الحار.
لكن في النجوم الصغيرة والأقزام البنية لا يوجد للنجم قلبٌ حار بحدّ ذاته، إنها مثل قذيفة واحدة من الطرف إلى الطرف الآخر، تنقل المواد إلى أقصى حدود الكون وتعيدها مرة أخرى.
لذا، فإن أي ديوتيريوم في أي مكان في قزم بني كبير سيجد نفسه في نهاية المطاف متجهًا نحو هلاكه في مركز القزم البني وتحويله إلى هيليوم-3 (لكن في جسمٍ ذي طبقات فإن بعض الديتريوم قد يكمن دون استهلاكه).


وماذا عن الأقزام البنية الأصغر؟ إنها تهدأ بشكلٍ أسرع وتنخفض درجة حرارتها الداخلية تحت العتبة اللازمة للحفاظ على رد الفعل. وفي كل الأحوال فإن الديتريوم ينطفىء بسرعة فيها.

التحجيم


تولد الأقزام البينة كباقي النجوم وتشع حرارة لبعض الوقت، وقد يحدث داخلها اندماج لبعض العناصر. لذلك هل هناك سبب يمنع وضعها بجانب النجوم؟
حسنٌ، إنها صغيرة، حقًا صغيرة، قد تظن أنها شيئًا قد يصل إلى 50 ضعف كتلة المشتري أو شيء من هذا القبيل، لكن في الواقع، هذه الأجرام تقاوم الميل لذلك ولا تتعدى كونها أكبر بكثيرٍ من عملاق غازي.


تقاوم النجوم الانكماش الداخلي الذي تقابله قوة الدفع الناتجة من الاندماج النووي في باطن النجم، تتناقص هذه الطاقات الصادرة باستمرار ضد سحق الجاذبية الداخلي في محاولة لإعادة توسيع الطبقات الخارجية للنجم.


ولكن كما نعلم، لا تملك الأقزام البنية هذه الميزة (على الأقل، على المدى الطويل)؛ وعلى عكس الكواكب، ليس لديهم نوى صخرية أو ستار جليدي لإعالة نفسها. بدلًا من ذلك فإن كل ما يتبقى هو قوة كمية غريبة تعرف باسم ضغط الانحلال degeneracy pressure والذي تنضغط عنده كميات هائلة من الأجسام في حيز متناهي الصغر، وبالتالي تنضغط الأقزام البنية في حجم صغير أيضًا.


لا تعد الحدود بين الكواكب الكبيرة والنجوم الصغيرة ضبابية، إنها فئة جديدة تمامًا من الأجرام، فهي تتصرف مثل الكواكب والنجوم كليهما، وفي الوقت ذاته لا تتصرف كأيٍّ منهما. بعبارةٍ أخرى، الأقزام البنية هي وسيط العالم السماوي.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأقزام الحمراء (red dwarfs): تُعتبر الأقزام الحمراء أصغر النجوم وتقع كتلتها بين 7.5 إلى 50% من كتلة الشمس. ويُشير هذا الحجم الصغير إلى أنها تشتعل عند درجة حرارة أقل وتصل إلى 5000 درجة فهرنهايت (2700 درجة سيلسيوس) مقارنةً مع الشمس التي قد تصل حرارتها إلى 27 مليون درجة فهرنهايت (15 مليون درجة سيلسيوس). وتعني درجة الحرارة المنخفضة أن الأقزام الحمراء أكثر خفوتاً بكثير من النجوم المشابهة للشمس.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات