لمحة مختصرة
وضّح فريق من الفيزيائيين مبادئ عمل النّظام الكمّي، وبيّنوا أن البتّات الكميّة (qubits) الداعمة لهذا النظام تمثّل 512 رقماً في آنٍ واحد، وتعني هذه النقلة النوعيّة أنّنا على بعد أشهرٍ من التفوّق الكمّي.
المحطّة التالية: التفوق الكمّي
الحوسبة الكميّة هي الحلقة الأساسية في عالم الحوسبة، لها قدرةٌ مضاعفةٌ على التفوق على الحواسيب العاديّة، إذ تتمكن الحواسيب الكميّة ذات 50 كيوبت أو أكثر من التفوق على أقوى الحواسيب الخارقةِ الحاليّة.
كان الطريق إلى تجاوز الحدود التي فرضتها الحوسبة التقليدية، وهو ما يُعرف بالتفوّق الكمّي، طريقاً مليئاً بالصعوبات.
في الوقت الحالي، أظهر فريقٌ من الفيزيائيين من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا The University of California Santa Barbara أو اختصاراً "UCSB" دلائل أثبتت أنّنا على بعد أشهرٍ من تحقيق التفوّق الكمّي.
من الصعب عزل الحالة الكميّة أو الحفاظ عليها، فقد أثبتت الطريقة العمليّة لعزل آلات المعالجة الكميّة من التداخلات الخارجية أنها النقطة الشائكة في إبعاد التفوق الكمّي عن متناول أيدينا. ليس من الضرورة أن يكون نظام الحاسوب موّلداً كمّياً مُتعدِّد الأغراض لإثبات التفوق الكمّي، بل يكفي أن يُظهر قدرةً كميّةً واحدةً تتجاوز قدرة الأنظمة التقليديّة.
حوّل فريقيّ غوغل و "UCSB" استراتيجيّتهما إلى البتّات الكميّة لتحقيق ذلك، فمن الممكن إيجادها في حالة تراكبٍ على عكس البتات العاديّة (أصغر وحدة بيانات في الحاسوب).
كل بِتٍّ عاديٍّ يمكن أن يكون إما 1 أو 0 في وقت معين، بينما يمكن أن يكون للكيوبت كلا القيمتين في الوقت نفسه، فاثنان من البتات العادية يشكّلان 22 احتمال، لكن تأخذ احتمالاً واحداً في اللحظة نفسها، بينما لاثنين من الكيوبت عدد الاحتمالات نفسه (أي 4 احتمالات) ولكن تأخذها جميعها في الوقت نفسه، فإضافة كيوبت تؤدي الى توسيع الاحتمالات بشكلٍ أسّي، ولهذا السبب 50 كيوبت تمثل 10,000,000,000,000,000 رقم، إذ تحتاج الحواسيب العاديّة إلى ذاكرةٍ من مرتبة البيتابايت (petabyte) لتخزين هذا الرقم.
العمل على التفوق الكمّي
إنّ خطة الفريق ليست إنشاء حاسوبٍ كمّيٍّ يعمل بكامل طاقاته، بل إنشاء نظامٍ يمكنه دعم 49 كيوبت متراكبٍ بشكلٍ مستقرّ، وما تبقى سهلٌ نظريّاً إن تمكّنوا من فعل ذلك.
يتكوّن النظام من سلسلةٍ من 9 كيوبت فائقة الموصليّة، مؤلّفة من تسع حلقاتٍ معدنيةٍ مبرّدةٍ لدرجة حرارةٍ منخفضة، ويتدفق التيار من خلالها بالاتجاهين وفي وقتٍ واحد، وقد تمكنوا من إظهار أنّ الكيوبت المدعومة تمثل 512 رقماً في آنٍ واحد، وبأن النتائج كانت موثوقة وغير مصحوبةٍ بزيادةٍ أسيّةٍ في الأخطاء. هذا الرقم أقلّ بكثيرٍ من عدد الكيوبت اللازم لإعلان التفوقّ الكمّي، ولكنها نتيجة واعدة.
أما الخطوة التالية فهي إنشاء رقاقةٍ مكوّنةٍ من 50 كيوبت واختبار إذا ما زادت أخطاؤها بشكلٍ يمكن التحكم فيه كما جرى في تجربة الـ 9 كيوبت.
يمكن أن يحقق الفريق التفوّق الكمي في غضون أشهرٍ إن كانَ على صواب، وستكون التطبيقات الناتجة مذهلة إذا ما حصل ذلك، فمثلاً يمكن أن يُسرِّع ذلك عمليّة تعلّم الآلةِ بشكلٍ أسّيّ، بالإضافة إلى تقدّم الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ أكبر، ومن المرجّح أن يحدث التفرّد قبل أوانه بكثير.
ستدخل الحواسيب الكميّة في الكثير من المجالات، فمثلاً سيتحول الطب الشخصيّ إلى واقع من خلال تحليل وظيفة كل بروتين في الجينات البشرية ونمذجة تفاعلاتها مع جميع الجزيئات المعقدة الممكنة بسرعة كبيرة، كما سنرى محاكاةً لإيجاد حلولٍ متعلقةٍ بتغير المناخ، والاعتماد على الكيمياء لإيجاد حلولٍ لمشكلة الاحتباس الحراريّ.
ومن المرجح أن نرى قفزاتٍ هائلةً في علم المواد والهندسة، التي ستسمح لنا ببناء مغانط أفضل، وتحسين الموصلات الفائقة، وبطاريات ٍذات كثافةٍ طاقيّةٍ أعلى. ومن المؤكد أننا سنرى المزيد من التقدم التكنولوجي من خلال علم الأحياء الحيوية وسنجد أنفسنا نتقدّم في فهم العمليات الطبيعية كالتمثيل الضوئي.
بعبارة أخرى، إن فكرة تحقيق التفوق الكميّ وتغييره لكل شيء ليست مجرد كلام، بل هو واقع سنعيشه.