عاصفة مجريّة باردة خلال المراحل المبكرة من تاريخ الكون

تمكَّن علماء الفلك من الإبحار عميقاً في الكون الشاب من أجل تحديد الطريقة التي تشكلّت فيه "الكوازارات" والتي شكلت عملية تطور المجرات.

نَظَرَ فريقان من علماء الفلك، يقودهما باحثون من جامعة كامبريدج، إلى ما قبل 13 مليار عام تقريباً، عندما كان عمر الكون عُشر عمره الحالي، من أجل تحديد كيفية تنظيم الكوازارات –أجسام فائقة السطوع تُغذيها ثقوب سوداء فائقة الكتلة، إذ تصل كتلتها إلى مليار ضعف كتلة الشمس – لعملية تشكل النجوم وبناء أضخم المجرات.

باستخدام مجموعة من البيانات القادمة من تلسكوبات راديوية قوية وعمليات محاكاة حاسوبية فائقة، وجد الفريق أن الكوازار يقوم بقذف كمية من الغاز عند سرعة تصل إلى 2000 كيلومتر في الثانية وعلى امتداد مسافات تصل إلى حوالي 200000 سنة ضوئية، أي أبعد بكثير مما رُصِد في أي وقت سابق.

كيف يُمكن لمثل هذه الغازات الباردة –المواد الخام لعملية التشكل النجمي في المجرات – أن تتسارع إلى مثل هذه السرعات؟ ظل هذا السؤال لغزاً محيراً. 

سمحت المقارنات التفصيلية للمراقبات الحديثة وعمليات المحاكاة التي تمت باستخدام الحواسيب الفائقة، للباحثين الآن فهمَ كيفية حصول ذلك: 
يتم في البداية تسخين الغاز إلى درجات حرارة تصل إلى ملايين الدرجات، وذلك نتيجة الطاقة التي يُحررها الثقب الأسود فائق الكتلة، الذي يقوم بتغذية الكوازار. يُسارع هذا الضغط الهائل والمتراكم الغاز الساخن ويدفعه إلى محيط المجرة.

تُبين عمليات المحاكاة الحاسوبية أنه أثناء مُضي تلك الغازات في طريقها إلى خارج المجرة، تمتلك الوقت الكافي لتَبْرد البعض منها إلى درجة حرارة منخفضة بشكلٍ مناسب فتُصْبح قابلة للرصد من قبل التلسكوبات الراديوية. تم عرض النتائج في ورقتين علميتين مستقلتين نُشِرتا يوم 16 يناير/كانون الثاني في مجلة الملاحظات الشهرية للجمعية الملكية لعلم الفلك وفي مجلة علم الفلك والفيزياء الفلكية.

الكوازارات واحدة من بين أكثر الأجسام لمعاناً في الكون، وأبعد الكوازارات عنا يقع بعيداً إلى درجة تسمح لنا بالإبحار عائدين بالزمن مليارات السنين إلى الوراء. تُغذي تلك الكوازارات ثقوبٌ سوداء فائقة الكتلة وموجودة في مراكز المجرات، وهي محاطة بقرص دوار سريع جداً –منطقة من الغازات-وأثناء قيام الثقب الأسود بسحب المادة من محيطه، تنطلق كميات هائلة من الطاقة.

تقول كلاوديا سيكون (Claudia Cicone)، طالبة دكتوراه في مختبر كافنديش بكامبريدج ومعهد كافلي لعلم الكون، وهي المؤلف الرئيسي للورقة العلمية الأولى: "إنها المرة الأولى التي نُشاهد فيها غازاً بارداً يتدفق ويتحرك عند هذه السرعات الهائلة وإلى مثل هذه المسافات الشاسعة التي تفصله عن الثقب الأسود فائق الكتلة. من الصعب جداً الحصول على مواد بدرجات حرارة منخفضة كهذه وتتحرك عند سرعات كبيرة كالتي لديها".

سمحت مراقبات سِيكُون (Cicone) للفريق الثاني من الباحثين، المتخصصين في عمليات المحاكاة باستخدام الحواسيب الفائقة، تطوير نموذج نظري مفصل عن الغاز المتدفق والمحيط بكوازار لامع.

يقول تياغو كوستا (Tiago Costa)، طالب دكتوراه من معهد علم الفلك ومعهد كافلي لعلم الكون، وهو المؤلف الرئيسي للورقة الثانية: "وجدنا أنه أثناء إنطلاق الغاز خارج الكوازار بدرجة حرارة مرتفعة جداً، يكون هناك وقت كافي من أجل أن تبرد نسبة معينة منه عبر التبريد الإشعاعي –بشكلٍ مشابه لكيفية تبريد الأرض أثناء الليالي الباردة جداً. الأمر المذهل في الموضوع هو أنه في هذه المجرة البعيدة والموجودة عندما كان الكون شاباً، كانت الظروف مواتية جداً من أجل تبريد كمية كافية من الغاز الساخن والمتحرك بسرعة كبيرة، إلى درجات حرارة منخفضة كتلك التي رصدها فريق (كلاوديا)".

جمع الباحثون، العاملين في مقياس التداخل IRAM الموجود في (الألب) في فرنسا، بيانات عند مجال الأطوال الموجية الميليمترية، مما يسمح بمراقبة الإصدار القادم من الغاز البارد، والذي يُعتبر الوقود الأساسي لعملية التشكل النجمي والعنصر الرئيسي في المجرات، لكن هذا الغاز غير مرئي بالكامل تقريباً عند استخدام أطوال موجية أخرى.



إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات