علّلت دراسة لمَ لا تطلق المجرّات نجوماً كما هو متوقّع.
يولد عدد من النجوم كلّ عام في درب التبّانة بينما يومض العديد عبر الكون، ولكن لاحظ الفلكيّون أنّه من المفترض أن تتمخّض عن المجرّات ملايين أكثر من النجوم طبقاً للكميّة المتوفّرة من الغاز داخل النجوم. فقد جمعت دراسة جديدة من كلّ من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، ومن جامعة كولومبيا (Columbia University) ومن جامعة ميشيغن الحكوميّة (Michigan State University) نظريّةَ تصف كيف يمكن لعناقيد المجرّات أن تنظّم تشكّل النجوم. وستنشر عملهم في مجلّة Nature (الطبيعة) هذا الأسبوع.
عندما يبرد الغاز داخل العناقيد بسرعة فإنه يتكثّف، وبعدها ينهار ليشكّل نجوماً جديدة. لطالما اعتقد العلماء أنّ شيئاً ما يمنع الغاز من أن يبرد للدّرجة الكافية ليولّد نجوماً جديدة، وهذا بالضبط ما بقي لغزاً. ويقول الباحثون أنّه بالنسبة لبعض عناقيد المجرّات، ببساطة قد يكون الغاز ساخناً جدّاً على رتبة مئات ملايين الدرجات سيليسيوس. وحتى لو تعرّضت بعض المناطق للتبريد، فإنّ شدّة الحرارة المحيطة ستمنع تلك المنطقة من أن تبرد أكثر – ما يُعرف بتأثير التوصيل (conduction).
ويقول مايكل ماكدونالد (Michael McDonald)، شريك في مهمة هابل من معهد كافلي (Kavli) للفيزياء الفلكيّة وأبحاث الفضاء التابع لمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا: "سيكون الأمر كوضع مكعّب ثلج في وعاء ماء يغلي؛ سيكون متوسّط درجة الحرارة عند الغليان، وسيسهّل التوصيل توزيع الحرارة عند درجات الحرارة الفائقة. وبذلك لن نحصل على أيّ من تلك السحب الباردة التي بدورها ستشكّل النجوم".
أمّا بالنسبة لما نسمّيه عناقيد مجرّات "اللبّ البارد" (cool core)، فقد يكون الغاز بالقرب من المركز بارداً بما يكفي لتشكّل بعض النجوم، ولكنّ جزءٌ من هذا الغاز المبرّد قد يتهاطل في ثقب أسود مركزيّ، والذي بدوره يُخرج موادّ ساخنة تعيد تسخين ما حولها، ما يَحول دون تشكّل العديد من النجوم – تأثير اصطلح الفريق له اسماً هو "التغذية الارتجاعيّة المحثوثة بالتكثّف" (precipitation-driven feedback).
ويضيف ماكدونالد: "ستتشكّل بعض النجوم، ولكن قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة، سيقوم الثقب الأسود برفع درجة حرارة كل شيء؛ الأمر أشبه بمنظّم حرارة للعنقود. تزوّدنا المجموعة المؤلّفة من كل من التوصيل والتغذية الارتجاعيّة المحثوثة بالتكثّف، بصورةٍ بسيطة وواضحة عن كيفيّة كبح تشكّل النجوم في عناقيد المجرّات".
تخطّي العتبة الخاصّة بالمجرّة
توجد أصناف لعناقيد المجرّات في الكون: العناقيد باردة اللب – تلك التي تبرد بسرعة مشكّلة النجوم – وتلك العناقيد التي لبّها ليس بارداً والتي ليس لديها وقت كافٍ لتبرد.
عنقود السبات (Coma cluster)، وهو عنقود غير بارد، ممتلئ بالغاز بدرجة حرارة لفّاحة، تصل لمئة مليون درجة مئويّة. وليتشكّل أي نجم، يجب على هذا الغاز أن يبرد لعدّة بلايين السنين. بالمقارنة، عنقود بيرسيوس (Perseus) المجاور هو عنقود بارد اللب غازه الداخليّ معتدل نسبيّاً، بدرجة حرارة تصل لعدّة ملايين من الدرجات المئويّة. وتنبثق نجوم جديدة أحياناً من برودة هذا الغاز في عنقود بيرسيوس، على الرغم من أنّها ليست بالعدد الذي يتوقّعه العلماء.
يقول ماكدونالد: "تفوق كميّة الوقود اللازم لتشكّل النجوم كميّة النجوم بعشر مرّات، لذا يجب أن تكون هذه العناقيد غنيّة بالنجوم. إنّك فعلاً بحاجة لآليّة تمنع بها الغاز من أن يبرد، وإلّا فسيكون في الكون عشرة أضعاف عدد نجومه الحاليّة". وضع ماكدونالد وزملاؤه هيكلاً نظريّاً يعتمد على آليّتين مضادتين للتبريد. قام الباحثون بحساب سلوك الغاز داخل المجرّة وفقاً لنصف قطر المجرّة وكتلتها وكثافتها ودرجة حرارتها، فوجدوا أنّ هناك عتبة حرجة لدرجة الحرارة تتسارع تحتها برودة الغاز بشكل كبير، مما يؤدي بالغاز أن يبرد بسرعة كافية ليشكّل النجوم.
وحسب نظريّة المجموعة، فإن آليّتين مختلفتين تقومان بتنظيم تشكّل النجوم، بالاعتماد على ما إذا كان عنقود المجرّة فوق أم تحت عتبة درجة الحرارة. أمّا بالنسبة للعناقيد التي تخطّت العتبة بشكل كبير، فسيقوم التوصيل بوضع صمّام مثبّط لتشكّل النجوم؛ حيث يغمر الغازُ الساخن المحيط أيّ جيوب غازيّة باردة قد تتشكّل، ما يبقي كلّ شيء في العنقود على درجة عالية من الحرارة.
يقول ماكدونالد: "أما بالنسبة للعناقيد الأكثر حرارة، فهي عالقة في هذه الحالة الساخنة ولن تبرد لتشكّل نجوماً. وحالما تصل إلى هذا النظام من درجات الحرارة العالية، فالتبريد ليس كافٍ حقّاً، وستعلق هكذا للأبد".
إن انخفاض درجات الحرارة لتشكيل النجوم أسهل بكثير بالنسبة للغاز في درجات الحرارة القريبة من العتبة. ولكن، في هذه العناقيد، تبدأ التغذية الارتجاعيّة المحثوثة بالتكثّف تعمل، لتنظّم تشكّل النجوم. بينما يمكن للغاز الذي يبرد أن يتكثّف ويشكّل سحباً من قطيرات سائلة يمكن أن تشكّل نجوماً، فمن الممكن أيضاً لهذه القطيرات أن تتساقط في ثقب أسود مركزيّ. وفي هذا الحال يمكن للثقب الأسود أن يطلق دفقات حارّة من المواد إلى العنقود، ما يسخّن الغاز المحيط مجدّداً، فيَحول دون تشكّل مزيد من النجوم.
يضيف ماكدونالد: "نرى هذه الدفقات في عنقود بيرسيوس حيث تقوم بفعلها على الغاز الساخن، مع كلّ الفقاعات والتموّجات وأمواج الصدمة. ولدينا الآن إحساس جيّد عما أطلق تلك الدفقات التي كانت غازاً مكثّفاً يتساقط على الثقب الأسود".
على المسار الصحيح
قارن ماكدونالد وزملاؤه هيكلهم النظريّ بمشاهدات لعناقيد مجرّات بعيدة، فوجدوا أنّ نظريّتهم تتطابق مع الاختلافات الملاحظة بين العناقيد. فقد جمع الفريق بيانات من مرصد تشاندرا العامل بالأشعّة السينيّة (Chandra X-ray Observatory) وتليسكوب القطب الجنوبيّ، وهو مرصد في القطب الجنوبيّ يقوم بالبحث عن عناقيد مجرّات ضخمة بعيدة. كما قارن الباحثون هيكلهم النظريّ بمواعيد برود الغاز لكلّ عنقود مجرّة معروف، فوجدوا أنّ العناقيد انصبّت في قسمين؛ عناقيد بطيئة البرودة جدّاً، وعناقيد تبرد بسرعة، وهي قريبة من النسبة التي تنبّأ بها الفريق كعتبة حرجة.
ويصرح ماكدونالد أنّ الباحثين قد يتمكّنون من التنبّؤ بتطوّر عناقيد المجرّات والنجوم التي تنتجها باستخدام الهيكل النظريّ، فيقول: "لقد بنينا تسلسلاً تتبعه العناقيد. والأمر الجميل والبسيط في هذا الهيكل هو أنّك ستعلق في أحد صيغتين، ولمدّة طويلة جدّاً، حتّى يخرجك منه أمر كارثيّ للغاية، كتصادم مباشر مع عنقود آخر".
يأمل الباحثون أن يمعنوا النظر في النظريّة ليفهموا ما إذا كانت آليّة تنظيم تشكّل النجوم في العناقيد تنطبق أيضاً على مجرّات منفردة. ويعلن ماكدونالد أنّ الدليل الأوّليّ يشير إلى أنّ الحال هو كذلك.
يضيف ماكدونالد: "إن استطعنا أن نستخدم كلّ هذه المعلومات لنفهم لِم تتشكّل النجوم حولنا أم لا، فسنحقّق خطوة كبيرة للأمام". ويقول بول نيلسين (Paul Nulsen)، الفلكيّ في مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكيّة (Harvard-Smithsonian Centre for Astrophysics) والذي لم يكن مشاركاً في هذا البحث: " تبدو [هذه النتائج] واعدة جدّاً. وسنحتاج للمزيد من العمل لنبرهن بشكل حاسم أنّ التكثّف هو المصدر الرئيس للغاز الذي يزوّد التغذية الارتجاعيّة بالقوّة''.
يجب علينا أيضاً أن نفهم العمليّات الأخرى في دورة التغذية الارتجاعيّة. على سبيل المثال، لا يزال هناك خلاف على كيفيّة إنتاج دفقات من الطاقة إثر سقوط الغاز في ثقب أسود ضخم، أو كيف يمكن لها أن تكبح التبريد في الغاز المتبقّي. ليست هذه نهاية القصّة، بل هي نظرة مهمّة في مشكلة أثبتت أنّها أكثر صعوبة مما توقّعه أي أحد".
مُوّل جزء من هذا البحث من قبل المؤسّسة القوميّة للعلوم (National Science Foundation) وناسا.