هل تَزيدُ صبغاتُ الشَّعر من خطر الإصابة بالسرطان؟

يُعد استخدام صبغات الشعر شائعًا للغاية، إذ تشير التقديرات إلى أن 50% أو أكثر من السيدات و10% من الرجال فوق سن 40 عامًا يصبغون شعرهم، ولكن العديد من الأشخاص نسوا مواعيدهم المعتادة لزيارة الصالون بسبب تعليمات التباعد الاجتماعي خلال هذه الجائحة المستمرة، ومع تلاشي الألوان الطبيعية للشعر، دعونا نسأل سؤالًا مُركبًا: هل تَزيد صبغات الشعر الدائمة من خطر الإصابة بالسرطان؟

للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعرف أنواع تلك الصبغات.

تُصنف صبغات الشعر إلى ثلاثة أنواع رئيسية: صبغة مؤكسدة (دائمة)، ومباشرة (شبه دائمة أو مؤقتة)، وطبيعية.

إن معظم أنواع الصبغات المُستخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا -سواء كانت صبغات تُستخدم في المنزل أو في الصالونات- صبغات دائمة، وتخضع هذه الصبغات لتفاعلات كيميائية لصنعها، وتتسرب هذه التفاعلات إلى جذور الشعر وقد تسبب خطورة كبيرة للإصابة بالسرطان.

ويتعرض الأشخاص للمواد الكيماوية في صبغات الشعر من خلال الاتصال المباشر مع الجلد أو استنشاق الأبخرة خلال عملية الصبغ، وقد صُنف التعرض المهني لصبغات الشعر، كما يحدث مع مصففي الشعر، على أنه قد يكون مسببًا للسرطان، ولكن سيظل الارتباط بين استخدام صبغات الشعر الدائمة بشكل شخصي من جهة وزيادة خطر الإصابة بالسرطان أو الوفيات المرتبطة بالسرطان من جهة أخرى غير واضح.

كانت النتائج متضاربة في العديد من الدراسات التي تبين العلاقة بين الاستخدام الشخصي لصبغة الشعر وخطر الإصابة بالسرطان أو الوفيات المرتبطة به، وذلك بسبب قلة عدد أفراد المجموعة التي خضعت للدراسة، وقِصَر وقت المتابعة، والتصنيف غير الكافي للتعرض (الشخصي أو المهني) أو لنوع صبغة الشعر (الدائمة بالمقارنة مع المؤقتة)، وكذلك الإحصاء غير الكامل لعوامل خطر الإصابة بالسرطان بعد استخدام صبغات الشعر الدائمة.

إلا أن دراسة حديثة ألمحت إلى أن صبغات الشعر الدائمة قد لا تزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان.

ففي هذه الدراسة التي نشرت في المجلة الطبية البريطانية (The BMJ)، قيّم الباحثون بكلية الطب جامعة هارفارد الاستخدام الشخصي لصبغة الشعر وخطر الإصابة بالسرطان والوفيات المتعلقة بالسرطان، حيث حلل كُتّاب الدراسة بيانات الاستفتاء التي جُمِعت من 117,200 امرأة مسجلة في دراسة صحة الممرضات واستغرق جمعها 36 عامًا بداية من عام 1976، وعملوا على جدولة البيانات التي تضمنت العمر والعِرْق ومؤشر كتلة الجسم وحالة التدخين وتعاطي الكحول واللون الطبيعي للشعر واستخدام صبغات الشعر الدائمة وعوامل خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان.

مقارنةً بالأشخاص الذين لم يستخدموا صبغات الشعر، لم يكن المشاركون الذين استخدموا صبغات الشعر الدائمة معرضين بشكل عام لخطر الإصابة بالسرطان أو الوفيات المرتبطة بالسرطان.

من بين أنواع السرطانات المحددة، كان هناك خطرٌ أعلى قليلًا للإصابة بسرطان الخلايا القاعدية وهو النوع الأكثر شيوعًا من سرطان الجلد لدى المستخدمين، مقارنة بغير المستخدمين. ويبدو أن خطر الإصابة ببعض أنواع سرطان الثدي وسرطان المبيض يزداد مع الاستخدام طويل الأمد للصبغات الدائمة، كما يبدو أن النساء ذوات الشعر الداكن يزيد لديهن خطر الإصابة بمرض "لمفومة هودجكين" والمعروف سابقًا بـ"داء هودجكين"، وهو سرطان في الجهاز الليمفاوي، ولوحظ أن النساء ذوات الشعر الفاتح أكثر عرضة للإصابة بسرطان الخلايا القاعدية.

كانت هذه الدراسة كبيرة وجيدة الإعداد مع معدلات استجابة عالية من المشاركين، حيث حلل الباحثون البيانات التفصيلية ما سمح لهم باستكشاف الدرجة التي يمكن أن تُعزى فيها مخاطر الإصابة بالسرطان إلى الاستخدام الشخصي لصبغات الشعر الدائمة بدلًا من عوامل الخطر المحتملة الأخرى.

كان لهذه الدراسة أيضًا بعض القيود:
أولاً: كانت المشارِكات ممرضات من أصول أوروبية في الغالب، ما يعني أن النتائج ليست بالضرورة قابلة للتعميم على الرجال أو المجموعات العرقية أو الإثنية الأخرى.

ثانيًا: لم تستطع الدراسة حساب كل عامل من عوامل الإصابة بالسرطان (على سبيل المثال: التعرض للمبيدات الحشرية وغيرها من المواد الكيميائية الأخرى).

ثالثاً: لم تُجمع البيانات عن منتجات العناية بالشعر الأخرى بخلاف صبغات الشعر؛ ربما أبلغ الأشخاص عن طريق الخطأ باستخدام صبغات الشعر الدائمة بينما هم في الحقيقة يستخدمون صبغات الشعر المؤقتة أو الطبيعية.

بعد كل هذا.. هل نستخدم صبغات الشعر أم لا؟

لنجيب عن هذا السؤال لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط الرئيسية المستفادة من تلك الدراسة، وهي:
• إن الاستخدام الشخصي لصبغات الشعر الدائمة لا يزيد من خطر الإصابة بمعظم أنواع السرطان أو الوفيات الناتجة عنه، فهذا مطمئن، ولكن هناك حاجة إلى متابعة أمان استخدام هذه الصبغات.
• لا بد من إجراء المزيد من البحث لدراسة الخلفيات العرقية والإثنية المتنوعة وألوان محددة لصبغات الشعر (الفاتحة مقابل الداكنة) والأنواع الفرعية للسرطان ومستويات التعرض (الشخصية مقابل المهنية).
• على الرغم من أن هذه الدراسة كشفت عن ارتباط محتمل بين استخدام صبغات الشعر الدائمة وزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، فإنه لا توجد أدلة جديدة كافية لتغيير الرأي إلى توصيات لاستخدام صبغة الشعر الدائمة، وحتى تعرف المزيد، ضع في اعتبارك تاريخك الشخصي والعائلي عند اتخاذ قرار باستخدام صبغات الشعر الدائمة، فإن لم تكن واثقًا، استشر طبيبك للحصول على مزيد من الإرشادات.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات