كيف يستجيب الدماغ لفقدان السمع؟

قام باحثون مستكشفون لطرق استجابة الدماغ البشري لفقدان السمع، بتحديد أنماط "إعادة ترتيب" دماغية، من الممكن أن تكون مرتبطة برابط تم ذكره كثيرًا في البحوث العلمية بين فقدان السمع المرتبط بتقدم العمر وبين الخرف.

اقترح باحثون في جامعة كولورادو أن ذلك الجزء من الدماغ المخصص للسمع، يمكن أن تتم إعادة ترتيبه وإعطاؤه مهماتٍ أخرى، حتى في الحالات المبكرة من فقد السمع، ومن الممكن أيضًا أن يلعب دورًا في تدهور الوظائف الإدراكية.

شخص بالغ موضوعة على رأسه مجسات مخطط كهربية الدماغ (EEG)، لتسجيل استجابة دماغه للصوت. حقوق الصورة: أنو شارما
شخص بالغ موضوعة على رأسه مجسات مخطط كهربية الدماغ (EEG)، لتسجيل استجابة دماغه للصوت. حقوق الصورة: أنو شارما

قدمت أنو شارما (Anu sharma)، من قسم نطق اللغة وعلوم السمع في جامعة كولورادو، مبادئ جوهرية في المرونة العصبية (neuroplasticity) وقابلية الدماغ لتكوين وصلات جديدة بين الخلايا العصبية (neurosynapses ) وتحديد طرق التكيف لفقدان السمع، وكذلك عواقب هذه التغيرات. وسوف تُقدم اكتشافاتها خلال الاجتماع التاسع والستين بعد المئة للجمعية الأمريكية للسمع، الذي سيقام من 18-22 من أيار/مايو 2015 في بيتسبيرغ.

ركز عمل مجموعة شارما على تسجيلات تخطيط الدماغ لبعض المصابين بفقد السمع، وآخرين مصابين بضعف السمع من الأطفال والبالغين، للحصول على معرفة حول اختلاف استجابة أدمغتهم عن استجابة أدمغة الناس الذين لا يعانون من مشاكل السمع. يتضمن تخطيط الدماغ هذا وضع عدة حساسات صغيرة -128 حساسٍ- على فروة الرأس، مما يتيح للباحثين قياس نشاط الدماغ عند استجابته للتحفيز الصوتي، وذلك بحسب شارما.

محاكاة الصوت (كالمقاطع الكلامية المسجلة) يتم إيصالها بواسطة سماعات، ليتم استنباط الاستجابة على هيئة "أمواج دماغية" والتي تنشأ في القشرة السمعية من الدماغ -أهم مركز لمعالجة الكلام واللغة- و أماكن أخرى من الدماغ؛ فقد قالت شارما: "نحن نستطيع فحص مؤشرات حيوية معينة خاصة، بعمل القشرة السمعية التي تخبرنا كيف يعمل الجزء السمعي من دماغ الشخص المصاب بالصمم، مقارنةً مع الشخص طبيعي السمع".

حديثًا، اكتشفت شارما وباحثون آخرون أن بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة البصر أو اللمس، ممكن أن توظِّف أو تستولي على مناطق تُعالَج فيها المعلومات السمعية في الدماغ عادةً، ولكنها في حالة فقدان السمع تفقد التحفيز. هذا ما يسمى بإعادة الترتيب "المتجاوزة للنظم" (cross-modal reorganization)، متضمنًا إعادة ترتيب القشرة الدماغية لتعكس خاصية أساسية في الدماغ البشري ليتكيف مع بيئته.

تقول شارما: "نحن نجد أن هذا النوع من التكيف التعويضيّ يمكن أن يقلل بصورة ملحوظة مصادر الدماغ المتوفرة لمعالجة الصوت، وكذلك يؤثر على قابلية فاقدي السمع لاستلام الكلام بصورة جيدة ومؤثرة عن طريق القوقعات المزروعة في آذانهم الداخلية".

القوقعات المزروعة هي عبارة عن أجهزة مزروعة مهمتها تجاوز الأجزاء التالفة من الأذن، وتحفيز العصب السمعي بصورة مباشرة. تُرسَل الإشارات المتولدة بواسطة هذه الأجهزة المزروعة عن طريق العصب السمعي إلى الدماغ الذي يتعرف على الإشارات كأصوات، وذلك حسب المعهد الوطني للصحة.

شارما وطالباها جوليا كامبل Julia Campbell وغاريت كارسون Garrett Carson، اكتشفوا حديثًا أن "التوظيف المتجاوز للنظم" -تخصيص الجزء السمعي من الدماغ للحواس الأخرى كالبصر واللمس- لا يحدث فقط لدى فاقدي السمع ولكن يظهر بصورة جلية في البالغين من ضعاف السمع بدرجة خفيفة".

وتكمل شارما: "تنكمش أجزاء الدماغ المسؤولة عن السمع في (فقدان السمع المرتبط بتقدم السن)، أما مراكز الدماغ التي تُستعمل في الأصل في وظائف اتخاذ القرار -وهي وظائف أعلى منزلة- فيتم تفعيلها بعد ذلك فقط من أجل سماع الأصوات".

يقترح عمل المجموعة أن الجزء المستعمل للسمع من الدماغ يُمكن أن يعاد ترتيبه ولو في المراحل الأبكر من فقدان السمع المرتبط بتقدم العمر. وقالت شارما: "هذه التغييرات التعويضية ترفع الأعباء الكلية على دماغ الشخص المتقدم بالعمر". ولهذا الاكتشاف تضمينات سريرية لتطوير برامج فحص أوليّ لفقدان السمع عند البالغين.

وقد أوضحت شارما قائلة: "إعادة ترتيب الدماغ التعويضية استجابةً لفقد السمع ممكن أن تكون أيضًا عاملًا في تفسير التقارير الجديدة الموثقة في الكتب، والتي تظهر أن فقدان السمع مرتبط بالخرف (dementia)".

إضافة إلى ذلك، تقترح النتائج أن فقدان السمع المرتبط بتقدم العمر يجب يُؤخَذ بجدية تامة حتى في مراحله المبكرة. تقول شارما بهذا الصدد: "واحد من كل ثلاثة بالغين، فوق عمر الستين عامًا، مصابٌ بفقدان السمع. وبما أنه حتى الدرجات البسيطة من فقد السمع يمكن أن تسبب تغييرات في الدماغ، فإن فحص السمع الأوليّ للبالغين والتدخل الطبي على شكل مساعدات سمعية يجب أن يتما بوقت أبكر للحماية ضد إعادة ترتيب الدماغ".

أوضح فريق عمل شارما أن تدوين جداول لوظائف الدماغ لمرضى زرع قوقعة السمع لهو وسيلة مهمة لتساعد في توقع نتائج الزرع. وقالت شارما: "إذا اتضح أن طفلًا أصم يعاني من إعادة الترتيب المتجاوزة للنظم -كأن تتم إعادة ترتيب حاسة الإبصار- فإن هذا يمكّننا من تحديد أفضل استراتيجيات إعادة التأهيل لذلك الطفل".

مستقبلًا، ستكمل شارما وزملاؤها اكتشاف الجوانب الجوهرية في المرونة العصبية (neuroplasticity) في حالات الصمم، والتي من الممكن أن تطور النتائج المتوقعة لفاقدي السمع من البالغين والأطفال. وصرّحت شارما: "هدفنا تطوير تقنيات تخطيط دماغ صديقة للمستخدم، لنمكّن الأطباء من تصوير دماغ المصابين بفقدان السمع بسهولة، ليحددوا فيما إذا كانت هناك إعادة ترتيب للدماغ، ولأية درجة ألمَّ هذا الأمر بأدمغة مرضاهم. بهذه الطريقة فإن بصمة إعادة ترتيب الدماغ يمكن أن تقود عملية التدخل الطبي لهؤلاء المرضى".

يتم دعم مجموعة شارما البحثية من قبل المعهد الوطني للصحة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات