خوارزميات جينية قادرة على تحسين المحاكاة الكمومية


للمرة الأولى استخدم باحثون الخوارزميات الجينية لتقليل الأخطاء في المحاكاة الكمومية الرقمية. 
المصدر: U. Las Heras et al. ©2016 American Physical Society



يشكل كل من الاصطفاء الطبيعي ومفهوم "البقاء للأقوى" survival of the fittest مصدري الإلهام لما يسمى "الخوارزميات الوراثية" أو الجينية genetic algorithms. تعرّف هذه الخوارزميات بأنها تقنيات تحسينٍ مرنة تستطيع العثور على الحل الأمثل لأي مسألة من خلال عمليات الانتقاء والتوالد المتعاقبة لأفضل الأجيال من الحلول. 

وقد تمكّن "أوتزي لاس هيراس" Urtzi Las Heras وزملاؤه الباحثون في جامعة إقليم الباسك في إسبانيا، من تطبيق الخوارزميات الجينية على محاكاةٍ كموميةٍ رقمية، ولم يكتفوا فقط ببرهان قدرتها على تقليل نسبة الأخطاء في الحسابات الكمومية، بل نجحوا أيضًا في إثبات تفوّقها حتى على تقنيات التحسين المستخدمة حاليًا. تولى قيادة هذا البحث، الذي نشر في دورية Physical Review Letters، كل من الأستاذ "إنريكي سولانو" Enrique Solano والدكتور "مايكل سانز"Mikel Sanz، وهما عضوان في مجموعات الأبحاث المختصة بالتقنيات الكمومية المستخدمة في علوم المعلومات (QUTIS). 

يمكن أن تقدّم لنا عمليات المحاكاة الكمومية، بشكل عام، صورةً واضحةً عن ديناميكية الأنظمة التي تتمتع بدرجة عالية من التعقيد، ما يجعل من المستحيل فهمها باستخدام الحواسيب التقليدية. وفي حين تعمل الحواسيب التقليدية على حساب سلوك تلك الأنظمة، فإن عمليات المحاكاة الكمومية تهدف لتقريب أو 'محاكاة' ذلك السلوك. 

تصنف المحاكاة الكمومية الرقمية على أنها تقنية كمومية، وبالتالي فهي تواجه ذات التحديات التي يعاني منها مجال الحوسبة الكمومية عمومًا. وتتمثل إحدى هذه التحديات في فقدان المعلومات، نتيجة فك حالة الترابط الكمومي، وهو أمر يحدث عندما يتفاعل النظام الكمومي مع محيطه. ومن جهتهم، يسعى العلماء إلى تجنب حصول ذات الأمر (أي فقدان المعلومات) عند تطبيق عمليات المحاكاة الكمومية، لذا يستخدمون بروتوكولات كمومية لتصحيح الخطأ، والتي تقدم نوعًا من الدعم الاحتياطي القائم على تخزين المعلومات بواسطة البوابات الكمومية في حالات متشابكة من الكيوبتات المتعددة. 

وبالطبع، يعد تخزين المعلومات في حالة متشابكة مهمةً بالغة التعقيد فيما يخص مجال تصحيح الخطأ الكمومي. فعلى سبيل المثال، إذا وجد نظام ما مكون من 4 كيوبتات و 7 بوابات كمومية، فإن العدد الممكن لترتيبات البوابة قد يصل إلى نحو عدة تريليونات. ومن هذا المنطلق يستخدم العلماء "تقنيات التحسين" Optimization techniques، بهدف فحص جميع هذه التصاميم والعثور على البنية الأمثل التي تقلل من الخطأ.


وقد بين الباحثون في دراستهم الجديدة أن الخوارزميات الوراثية تستطيع تحديد تصاميم البوابة في المحاكاة الكمومية الرقمية، وهي تصاميم تتفوق بشكل كبير على تلك التي تحددها تقنيات التحسين التقليدية الأخرى. وينعكس هذا الأمر إيجابًا على عملية المحاكاة من حيث الوصول إلى أدنى مستوى للأخطاء الكمومية الرقمية أُحرز حتى الساعة.

وبالإضافة إلى مساعدتها في تقليل الأخطاء الناجمة عن فك الترابط الكمومي، تستطيع الخوارزميات الجينية خفض نسبة نوعين آخرين من الأخطاء في المحاكاة الكمومية الرقمية. ينتج النوع الأول منهما عن انخفاض عدد الخطوات المتبعة لتقريب الخوارزميات، وينشأ الثاني من العيوب الموجودة في كل واحدة من البوابات. وفي هذا الصدد، يشرح الباحثون أن أحد الأسباب الكامنة وراء الأداء الرائع للخوارزميات الجينية، هو قدرتها على التكيف. فكما هو الحال في عملية الاصطفاء الطبيعي، التي تتكيف مع جميع التغيّرات الحاصلة في الظروف البيئية، تستطيع الخوارزميات الجينية أن تتكيف باستمرار مع مختلف القيود التي تفرضها التقنيات الكمومية المتعددة.

يقول سولانو في حديثه مع موقع Phys.org: "تتميز الخوارزميات الجينية بعدة خصائص، لعل أبرزها هو: التكيف والصلابة. تسمح لنا قدرتها على التكيف بالوصول إلى تقنيات مرنة وذكية تساعدنا في معالجة المسائل المختلفة في المنصات والتقنيات الكمومية المتعددة. وفي المقابل، تنتج صلابة تلك الخوارزميات حلولًا مقاومة للأخطاء، ما يمكننا من إلغاء مصادر الخطأ بمختلف أشكاله. وبالنظر إلى جميع المزايا المذكورة، يمكننا القول إن بحثنا يقدم وسيلة مرنة في عمليات المحاكاة الكمومية مما يساهم في خفض الموارد الفيزيائية المطلوبة، مع الحفاظ طبعًا على دقة سير العملية. وإنه كذلك يخفض من فك الترابط الإجمالي والأخطاء الرقمية، من خلال ضبط مصادر الخطأ الحتمية وجعلها تلغي بعضها". 

استُخدمت الخوارزميات الجينية بالفعل في مجموعةٍ واسعةٍ من التطبيقات من قبيل العثور على التصميم الأكثر كفاءة للدارات الكهربائية، والعثور على اتجاه المرآة الذي يركز أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس على المجمّعات الشمسية، وتصميم الهوائيات التي تُضبط على نحو مثالي، للكشف عن أنواع محددة من الإشارات. 

ومن المتوقع، نظرًا إلى حجم المساعدة الهائل الذي تقدمه الخوارزميات الجينية، أن تغدو عمليات المحاكاة الكمومية في المستقبل مفيدة لاكتساب فهم أفضل لقوانين الفيزياء المعقدة، وتصميم المركّبات الكيميائية والمواد الجديدة، ومعالجة المسائل المتعلقة بالتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. 

يعلق سولانو في ختام حديثه قائلًا: "بالوسع الاستفادة من هذه التقنيات في معالجة المسائل التي تتطلب موارداً ليس من الممكن تحملها في مجال المحاكاة الكمومية الرقمية حاضرًا ومستقبلًا، والحوسبة الكمومية المعتمدة على البوابات، وذلك عبر تقليل الأخطاء فيها وتحسينها. وتستطيع هذه التقنيات، أيضًا، تحويل أي مشكلة إلى بوابات كمومية تتكيف مع مختلف المنصات والتقنيات الكمومية، كذلك يمكن تطبيقها على المشاكل المختلفة في الحوسبة الكمومية والمعلومات الكمومية، من مثل تصميم كيوبتات مطورة. وبطبيعة الحال، لا داعي للقول بأن عمليات المحاكاة الكمومية والحوسبة الكمومية تستهدف بشكل رئيسي التطبيقات الخاصة بكل من الذكاء الاصطناعي وتمييز الأنماط وتصميم مركبات كيميائية ومواد جديدة ومعالجة المسائل المعقدة في مجال ديناميكا الهواء، ونظريات الحقل الكمومي وكثير غيرها".
 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمثلة (optimization): هي اختيار العنصر الأفضل، بالنسبة لمعيارٍ معين، من مجموعة من البدائل المحتملة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات