الكوارث الفضائية بين خيال الأفلام والحقيقة المرة!

مشهد من فيلم الخيال العلمي "جاذبية Gravity" من إنتاج شركة وارنر برذرز Warner Bros. Pictures عام 2013.


الحقوق: Warner Bros. Pictures


يعرض لنا فيلم الخيال العلمي المشوق "جاذبية Gravity" الاحتمالات المرعبة لرائد فضاء يسبح بلا هدفٍ في الفضاء المظلم.


سجل الفيلم رقماً قياسياً في افتتاح تشرين الأول/أكتوبر 2013 بمبلغ 55.6 مليون دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقام النجمان ساندرا بولوك Sandra Bullock وجورج كلوني George Clooney بدور رائدَي فضاء يصبحان معزولين في الفضاء بعد اصطدام حطامٍ لقمر صناعي بمكوكهما الفضائي وتعطيله.

يقول ألان ج. ماكدونالد Allan J. McDonald وهو مهندس في وكالة ناسا، ومؤلف كتاب (حقائق وأكاذيب وحلقات دائرية) "Truth, Lies and O-Rings" (لصالح مطبوعات جامعة فلوريدا حول كارثة تشالنجر): "قد يكون الوصف السائد للكارثة الفضائية في فيلم الجاذبية خيالياً، ولكن احتمالية الموت والدمار طالت الآفاق النهائية إلى حدٍّ كبير"، وأضاف: "لطالما كان عملاً محفوفاً بالمخاطر".

نعرض لكم الآن أسوأ الكوارث الواقعية في تاريخ الرحلات الفضائية، إضافةً إلى عدد من الحالات التي شارفت على أن تصبح فشلاً


سويوز 1 (soyuz1) تقضي على رائدها: كانت أولى الحوادث المُميتة في مهمة فضائية من نصيب رائد الفضاء السوفيتي فلاديمير كوماروف Vladimir Komarov، إثر تحطم كبسولة سويوز 1 Soyuz 1 على الأراضي الروسية نتيجة حدوث بعض المشاكل فيها عام 1967.

وذُكر في كتاب ستارمان "Starman" (الصادر عن دار ووكر وشركاؤه عام2011) أن مصدراً من لجنة أمن الدولة KGB ادعى بأن كوماروف وآخرين كانوا على علمٍ بأن الكبسولة ستتعطل، إلا أن القيادة السوفييتية تجاهلت تحذيراتهم.

يوري غاغارين Yuri Gargarin يساراً مع فلاديمير كوماروف الحقوق: Soviet Academy of Sciences photo via NASA
يوري غاغارين Yuri Gargarin يساراً مع فلاديمير كوماروف الحقوق: Soviet Academy of Sciences photo via NASA

وتتفق جهاتٌ عدة أن أعطالاً في المظلة (الباراشوت) قد تسببت بالحادث، وفي آخر تسجيلاتٍ صوتيةٍ لرائد الفضاء مع محطة التحكم الأرضية، يدّعي خلالها "ستارمان" أن رائد الفضاء عَلا صراخه غاضباً على المهندسين الذين ألقى اللوم عليهم بالخطأ الذي حدث للمركبة الفضائية.

الوفيات في الفضاء: عانى برنامج الفضاء السوفييتي من حالات الوفاة الأولى والوحيدة حتى الآن في الفضاء، ففي عام 1971 توفي رواد الفضاء جورجي دوبروفولسكي Georgi Dobrovolski وفيكتور باتساييف Viktor Patsayev وفلاديسلاف فولكوف Vladislav Volkov أثناء عودتهم إلى الأرض من المحطة الفضائية ساليوت 1 "Salyut 1". 

وكان هبوط مركبة سويوز 11 الفضائية عام 1971 ناجحاً ومثالياً. لذا أُصيب فريق الإنقاذ بالرعب والذهول فور العثور على طاقمٍ مكونٍ من ثلاثة أفراد في مقاعدهم مع بقع زرقاء داكنة على وجوههم ودم ينزف من آذانهم وأنوفهم.

رواد فضاء مركبة سويوز 11 فيكتور باتساييف وجورجي دوبروفولسكي وفلاديسلاف فولكوف في قمرة محاكاة الطيران. حقوق الصورة: NASA
رواد فضاء مركبة سويوز 11 فيكتور باتساييف وجورجي دوبروفولسكي وفلاديسلاف فولكوف في قمرة محاكاة الطيران. حقوق الصورة: NASA


وأظهرت التحقيقات تمزق صمام التنفس، الأمر الذي تسبب في اختناق رواد الفضاء، كما أدى الانخفاض الناتج في الضغط إلى تعرض الطاقم للفراغ في الفضاء، وقد كانوا البشر الوحيدين الذين واجهوا مثل هذا المصير الكارثي. 


وقد لقوا مصرعهم في غضون ثوانٍ قليلةٍ بعد التمزق الذي وقع على بعد 168 كيلومتراً ليجعل منهم ذلك أول من قضى حتفه من البشر في الفضاء. وبما أن الكبسولة الفضائية شغلت برنامجاً آلياً لإعادة الدخول، فقد هبطت الكبسولة على الأرض بدون طيارين أحياء.

كارثة مكوك الفضاء تشالنجر challenger: خرجت وكالة ناسا من عهد أبولو دون تسجيل أي حالة وفاة أثناء البعثات الفضائية، ليتغير سجل هذا النجاح بشكل كبير في 28 كانون الثاني/يناير 1986 عندما انفجر مكوك الفضاء تشالنجر Challenger على التلفاز في بث حي ومباشر بعد وقت قصير من إطلاقه. 

وكان الإطلاق قد استقطب اهتماماً أكثر من المعتاد، بسبب توجه المعلمة كريستا ماكوليف Christa McAuliffe للمرة الأولى إلى المدار، لإعطاء الدروس من الفضاء، وقد استقطبت كريستا جمهوراً من ملايين أطفال المدارس.

وقال جيمس هانسن James Hansen، وهو مؤرخ فضائي من جامعة أوبورن شارك فى تأليف كتاب "Truth, Lies and O-Rings": "كانت الكارثة صدمة للأمة، وما جعل تشالنجر فريدة من نوعها هو مشاهدتنا حدوث ذلك، لقد رأينا ذلك يحدث مراراً وتكراراً".

وكشف تحقيق عالي الدقة أن أقفال الحلقات الدائرية "O-ring" قد تعطلت نتيجة درجات الحرارة المنخفضة جداً يوم الإطلاق، وكانت وكالة ناسا على علمٍ بهذا الخطر مسبقاً. وأدى الحادث إلى تغيرات فنية وحديثة في الوكالة، وأوقف برنامج المكوك الفضائي حتى عام 1988.

كارثة مكوك الفضاء كولومبيا: بعد مرور 17 عاماً على مأساة تشالنجر، تكبد برنامج المكوك الفضائي خسارةً أخرى عند انفجار مكوك الفضاء كولومبيا Columbia يوم عودته 1 شباط/فبراير 2003 عند انتهاء مهمته STS-107.

وعزت التحقيقات الكارثة إلى الخلل الناتج عن تسرب بقايا رغوية من المكوك، وكان من الممكن بقاء طاقم الطائرة المكون من سبعة أفراد على قيد الحياة في مرحلة التفكك الأولية، لكنهم سرعان ما فقدوا وعيهم ليقضوا مع استمرار تفكك المكوك حولهم. وقال ماكدونالد McDonald: "كررت كارثة المكوك كولومبيا بعض أخطاء حقبة تشالنجر على نحوٍ مؤسف، وذهبت جميع التحذيرات بشأن الحطام الفضائي أدراج الرياح". وفي العام التالي، أعلن الرئيس جورج و. بوش George W. Bush تقاعد برنامج المكوك الفضائي.

حريق أبولو 1: على الرغم من أن بعثات أبولو لم تفقد أي رائد فضاء خلال رحلاتها الفضائية، فقد وقعت حادثتان مميتتان أثناء فعالياتٍ ذات صلة، وهلك على إثرها رواد الفضاء غوس غريسوم Gus Grissom وإدوارد وايت الثاني Edward White II وروجر تشافي Roger Chaffee خلال اختبار هبوط من المفترض أنه كان "غير خطير" لوحدة القيادة في 27 كانون الثاني/يناير 1967. واجتاحت الحرائق قمرة القيادة، مما تسبب في اختناق رواد الفضاء الثلاثة قبل احتراق أجسامهم.

رواد الفضاء (من اليسار إلى اليمين) غوس غريسوم، إد وايت، وروجر تشافي أمام مجمع الإطلاق 34. الحقوق: NASA 
رواد الفضاء (من اليسار إلى اليمين) غوس غريسوم، إد وايت، وروجر تشافي أمام مجمع الإطلاق 34. الحقوق: NASA 


وألقت التحقيقات اللوم على العديد من الأخطاء، بما في ذلك استخدام الأكسجين النقي في المقصورة، واستخدام سترات الفيلكرو Velcro القابلة للاشتعال ووجود الباب الذي يُفتح من الداخل والذي قام بدوره بمحاصرة الطاقم داخل المقصورة.  وكان الرواد الثلاثة قبل الاختبار قد تبادلوا المخاوف بشأن قمرة القيادة، حتى أنهم تظاهروا في صورة بالصلاة أمام نموذج للمركبة.

وقال هانسن: "إن الحادث أدى إلى تحقيقات في الكونجرس كان من الممكن لها أن تلغي بعثات أبولو، بيد أنها حفزت حدوث تغييرات تصميمية وإجرائية أساسية حسنت البعثات المستقبلية". وأضاف هانسن: "يقول الكثيرون لم نكن لنصل إلى القمر لولا حدوث الحريق".

تحطم الطائرة الصاروخية إكس-15: في مهمة أخرى مرتبطة بمهمات أبولو، تحطمت الطائرة ذات المحرك الصاروخي من طراز X-15 في عام 1967، وكان على متنها الطّيار مايكل آدامز Michael Adams في مهمة تدريبية. وكان آدامز عندها على ارتفاع 80.5 كم (50 ميلاً) ، حتى أن البعض يعتبر حالة الوفاة هذه من وفيات الفضاء.

صورة لوحدة خدمة أبولو 13 المحطَّمة بعد الانفصال. الحقوق: NASA
صورة لوحدة خدمة أبولو 13 المحطَّمة بعد الانفصال. الحقوق: NASA


أبولو 13 - "هيوستن، لدينا مشكلة": يدين برنامج أبولو في جزء من سجل نجاحه إلى إجراءات التفكير السريع التي حالت دون وقوع كوارث أخرى. ففي عام 1966، نجحت الوكالة في إجراء التحام المركبة الفضائية "جيميني 8" Gemini 8 مع المركبة الهدف، لكن المركبة جيميني بدأت تمايلاً غير منضبط.

 

وعند دورة واحدة في الثانية، كاد الدوار أن يتسبب بإرسال رواد الفضاء نيل أرمسترونغ Neil Armstrong وديفيد سكوت David Scott إلى الفضاء المظلم بعيداً. ومع ذلك قام أرمسترونغ بتصحيح التمايل عن طريق إغلاق الدافعات الرئيسية المعطلة والتحكم بها باستخدام دافعات إعادة الدخول.

ازدادت حادثة أبولو 13 شهرةً بعد إنتاج فيلم يحمل الاسم ذاته عام 1995، فقد كان بإمكان مركبة أبولو ترك رواد الفضاء الذين تقطعت بهم السبل في الفضاء بسبب انفجار خزان الأكسجين الذي تسبب في إتلاف وحدة الخدمة وإحباط عملية الهبوط المزمعة على القمر. 


وللعودة إلى الأرض، كان رواد الفضاء بحاجةٍ إلى استخدام قوة جاذبية القمر لإقلاع المركبة الفضائية نحو الأرض. وبعد الانفجار، أجرى رائد الفضاء جاك سويجيرت Jack Swigert اتصالاً لاسلكياً بمركز التحكم بالبعثة قائلاً: "هيوستن، لقد واجهتنا مشكلة". 

وينسب الفيلم هذه العبارة الشهيرة لـ جيم لوفيل Jim Lovell عوضاً عن جاك، والذي لعب دوره النجم توم هانكس Tom Hanks، مبدلاً العبارة إلى صيغة أكثر إلحاحاً، قائلاً: "هيوستن، لدينا مشكلة".

البرق والذئاب: واجهت وكالة ناسا والبرامج الفضائية السوفيتية/الروسية بعض التهديدات المثيرة للاهتمام، على الرغم من أنها لم تكن كارثية، ففي عام 1969، ضربت صاعقة برق مركبة أبولو 12 مرتين في الثواني 36 و 52 بعد الإطلاق، غير أن البعثة تابعت مهمتها بسلام.

ونتيجة تأخر لمدة 46 ثانية سببه ضيق في المقصورة، فقد رواد الفضاء أليكسي ليونوف Alexey Leonov وبافل بيليايف Pavel Belyayev في مركبة فوسخود 2Voskho2 القدرة على تحديد موقع إعادة الدخول الأصلي. وتحطمت المركبة في منطقة مرتفعات كاما العليا ذات الغابات الكثيفة التي تجوب الذئاب والدببة فيها البراري. قضى ليونوف وبيلياييف الليل متكورين في البرد، ممسكان بمسدسٍ استعداداً لحالة الهجوم ولكن لحسن الحظ لم يحدث شيء. 

ماذا إذاً؟ خطاب نيكسون "أبولو 11": ربما كارثة الفضاء الأكثر رعباً لم تحدث فعلاً إلا في أذهان واضعي خطط الطوارئ، ويسجل التاريخ الكارثة المحتمل حدوثها آنذاك في خطاب مكتوب للرئيس ريتشارد نيكسون Richard Nixon خلال رحلة أبولو 11 في حال تقطعت السبل برواد الفضاء باز ألدرين Buzz Aldrin ونيل أرمسترونغ Neil Armstrong على سطح القمر أثناء الهبوط القمري المأهول الأول.

صورة مركبة للرئيس ريتشارد نيكسون عند اتصاله هاتفيا بـ "قاعدة الهدوء Tranquility Base" برواد الفضاء نيل أرمسترونغ وإدوين باز ألدرين بعد هبوطهما التاريخي لأبولو 11 على القمر في 20 تموز/يوليو 1969. الحقوق: NASA
صورة مركبة للرئيس ريتشارد نيكسون عند اتصاله هاتفيا بـ "قاعدة الهدوء Tranquility Base" برواد الفضاء نيل أرمسترونغ وإدوين باز ألدرين بعد هبوطهما التاريخي لأبولو 11 على القمر في 20 تموز/يوليو 1969. الحقوق: NASA


ويقول النص: "كانت مشيئة القدر أن يبقى الرجال الذين ذهبوا إلى القمر للاستكشاف في سلام على سطح القمر ليرقدوا في سلام".

وقال هانسن: "لو حدث ذلك، فلابد من أن مستقبل رحلات الفضاء ونظرة الجمهور كان سيكون مختلفاً كثيراً. فلو كان علينا على الأرض أن نتصور جثثا على سطح القمر.. لطاردنا شبح ذلك، ومن يدري، من الممكن أن ذلك كان سينهي البرنامج".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات