منذ ما يقارب 75 عاماً، تساءل الفيزيائيّ الحائز على جائزة نوبل إروين شرودنجر Erwin Schrödinger هل لَعِبَ العالم الغامض لميكانيكا الكمّ دوراً في البيولوجيا؟ وإنّ نتيجةً جديدةً قدمها بريم كومار Prem Kumar من جامعة نورث وسترن Northwestern University أضافت المزيد من الأدلّة على أنّ الإجابة قد تكون نعم.
أنشأ كومار وفريقه لأوّل مرّة تشابكاً كمّياً quantum entanglement من نظام بيولوجيّ. هذه النتيجة يمكن أن تُحسِّن من فهم العلماء الجوهريّ للبيولوجيا، وربما تفتح الأبواب لاستغلال الأدوات البيولوجيّة لتُتِيح وظائفَ جديدةً عن طريق تسخير ميكانيك الكم.
يقول كومار وهو بروفيسور الهندسة الكهربائيّة وعلوم الكمبيوتر في كلية ماكورميك McCormick School في نورث وسترن للهندسة والفيزياء وعلم الفلك في كلية واينبرغ للفنون والعلوم Weinberg College of Arts and Sciences: "هل يمكننا تطبيق أدوات الكم لمعرفة المزيد عن البيولوجيا؟ لقد طَرَحَ الناس هذا السؤال لسنواتٍ عديدةٍ، يعود تاريخها إلى مَطلَع ميكانيك الكم. وسبب اهتمامنا في هذه الحالات الكموميّة الجديدة هي أنّها تسمح بالحصول على تطبيقاتٍ يستحيل الحصول عليها بطريقةٍ أخرى".
التشابك الكمّي هو واحدٌ من أكثر الظواهر الغامضة لميكانيك الكم. فعندما يتشابك جُسيمان (مثل الذرات أو الفوتونات أو الإلكترونات) فإنّها تختبِر رابطاً لا يمكن تفسيره، يُحفَظ حتّى لو كانت الجُسيمات على جانبين مُختلفين من الكون.

وفي وقت التشابك فإن تصرّف الجُسيمات يرتبط أحدهما بالآخر. على سبيل المثال، إذا وُجِدَ أحد الجُسيمات يدور في أحد الاتجاهات، فإن الجُسيم الآخر سيُغيّر دورانهُ على الفور بنفس الطريقة التي يمليها عليه التشابك. وقد اهتم الباحثون، بمن فيهم كومار، بتسخير التشابك الكمّي لعدّة تطبيقاتٍ، بما في ذلك الاتصالات الكمّية.
ولأن الجسيمات يمكن أن تتواصل بدون أسلاك أو كابلات، فإنّه يمكن استخدامها لإرسال رسائلَ آمنةٍ أو للمساعدة ببناء "انترنت كمّي" سريع جداً. وقال كومار: "إنّ الباحثين يحاولون أن يُشابكوا أكبر وأكبر مجموع من الذرات أو الفوتونات لتطوير ركائزَ لتصميم وبناء آلة كموميّة. يبحث مُختبري فيما إذا كُنّا نستطيع بناءَ هذه الآلات على الركيزة البيولوجية".
في هذه الدراسة، استخدم فريق كومار البروتينات الفلورية المتألّقة الخضراء، وهي البروتينات المسؤولة عن التألّق الحيوي وتستخدم عادةً في البحوث البيولوجية الطبيّة. حاول الفريق أن يُشابِك الفوتونات المتولِّدة من الجزيئات المشعّة فلورياً داخل بنية البروتين أسطوانيّ الشكل الخاص بالطحالب من خلال تعريضها إلى دمجٍ تلقائي رباعي الموجة، وهي عملية تتفاعل فيها أطوالٌ موجيّة متعدّدة مع بعضها البعض لإنتاج أطوالٍ موجيّةٍ جديدة.
من خلال سلسلة من هذه التجارب، أثبتَ كومار وفريقه بنجاح نوعاً من التشابك، ودُعِيَ بتشابك الاستقطاب polarization، بين أزواج الفوتونات. وهي نفس الميزة المستخدمة لصنع نظاراتٍ لمشاهدة الأفلام ثلاثة أبعاد 3D، والاستقطاب هو اتجاه التذبذبات في موجات الضوء.
يمكن للموجة أن تتذبذب عمودياً، أو أفقياً، أو في زوايا مختلفة. وفي أزواج كومار المتشابكة، تتشابك الاستقطابات الخاصة بالفوتونات، وهذا يعني أن اتجاهات التذبذب للموجات الضوئية مرتبطة. لاحظَ كومار أيضاً أن البنية أسطوانيّة الشكل المحيطة بالجزيئات المشعّة فلورياً تحمي التشابك من الاضطراب/ التعطيل.
قال كومار: "عندما قمت بقياس الاستقطاب العمودي لأحد الجُسيمات، كُنّا نعلم أنّه سيكون هو نفسه في الجُسيم الآخر. إذا قمنا بقياس الاستقطاب الأفقيّ لأحد الجُسيمات، يمكننا التنبؤ بالاستقطاب الأفقيّ في الجُسيم الآخر. لقد أنشأنا حالةَ تشابكٍ مُرتبطةً في جميع الاحتمالات معاً".
الآن بعد أن أثبتوا أنّه من الممكن إنشاء التشابك الكمّيّ من الجُسيمات البيولوجيّة، فإنّ كومار وفريقه يخطّطون بعدها لصنع ركيزةٍ بيولوجيّةٍ من الجسيمات المتشابكة، والتي يمكن استخدامها لبناء آلة كمّومية. ثم سيسعون لفهم هل تعمل الركيزة البيولوجيّة بشكلٍ أكثر كفاءة من الركيزة الاصطناعية؟.
نُشِرَ البحث بدعمٍ جزئي من وكالة مشاريع البحوث المتقدّمة للدّفاع، في 5 كانون الأول/ديسمبر في مجلة Nature Communications.