حقوق الصورة: Wikipedia
قد تُفسِّر نظريَّة جديدة عن الجاذبية الحركات الغريبة للنجوم في المجرَّات، وتُدعى هذه النظرية باسم الجاذبية الناشئة Emergent gravity، وتتنبَّأ بانحرافات الحركة نفسها التي عادةً ما تُفسَّر بالاعتماد على المادَّة المظلمة. وقد نشر البروفسور إيريك فيرليند Erik Verlinde -الخبير المشهور بنظرية الأوتار في جامعة أمستردام ومعهد دلتا للفيزياء النظرية- ورقةً بحثيَّةً جديدةً وسَّع فيها من وجهات نظره الرائدة حول طبيعة الجاذبية.
في عام 2010 فاجأ إريك فيرليند العالم بنظرية جديدة تمامًا عن الجاذبية، وبحسب فيرليند فإنَّ الجاذبية ليست قوَّةً أساسيةً في الطبيعة، ولكنَّها ظاهرة ناشئة. وبالطريقة نفسها التي تنشأ بها درجة الحرارة من حركة الجسيمات المجهرية، تنشأ الجاذبية من تغيُّرات أجزاء المعلومات الرئيسة المخزَّنة في بنية الزمكان نفسِه.
قانون نيوتن من المعلومات
في مقاله عام 2010 عن أصل الجاذبية وقوانين نيوتن، أظهر فيرليند كيف يمكن أن يُشتقَّ القانون الثاني الشهير لنيوتن، الذي يصف كيفيَّة سقوط التفَّاح من الأشجار وبقاء الأقمار في المدار من وحدات البناء الأساسية المجهرية هذه. ويظهر الآن فيرليند كيفية فهم السلوك الغريب للنجوم في المجرَّات دون إضافة المادَّة المظلمة المحيرة، موسِّعًا بذلك عمله السابق والعمل الذي قام به آخرون.
تدور المناطق الخارجية للمجرَّات، مثل مجرتنا، أسرع بكثير حول المركز من دوران المادَّة العادية مثل النجوم والكواكب والغازات بين النجوم، ويجب أن يكون هناك شيء آخر يُنتجُ الكمية المطلوبة من قوَّة الثقالة، فاقترح الفيزيائيُّون وجود المادَّة المظلمة. ويبدو أنَّ المادَّة المظلمة تهيمن على الكون، مُشكِّلةً أكثر من 80% من جميع المواد. وحتى الآن لم يرصد أحد جسيمات المادَّة المظلمة المزعومة، على الرغم من الجهود الكثيرة المبذولة للكشف عنها.
لا حاجة للمادَّة المظلمة
وبحسب إريك فيرليند لا توجد حاجة لإضافة جسيم المادَّة المظلمة الغامض إلى النظرية، ففي ورقة جديدة ظهرت على مُخدّم ArXiv ما قبل الطباعة، أظهَرَ فيرليند كيف تتنبَّأ نظريَّته عن الجاذبية بالسرعات التي تدور بها النجوم حول مركز درب التبانة بدقَّة، فضلًا عن حركة النجوم داخل المجرَّات الأخرى.
يقول فيرليند: "لدينا أدلَّة على أنَّ هذا المنظور الجديد للجاذبية يوافق نتائج عمليات الرصد، أمَّا على نطاق واسع؛ فيبدو أنَّ الجاذبية لا تتصرَّف بالطريقة التي تتنبَّأ بها نظريَّة أينشتاين".
للوهلة الأولى، تُقدِّم نظريَّة فيرليند ميزات مشابهة للنظريات المعدَّلة عن الجاذبيَّة مثل MOND (الديناميكا النيوتونية المُعدَّلة، لموردهاي ميلغروم (Mordehai Milgrom (1983). وفي حين أنَّ MOND تُضبَط لتتناسب مع عمليَّات الرصد، فإنَّ نظرية فيرليند تبدأ من المبادئ الأولى، وبحسب فيرليند فهي: "نقطة انطلاق مختلفة تمامًا".
التكيُّف مع المبدأ الهولوغرافي
يُعدُّ التكيُّف مع المبدأ الهولوغرافي أحد المكونات في نظرية فيرليند، وكان معلمه جيرارد ت هوفت Gerard't Hooft (الفائز بجائزة نوبل 1999، جامعة أوتريخت) وليونارد سوسكيند Leonard Susskind (جامعة ستانفورد) قد قدَّما هذا التكيُّف وشرحاه. وبحسب المبدأ الهولوغرافي يمكن وصف جميع المعلومات في الكون كلِّه على كرة وهميَّة عملاقة من حوله. ويُظهِر فيرليند الآن أنَّ هذه الفكرة ليست صحيحةً تمامًا، فجزء من المعلومات في كوننا مُحتواة في الفضاء نفسِه.
تُعدُّ هذه المعلومات الإضافية مطلوبة لوصف هذا العنصر المظلم الآخر للكون أي الطاقة المظلمة، التي يُعتَقَد أنَّها مسؤولة عن التوسُّع المتسارع للكون. وعبر التحقيق بتأثيرات هذه المعلومات الإضافية في المادَّة العادية أتى فيرليند باستنتاج مذهل، ففي حين يمكن ترميز الجاذبية العادية باستخدام المعلومات على المجال الخيالي حول الكون، كما أظهر في عمله عام 2010، فإنَّ بقيَّة المعلومات الإضافية ضمن الفضاء (وليس على الكرة) هي قوَّة تُطابِق جيدًا بتأثيراتها ما يعزى إلى المادَّة المظلمة.
على حافَّة ثورة علميَّة
إنَّ الجاذبية في حاجة ماسَّة إلى مقارباتٍ منهجيةٍ جديدةٍ مثل تلك التي كتبها فيرليند؛ لأنَّها لا تتفق مع فيزياء الكم بشكل جيِّد. وعلى الرغم من أنَّهما تمثِّلان أسسًا علمية للقرن الـ20، فإنَّه لا يمكن أن تكون كلا النظريتين صحيحتين في الوقت نفسه. وتنشأ المشاكل في الظروف القاسية: بالقرب من الثقوب السوداء، أو خلال الانفجار العظيم. يقول فيرليند: "يعمل الكثير من علماء الفيزياء النظرية مثلي على مراجعة النظرية، وقد أحرزت بعض التطورات الكبيرة، وربَّما نقف على حافَّة ثورة علميَّة جديدة ستغيُّر جذريًّا وجهات نظرنا حول طبيعة المكان والزمان والجاذبية".