هل سينال هوكينج أخيرًا جائزة نوبل في الفيزياء؟


قبل نحو 42 عامًا، طرح عالم الفيزياء النظرية الشهير ستيفن هوكينج Stephen Hawking نظرية مفادها أن الثقب الأسود حين يبتلع شيئاً ما فذلك لا يعني بالضرورة أنه سيتلاشى ويختفي في العدم، إذ يمكن لجسيمات الضوء الصغيرة (الفوتونات) أن تنبعث في بعض الأحيان خارج الثقب الأسود مما يؤدي مع مرور الوقت إلى خسارته لكمية صغيرة جداً من الطاقة. وبالتالي، فإن هذا الفقدان التدريجي للطاقة سيتسبب في نهاية المطاف في تبخر الثقب الأسود واختفائه من الوجود.

تعرف جسيمات الضوء الهاربة باسم إشعاع هوكينج (Hawking radiation)، وهي ستساعدنا بشكل كبير في فهم أحد أكبر الألغاز في الكون المعروف. فشل الباحثون طوال العقود الأربعة الماضية في إثبات وجود هذه الجسميات بشكل فعلي، وبالتالي بقي الاقتراح الذي طرحه هوكينج مجرد افتراض.
ولكن على الرغم مما سبق، أعلن فريقا أبحاث يعملان بشكل مستقل عن بعضهما البعض عن اكتشاف دليل يثبت صحة إدعاءات هوكينج، الأمر الذي سيخول أحد أهم العلماء الذين ما زالوا على قيد الحياة الحصول على جائزة نوبل.

قبل الخوض في تفاصيل الاكتشاف الحديث دعونا نعد بالذاكرة إلى سنة 1974، ففي تلك السنة حصل جدال بين هوكينج ويعقوب بيكنشتاين Jacob Bekenstein، وهو طالب دراسات عليا في جامعة برينستون (Princeton University). أشار بيكنشتاين في أطروحة الدكتوراة التي قدمها إلى أن إنتروبيا الثقب الأسود -وهي "اضطراب" في النظام يكون مرتبطاً بحجمه وطاقته وضغطه ودرجة حرارته- تتناسب مع منطقة أفق الحدث (event horizon) الخاصة بالثقب.

وكما يوضح دينيس أوفرباي Dennis Overbye في حديثه مع صحيفة New York Times، فإن هذا الافتراض خلق معضلة حقيقة نظراً لأنه وفقاً للفهم المقبول لقوانين الفيزياء في ذلك الوقت، بما في ذلك نظريات هوكينج نفسه، فإن إنتروبيا الثقب الأسود وحجمه لا يمكن أن ينخفضا على الإطلاق.

بحث هوكينج في هذه الافتراضات وسرعان ما أدرك أنه كان مخطئاً. يقول أوفرباي في حديثه مع الصحيفة: "أجرى هوكينج عملية حسابية مذهلة تضمنت نظرية الكم، أي القوانين الغريبة التي تهيمن على العالم دون الذري، ولدهشته الشديدة فقد اكتشف أن الجسيمات تصدر عن الثقب الأسود، الأمر الذي يوحي بأن الثقب الأسود ليس كما يتخيل العلماء".

افترض هوكينج أن الكون مليء "بجسيمات افتراضية"، اعتماداً على ما نعرفه عن كيفية عمل ميكانيكا الكم، ترسل ومضات إلى داخل وخارج الوجود، وتعمل على إفناء بعضها البعض عند حصول أي تواصل فيما بينها، إلا في حالة وجودها على جانبي منطقة أفق الحدث في الثقب الأسود. وبالتالي، عندما يبتلع ثقب أسود جسيماً واحداً، فإن الجسيم الثاني يشع بعيداً في الفضاء.
أجابت نظرية وجود إشعاع هوكينج عن العديد من الأسئلة المتعلقة بالآلية الفعلية لعمل الثقوب السوداء، إلا أنها في نفس الوقت، أثارت مجموعة من المعضلات التي يحاول علماء الفيزياء التوفيق فيما بينها.

يقول لي سمولين Lee Smolin، وهو عالم فيزياء نظرية من معهد المحيط للفيزياء النظرية في كندا: "إن اكتشاف هوكينج الذي ينص على أن إنتروبيا الثقوب السوداء تتناسب مع مساحة أسطحها يفوق جميع النتائج التي توصل إليها علماء الفيزياء النظرية من ناحية التأثير والأهمية".
حصل بيكنشتاين في سنة 2012 على جائزة وولف، كما حاز أيضاً على الجائزة التي تقدمها الجمعية الفيزيائية الأميركية في سنة 2015، وهو أمر تعده صحيفة New York Times بمثابة مقدمات لنيل جائزة نوبل. ولكن على الرغم من ذلك، لم يحصل العالمان على أرقى جائزة علمية في العالم (نوبل). توفي بيكنشتاين السنة الماضية، أما هوكينج فهو الآن أقرب من أي وقت مضى لمعرفة صحة فرضيته من عدمها.

هل تذكرون عندما قلت في فقرة سابقة إن الفوتونات تستحوذ على كمية دقيقة جداً من طاقة الثقب الأسود في كل مرة تنبعث خارجه؟ حسنا، لسوء حظ هوكينج فإن هذا الإشعاع دقيق للغاية وبالتالي يصبح من الاستحالة عملياً رصده من على بعد مسافة تقدر بآلاف السنين الضوئية.

يعتقد عالم الفيزياء جيف شتاينهاور Jeff Steinhauer من جامعة Technion في حيفا بأنه توصل إلى طريقة ما لتجاوز هذه المشكلة. فإذا كنا لا نستطيع باستخدام أفضل الأجهزة لدينا رصد إشعاع هوكينج الصادر عن ثقوب سوداء تبعد عنا آلاف السنين الضوئية، إذن لماذا لا نجري محاكاة للثقوب السوداء باستخدام أفضل الأدوات التي نملكها؟
ووفقاً لحديث أوليفر مود Oliver Moody مع صحيفة The Times، فإن شتاينهاور عمل على خلق ثقب أسود صوتي بحجم مختبر علمي. شهد شتاينهاور عند تنفيذ تجربته قيام الجسيمات بالاستيلاء على الطاقة من أطرافها.

 أعلن شتاينهاور عن نتائج تجربته في ورقة علمية نشرت على موقع arXiv.org. يقول شتاينهاور بأنه عمل على تبريد الهيليوم إلى ما فوق درجة الصفر المطلق ومن ثم أثاره بشكل سريع للغاية، وقد أدت هذه العملية ككل إلى تشكيل "حاجز" منع الصوت من المرور عبره. وفي هذا السياق، يعلق مودي قائلا: "أفاد شتاينهاور بأنه وجد دلائل على أن الفوتونات، وهي حزم صغيرة من الطاقة تتكون منها الموجات الصوتية، تتسرب من الثقب الأسود الصوتي الذي صنعه، وهذا يتوافق بالطبع مع ما تنبأت به معادلات هوكينج".

لم تخضع نتائج التجربة حتى الآن إلى أي مراجعة علمية من قبل علماء الفيزياء، وهنا يكمن الهدف من نشر الأوراق العلمية على موقع arXiv.org لتكون متاحة للجميع. تخضع نتائج التجربة للفحص بعناية من قبل علماء الفيزياء في شتى أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن تلك النتائج تعد بحد ذاتها مثيرة للجدل، إلا أنها بالتأكيد تستحق مزيدًا من عمليات الدراسة والبحث.

يقول عالم الفيزياء سيلك فاينفورتنر Silke Weinfurtner، من جامعة نوتينغهام في المملكة المتحدة: "تبدو التجارب ممتازة جداً، لقد أنجز جيف عملاً رائعاً إلا أن بعض الادعاءات التي يقدمها ستكون عرضة للجدل والنقاش. على كل حال، إنه أمر يستحق البحث فيه بعناية بالغة". ومن الجدير ذكره هنا أن جيف يدير تجارب أرضية خاصة به لمحاولة رصد إشعاع هوكينج.
وفي مجال متصل، نُشرت في الشهر الماضي ورقة علمية في مجلة Physical Review Letters تدعم بشكل كبير صحة نظرية إشعاع هوكينج. يصف عالما الفيزياء في جامعة أوتاوا كريس ادامي Chris Adami وكامل برادلر Kamil Bradler في ورقتهما العلمية تقنية جديدة تسمح لهم بمتابعة حياة الثقب الأسود على مدار الزمن. في الواقع، يبدو الأمر مثيراً جداً لما يعنيه من أنه مهما كانت المعلومات أو المواد التي تعبر منطقة أفق الحدث فإنها "لا تختفي" ولكن تتسرب ببطء إلى الخارج أثناء المراحل الأخيرة من تبخر الثقب الأسود.

يقول أدامي في بيان صحفي: "من أجل إجراء هذا الحساب، قمنا بتخمين كيفية تفاعل الثقب الأسود مع حقل إشعاع هوكينج المحيط به، وذلك نظراً لعدم وجود أية نظرية في الثقالة الكمومية تستطيع حالياً الإشارة إلى مثل هذا التفاعل. على كل حال، يبدو أننا نجحنا في تقديم تخمين يستند إلى أساس علمي، ويعود سبب ذلك إلى كون نموذجنا يكافئ نظرية هوكينج بخصوص حد الثقوب السوداء الثابتة التي لا تتغير".
وبالطبع، تحتاج نتائج التجربتين إلى تأكيد من قبل العلماء، ولكنها تشير إلى اقترابنا أكثر فأكثر من اكتشاف حل لكيفية تأكيد وجود إشعاع هوكينج أو نفيه، وهذا ما يعد خبراً ساراً لهوكينج نفسه.

في الختام، يشير مودي إلى أن بيتر هيغز Peter Higgs انتظر 49 سنة قبل أن يحصل على جائزة نوبل، وبالتالي ربما يتوجب علينا الانتظار لنرى إذا كان هوكينج سينال تلك الجائزة أخيراً كما هو الحال مع هيغز.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع هوكينغ (Hawking radiation): نظرية اُقترحت للمرة الأولى من قبل الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ. تنص هذه النظرية على أنه نتيجةً لاجتماع مزيج من الخواص الكوانتية مع الثقالية، يُمكن للثقوب السوداء، عند ظروف معينة، أن تُصدر إشعاعاً. المصدر: ناسا
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات