متى ينشطر الإلكترون إلى قسمين؟

لا يُمكن أن يتحطم الإلكترون إلى جسيمات أصغر، لأنه جسيم عنصري (Elementary particle)، أو على الأقل هذا ما نعرفه حالياً. مع ذلك وفي ظاهرة تُعرف بالتشظي الالكتروني (Electron fractionalization) الموجودة في بعض المواد، يستطيع الإلكترون التحطم إلى "نبضات شحنة" أصغر، ويحمل كل جزء منها قسم من شحنة الإلكترون. على الرغم من وجود الكثير من التطبيقات للتشظي الإلكتروني، إلا أن أصله لا يزال غير مفهوم بشكلٍ جيد.

 

الآن، وفي ورقة علمية جديدة نُشرت في مجلة "Nature Communications"، أجرى فريق من علماء الفيزياء يقودهم جويندال فيف (Gwendal Fève) من المدرسة العليا في باريس ومختبر الضوئيات والهياكل النانوية، تجربة تُستخدم في العادة لدراسة الفوتونات بقصد معرفة الآليات الكامنة وراء التشظي الإلكتروني. تسمح هذه الطريقة للباحثين برصد تشظي إلكترون وحيد (Single-electron fractionalization) عند مقياس زمني يصل إلى رتبة "البيكوثانية".

 

يقول فيف لـ Phys.org: "كنّا قادرين على تمثيل انشطار الجيب الموجي الإلكتروني إلى جزأين، يحمل كل منهما نصف الشحنة الأصلية للإلكترون". ويتابع قائلاً: "دُرس التشظي الإلكتروني في أعمالٍ سابقة وبشكلٍ رئيسي خلال السنوات الخمس الماضية. عملنا هو الأول من نوعه الذي يجمع بين دقة فصل لإلكترون مفرد -تسمح لنا بمواجهة عملية التشظي عند الأحجام العنصرية- والفترة الزمنية من أجل تمثيل عملية التشظي".

 

تُعرف التقنية التي استخدمها الفريق بتجربة هونغ-أو-ماندل (Hong-Ou-Mandel)، والتي يُمكن استخدامها في قياس درجة التشابه بين فوتونين، أو -كما في هذه الحالة- بين نبضات إلكترونية مشحونة، وتحصل العملية داخل مقياس تداخل (Interferometer). تتطلب هذه التجربة وجود باعث إلكترونات مفردة، وهو ما طوّره باحثون من هذا الفريق بالإضافة إلى آخرين في الوقت الحالي.

 

حلّل الباحثون في البداية انتشار الإلكترون المفرد داخل السلك الخارجي أحادي الأبعاد لمقياس التداخل، وبعد ذلك عندما تشظى الإلكترون، تمكنوا من رصد التفاعل بين النبضتين المشحونتين داخل السلك الداخلي أحادي البعد. ووفقاً للباحثين: عندما يتحرك الإلكترون الأصلي على طول السلك الخارجي، تُنتج تفاعلات كولون (التفاعلات بين الجسيمات المشحونة)، الحاصلة بين حالات الإثارة الموجودة في السلكين الداخلي والخارجي، تُنتج نوعين من الأزواج المثارة (Excitation pairs): نبضتان بنفس الإشارة (تحملان شحنة إجمالية) ونبضتان بإشارتين متعاكستين (عند اجتماعهما معاً يصير التجمع حيادي).

 

يتحرك الزوجان المثاران عند سرعات مختلفة بفضل تفاعلات كولون، والتي تتسبب بدورها في تشظي الإلكترون الأصلي إلى نبضتين مشحونتين ومتمايزتين.

 

الصورة (1) تشظي الكتروني في القناة الأولى لنبضتين، الصورة (2) وهي صورة معدّلة مجهرية للعينة
الصورة (1) تشظي الكتروني في القناة الأولى لنبضتين، الصورة (2) وهي صورة معدّلة مجهرية للعينة

 

تكشف التجربة عن أنه عندما يتشظى إلكترون وحيد إلى نبضتين، لا يُمكن وصف الحالة النهائية بأنها حالة جسيم مفرد (Single-particle state)، وإنما حالة جمعية (Collective state) مكونة من بضعة إثارات. ولهذا السبب، تُدمر عملية تشظي الإلكترون الأصلي، ويُمكن قياس ذلك التدمير عبر معرفة فقدان الترابط الحاصل في الرزمة الموجية للإلكترون.

 

قد يؤدي الحصول على فهم أفضل لعملية التشظي الإلكتروني إلى الوصول إلى مجال متنوع من التطبيقات في مجال فيزياء المادة الكثيفة، مثل: التحكم بالتيارات أحادية الإلكترونات في الأسلاك أحادية البعد.

 

يقول فيف: "خلال السنوات الماضية، بُذل الكثير من الجهد في مجال التحكم والتلاعب بانتشار الإلكترونات في الموصلات الكهربائية". ويُضيف: "يحمل الأمر العديد من أوجه الشبه مع عمليات التلاعب الحاصلة في الحالات الكمومية للفوتونات في مجال البصريات. وتُعتبر الموصلات أحادية البعد مفيدة في هذا التحكم لأنها تُعطي القدرة على إرشاد الإلكترونات على طول مسار أحادي البعد. مع ذلك، فإنّ تفاعلات كولون بين الإلكترونات قوية جداً في الأسلاك أحادية البعد، وهي قوية إلى درجة تُدمر الإلكترونات عندها، فهي تتشظى. يكمن فهم عملية التشظي في فهم آلية تدمير الإلكترون العنصري في سلكٍ أحادي الأبعاد، ومثل هذا الفهم مهم جداً إذا أراد المرء التحكم بالتيارات الكهربائية عند الأحجام العنصرية للإلكترون المفرد".

 

يُخطط الباحثون مستقبلاً لإجراء تجارب باستخدام مقياس تداخل (Hong-Ou-Mandel) لفهم السبب الكامن وراء تسبب التشظي بتدمير الإلكترون ومعرفة الطرق المحتملة لإيقاف تلك العملية.

 

يقول فيف: "يُمكن استخدام مقياس تداخل Hong-Ou-Mandel في التقاط الامتداد المؤقت (أو الشكل) للرزم الموجية الإلكترونية، التي نستخدمها لتمثيل عملية التشظي. ويُمكننا أيضاً استعماله في التقاط علاقة الطور (أو تماسك الطور) بين مكونين من مكونات الرزمة الموجية".

 

ويُضيف: "تُحدد هذه المعلومات مجتمعةً حالة الإلكترون المفرد، وتُقدم قدرة كامنة لتصوير التابع الموجي للإلكترونات المفردة التي تنتشر في موصل أحادي الأبعاد. وسيُمثل ذلك أول فهم كامل نحصل عليه لآلية التشظي وبشكلٍ خاص كيفية قيامه بفك ترابط حالات الإلكترونات المفردة. يُقدم هذا الفهم أيضاً طريقة محتملة لاختبار فيما إذا كان بالإمكان حماية الإلكترونات المفردة من عملية فك الترابط هذه والمحفزة من قبل تفاعل كولون. هل يُمكننا إيقاف عملية التشظي أو إضعافها عبر إنقاص قوة تفاعل كولون؟ وبعد ذلك، سنكون قادرين على هندسة وتصوير حالات إلكترونية مفردة ونقية تمت حمايتها من تفاعل كولون".

 

ويُنهي فيف حديثه قائلاً: "الخطوة الطبيعية التالية هي مواجهة حالات الجسيمات القليلة (Few-particle states) والتشابك الإلكتروني في الموصلات الكمومية. من جديد، إنّ السؤال المتعلق بالتدمير الذي يُصيب تلك الحالات جرّاء تفاعل كولون سيكون سؤالاً جوهرياً".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مقياس التداخل (interferometer): عبارة عن أداة تقوم بقياس التداخل (Interferometry)
  • الالكترون (Electron): جسيم مشحون سلبياً، ويُوجد بشكلٍ عام ضمن الطبقات الخارجية للذرات. تبلغ كتلة الالكترون نسبة تصل إلى حوالي 0.0005 من كتلة البروتون.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات