يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
انفجارات راديوية تنبعث كل ثانية

تُظهر هذه الصورة التخيلية جزءًا من النسيج الكوني وهو بُنيةٌ خياليةٌ من المجرات التي تمتد عبر الفضاء بأكمله. هذه النقاط الزرقاء هي إشاراتٌ من نبضات موجاتٍ راديويةٍ تستمر لبضعة أجزاءٍ من الألف من الثانية وتحدث بمعدلاتٍ عاليةٍ جدًا. حقوق الصورة: M. Weiss/CfA

عندما اكتُشِفت الانفجارات الراديوية السريعة Fast Radio Bursts واختصاراً (FRBs)، لأوّل مرةٍ في عام 2001، لم يرَ علماء الفلك أيّ شيءٍ مثلها سابقًا. ومنذ ذلك الحين، رصد علماء الفلك بضع عشرات من (FRBs) لكنهم ما زالوا يجهلون مصدر انبعاث هذه الانفجارات الراديوية القوية والسريعة.

للمرة الأولى، قدّر عالِما فلك من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية (CfA) عدد الانفجارات الراديوية السريعة التي تحصل خلال الكون المنظور بأكمله. يشير بحثهما إلى أن واحدةً على الأقل من (FRBs) تتكوّن في مكانٍ ما كلّ ثانيةٍ.

تقول أناستازيا فيالكوف (Anastasia Fialkov) من (CfA) والتي قادت الدراسة: "إذا كنا على صوابٍ حول هذا المعدل المرتفع من (FRBs) التي تتكون بكل وقتٍ من الأوقات، يمكنك أن تتخيل السماء مليئة بومضاتٍ بحادث مشابهٍ لمصورين يقومون بالتقاط الصور للمشاهير". "بدلًا من الضوء المرئي الذي نراه بأعيننا، تأتي هذه الومضات على شكل موجاتٍ راديويةٍ".

ولتقدير أعدادها افترضت فيالكوف والمؤلف المشارك آفي لوب (Avi Loeb) أن النبضة الراديوية 121102، وهي انفجار موجةٍ راديويةٍ سريعٌ يقع في مجرةٍ تبعد عنا حوالي ثلاث مليارات سنةٍ ضوئيةٍ، تمثل جميع الموجات الراديوية الأخرى لأنها تُطلق موجاتٍ راديويةٍ متكررةٍ منذ اكتشافها في العام 2012، حيث مكنتهم هذه النبضة من القيام بالمزيد من الدراسات المستفيضة عن النبضات الراديوية الأخرى واستخدام هذه المعلومات لحساب عدد هذه النبضات في الكون بأكمله.

يقول آفي لوب: "خلال الوقت الذي تقضيه لشرب فنجانٍ من القهوة، قد تكون مئاتٌ من النبضات قد انفجرت في مكانٍ ما في الكون". ويضيف: "إذا تمكنا من دراسة حتى جزءٍ بسيطٍ من تلك الأرقام سوف نكون قادرين على معرفة مصدرها".

ففي حين أن طبيعة هذه النبضات لا تزال غير معروفة، يعتقد معظم العلماء أنها تنشأ في المجرات التي تبعد عنا ملياراتٍ من السنوات الضوئية. إحدى الأفكار الرائدة هي أن هذه النبضات منتجٌ ثانويٌّ من نجومٍ نيوترونيةٍ شابةٍ تدور بسرعةٍ عاليةٍ تملك مجالًا مغناطيسيًا قويًا للغاية.

يشير فيالكوف ولوب إلى أنه يمكن استخدام هذه النبضات لدراسة بنية وتطور الكون حتى لو لم يكن المصدر المسبب لها معروفًا. يمكن أن يكون العدد الكبير لهذه النبضات بمثابة أداة فحص مواد عبر مسافاتٍ هائلةٍ. هذه النبضات تشوه إشعاع الخلفية الكوني الميكروي cosmic microwave background radiation واختصاراً (CMB)، وهو الإشعاع المتبقي من الانفجار العظيم Big Bang. ومن شأن دراسةٍ متأنيةٍ لهذه المادة المتداخلة أن تعطي فهمًا أفضل لمكونات الكون الأساسية، مثل الكميات النسبية للمادة العادية ordinary matter، والمادة المظلمة dark matter، والطاقة المظلمة dark energy، التي تؤثر على مدى سرعة توسع الكون.

يمكن أيضًا استخدام هذه النبضات لمعرفة المسبب الذي أزال "الضباب" وهو هنا ذرات الهيدروجين التي سادت الكون المبكر وملأته بالإلكترونات الحرة والبروتونات، حينما انخفضت درجات الحرارة بعد الانفجار العظيم. ويُعتقد أن الإشعاع فوق البنفسجي الذي صدر من النجوم الأولى أين غاز الهيدروجين، وأزال الضباب وسمح لضوء الأشعة فوق البنفسجية بالهروب. إن دراسة هذه النبضات البعيدة جدًا تسمح للعلماء بدراسة أين ومتى وكيف حدثت هذه العملية المُسمّاة "إعادة التأين".

تقول فيالكوف: "هذه النبضات تشبه المصابيح القوية تقريبًا والتي نعتقد أنها يمكن أن تخترق هذا الضباب وأن نُلقي عليها النظر من مسافات شاسعة. يمكن أن يسمح لنا ذلك بدراسة لحظات الكون الأولية بطريقةٍ جديدةٍ تمامًا".

كما درس المؤلفون مدى نجاح التلسكوبات الراديوية، سواءً تلك التي تعمل بالفعل أو تلك التي ستُنشأ مستقبلًا، التي قد تكشف عن أعدادٍ كبيرةٍ من النبضات الراديوية.

على سبيل المثال، مصفوفة الكيلو متر المربع (Square Kilometer Array) ويرمز لها (SKA) التي تُطوَّر حاليًا ستكون أداةً قويةً للكشف عن هذه النبضات. تُشير الدراسة الجديدة إلى أنه في السماء بأكملها قد تكون مصفوفة (SKA) قادرةً على الكشف عن أكثر من نبضةٍ في الدقيقة الواحدة التي تحدث خلال وقت إعادة التأيّن.

ستكون آلة رسم خرائط كثافة الهيدروجين الكندية (CHIME)، التي شُغِّلت مؤخرًا، أداةً قويةً للكشف عن هذه النبضات، على الرغم من أن قدرتها على اكتشاف (FRBs) تعتمد على طيفها الموجي، على سبيل المثال تعتمد شدة الموجة الراديوية على طول الموجة. إذا كان الطيف الخاص بالنبضة 121102 نموذجيًا فإن (CHIME) ستكافح لاكتشافها. أما إذا كان الطيف الموجي مختلفًا فإنها ستنجح بعملها.

نُشِرت ورقة فيالكوف ولوب التي تصف هذه النتائج في العاشر من أيلول/سبتمبر 2017 في مجلة الفيزياء الفلكية ومتوفرة على الإنترنت.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (cosmic microwave background): أو اختصاراً CMB، وهو الإشعاع الحراري الذي خلفه ورائه الانفجار العظيم، وهي موجودة في كل الاتجاهات بالكثافة نفسها، وتعادل درجة حرارة 2.725 درجة كلفن.
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الطاقة المظلمة (Dark Energy): هي نوع غير معروف من الطاقة، ويُعتقد بأنه المسؤول عن تسارع التوسع الكوني.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات