كيف تحول كوكب الزهرة إلى جحيم، وكيف ستكون الأرض هي التالية

  

تظهر هذه الصورة غلاف الزهرة الجوي الغريب والجهنمي اثناء دورانه حول سطح الكوكب، والتي أُلتقطت بواسطة مركبة الفضاء اكاتسوكي Akatsuki التابعة لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية.

حقوق الصورة: Kevil Gill/JAXA/ISAS/DARTS/Flickr


 

الأرض كوكب هادئ. ولكنه لن يبقى على هذا النحو.

 

جميعاً نريد ترك الأرض والذهاب لأستكشاف النظام الشمسي، دون أن ندرك حتى كم هو جيدٌ كوكبنا. فلدينا الكثير من الهواء والماء السائل أكثر بكثير مما نعرف ماذا سنفعل به، ولدينا حقل مغناطيسي قوي يحمينا من الأشعة الكونية، وجاذبية قوية تبقي عضلاتنا قوية وعظامنا متينة.


كل الأشياء مناسبة، فالأرض جميلة حقاً.

 

ولكن لازلنا نتطلع إلى الكواكب المجاورة باحثين عن أماكن يمكن زيارتها أو لربما للعيش عليها. يحظى الكوكب الأحمر بكل اهتماماتنا في الوقت الحاضر: إنّ الوصول إلى هناك أصبح محتدماً للغاية، حيث يتسلق الجميع صواريخ بعضهم البعض فعلياً من أجل الوصول إلى هناك وبناء مستوطنة صغيرة على المريخ.

 

ولكن ماذا عن كوكب زهرة؟ أنه تقريباً بنفس حجم وكتلة الأرض. أنه في الواقع أقرب لنا قليلاً من المريخ. وأنه بالتأكيد أكثر دفئاً منه. فلماذا لا نحاول العيش على كوكبنا الشقيق بدلاً من الكوكب الأحمر؟


في الحقيقة: كوكب الزهرة هو الجحيم بحد ذاته.


من الصعب عدم المبالغة في مدى سوء كوكب الزهرة. تخيل أسوأ كوكب يمكنك تخيله، حسناً الزهرة أسوء من ذلك.


حسناً لنبدأ مع غلافه الجوي. اذا كنت تعتقد أنّ الضباب الدخاني في لوس أنجلوس هو سيء، اذاً فخذ نفخة من الزهرة. فأنه يتكون بشكل كامل تقريباً من ثأني أكسيد الكربون وهو سميك وخانق. مع ضغط جوي على السطح يكافئ 90 مرة ضغط الأرض الجوي. هذا يعادل الضغط على عمق ميل تحت سطح البحر. أنه كثيف لدرجة أنك ستشعر أنك تسبح عبره أثناء التنقل. نسبة النيتروجين في غلافه الجوي 4% فقط، ولكنه يحتوي بالمجمل على نيتروجين أكثر من غلاف الأرض الجوي.

 

وفوق كل ذلك، تتكون غيومه من حمض الكبريتيك.

 

غيوم حمض الكبريتيك تتميز بانعكاسيتها الكبيرة، مما يعطي كوكب الزهرة لمعانه المميز. الغيوم عاكسة جداً، وبقية الغلاف الجوي سميك للغاية، بحيث يصل إلى السطح 3% فقط من إجمالي أشعة الشمس الواصلة إلى كوكب الزهرة. هذا يعني أنك سوف تدرك بشكل غامض فقط الفرق بين النهار والليل.


ولكن بالرغم من هذا النقص في أشعة الشمس، فإنّ درجة الحرارة على كوكب الزهرة شديدة الحرارة حرفياً بما يكفي لإذابة الرصاص، حيث تزيد عن 370 درجة مئوية في المتوسط. وفي بعض الاماكن، في أعمق الوديان، تصل درجة الحرارة لأكثر من 400 درجة مئوية، وهو ما يكفي لجعل السطح يحمر متوهجاً قليلاً.

 

وبالحديث عن الليل والنهار، يتمتع الكوكب بواحدةٍ من أكثر الدورات المدارية غرابةً في نظامنا الشمسي. أولاً، فأنه يدور حول نفسه في حركة تراجعية، أي عكس اتجاه دورانه حول الشمس، بحيث تشرق الشمس من الغرب وتغرب في الشرق. ثأنياً، دورانه حول نفسه بطيءٌ جداً لدرجة أنّ السنة عليه تعادل يومين فقط.

 

بالإضافه إلى ذلك، كان لدى كوكب الزهرة صفائح تكتونية والتي توقفت عن التحرك قبل فترة طويلة، وبالتالي أصبحت قشرته مغلقة.


مباشرةً نحو الجحيم


 

كيف أنتهى المطاف بشقيقة الارض بهذا السوء؟


نظراً لأن كوكب الزهرة يتكون من نفس الأشياء الموجودة في كوكبنا، وله نفس الحجم والكتلة تقريباً فالعلماء متأكدون من أنّ كوكب الزهرة كأن هادئً ولطيفاً نوعاً ما في الماضي في الأيام الأولى من نظامنا الشمسي. على الارجح أنه احتوى على الماء السائل والمحيطات على سطحه والغيوم البيضاء في سمائه الزرقاء.

 
لكن قبل أربعة ونصف مليار عام كانت شمسنا مختلفة. كأنت أضغر وأقل سطوعاً. فعند تقدم عمر النجوم المشابهة لشمسنا، فأنها تصبح أكثر سطوعاً. في ذلك الوقت كان كوكب الزهرة موجوداً في المنطقة الصالحة للحياة، وهي منطقة في النظام الشمسي يمكن أن تدعم الماء السائل على سطح الكوكب فلا تكون شديدة الحرارة أو البرودة.


لكن مع تقدم عمر الشمس، أنتقلت المنطقة الصالحة للحياة إلى الخارج. ومع اقتراب كوكب الزهرة من الحافة الداخلية لتلك المنطقة، بدأت الأمور تخرج عن السيطرة.


مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، بدأت المحيطات بالتبخر، ودفعت بالكثير من بخار الماء إلى الغلاف الجوي. كان بخار الماء هذا جيداً جداً في حبس الحرارة، مما زاد من درجة حرارة السطح فتسبب في تبخر المحيطات بمعدلٍ أسرع مما سبق، مما أدى إلى وصول المزيد من بخار الماء إلى الغلاف الجوي، فتسبب في احتباس المزيد من الحرارة، وهلم جراً إلى أن خرجت الأمور عن السيطرة.


في النهاية أصبح كوكب الزهرة في حالة جموح تاثير الاحتباس الحراري حيث تبخرت كل مياهه إلى الغلاف الجوي حابسةً أكبر قدر ممكن من الحرارة، مع زاد درجة حرارة السطح بشدة.


ساعدت المياه السائلة التي كانت على سطح الكوكب في الحفاظ على مرونة الصفائح التكتونية. ولكن بدون المحيطات، توقف نشاط الصفائح التكتونية، مما أدى إلى تصلب سطح الكوكب في مكأنه. تلعب الصفائح التكتونية دوراً هاماً في تنظيم كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. حيث يرتبط الكربون مع العناصر الموجودة في التراب والصخور، وفي النهاية يتم دفن تلك الصخور والاتربة في الأعماق أسفل السطح على مدار ملايين السنين نتيجة انزلاق الصفائح التكنونية أسفل بعضها البعض.

 
لكن بدون هذه العملية، سيتسرب غاز الكربون الذي تم حبسه في الصخور والأتربة ببطء أو سينبعث بعنف في الأحداث البركانية الهائلة. لذلك فبمجرد تبخر المحيطات أصبحت مشكلة الكربون على كوكب الزهرة أسوأ مع عدم وجود شئ لعزله. مع مرور الوقت تفكك الهيدروجين من بخار الماء في الغلاف الجوي بفعل أشعة الشمس، مما دفع الهيدروجين إلى الفضاء، وحلّ محله ثاني أكسيد الكربون القادم من السطح.

 

كوكب الارض السابق والمستقبلي



مع سماكة الغلاف الجوي، أصبح الوضع على السطح أكثر جهنميةً.

 

ربما نتيجة السحب الاحتكاكي للغلاف الجوي، بطُئ دوران كوكب الزهرة حول نفسهً، مما أدى إلى دورانه البطئ جداً الحالي.


بمجرد أكتمال تلك الأحداث والتي من المحتمل أنها استغرقت حوالي 100 مليون عاماً أو نحو ذلك، تبددت احتمالية تواجد أي نوع من الحياة على كوكب الزهرة.


وهنا الجزء الأسوء حول قصة أخت الأرض المتحولة، فهذا هو مصيرنا أيضاً. فشمسنا لم تنته من التقدم في السن بعد، ومع تقدمها في السن، سيزداد سطوعها، مما سيؤدي لتحرك المنطقة الصالحة للحياة بعيداً إلى خارج النظام الشمسي. في مرحلة ما خلال مئات ملايين السنين القادمة، ستقترب الأرض من الحافة الداخلية للمنطقة الصالحة للحياة. سيؤدي ذلك إلى تبخر المحيطات، وسترتفع درجات الحرارة بسرعة، وستتوقف حركة الصفائح التكتونية، وسيندفع ثاني أُكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.


وبحلول ذلك الوقت، سيكون نظامنا الشمسي موطناً لجحيمين وليس واحداً فقط.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات