حقوق الصورة: Shutterstock
ابتعد عن أضواء المدينة وانظر إلى الأعلى وسترى إحدى عجائب سماء الليل، شريط النجوم الضبابيّ الساطع الذي يشكّل مجرة درب التبانة. إن مجرتنا واسعة وجميلة ولكنها تخفي الكثير من الأسرار، فعلى سبيل المثال، رغم الكثير من المحاولات على مرّ العقود لم يتمكن علماء الفلك من تحديد وزن المجرة بالضبط حيث قُدّر وزنها بين نحو 700 مليار و2 تريليون ضعف كتلة الشمس.
إن حساب وزن مجرةٍ ما ليس مهمةً سهلة وخصوصًا إذا كنا نعيش فيها، تقول عالمة الفلك إيكتا باتل Ekta Patel من جامعة أريزونا في مدينة توسان لموقع Live Science: "إن الأمر أشبه بمحاولة إحصاء عدد سكان الولايات المتحدة ولكن دون استخدام الإنترنت أو مغادرة المدينة التي تعيش فيها، فلا يمكن لأحد أن يضع مجرة التبانة على ميزان كونيّ ويقرأ النتيجة بكل بساطة".
وتكمل باتل: "يكمن جزء من المشكلة أن معظم كتلة المجرة غير مرئيّة، حيث أن المادة المظلمة وهي المادة الغامضة التي لا تظهر أي نوع من الضوء تشكل نحو 85% من مجرتنا، ببساطة، إن إحصاء عدد نجوم المجرة لن يفيدنا. يرصد الباحثون غالبًا مدارات بعض الأجرام السماوية"، ترتكز هذه الطريقة على معادلات الجاذبية التي اشتقها اسحق نيوتن منذ أكثر من 300 سنة والتي تخبرنا أنّ السرعة والمسافة التي يدور فيها جسم أصغر حول جسم أكبر ترتبط بكتلة الجسم الأكبر.
وإحدى الطرق التي استُخدمت في دراسة نُشرت عام 2017 في المجلة الفيزيائية الفلكية The Astrophysical Journal هي أن نرصد المجرات التابعة التي تبعد مئات السنين الضوئية والتي تدور حول مجرة درب التبانة تمامًا كما تدور الكواكب حول نجم، لكن هناك مشكلة في هذه المجرات التابعة فكما تقول باتل: "إن مداراتها بطول مليارات السنين الضوئيّة"، هذا يعني أنها بعد بضع سنين بالكاد ستتزحزح، ولن يتمكن الباحثون من تحديد سرعتها المدارية بسهولة.
في دراسةٍ نُشرت أيضًا في المجلة الفيزيائية الفلكية The Astrophysical Journal في حزيران/يونيو، جرّبت باتل وزملاؤها طريقةً جديدة لقياس وزن المجرة، فقاموا بالعمل على محاكاة كونيّة افتراضية أعدّها حاسوب فائق يمكنه استنساخ عدة نواحٍ من كوننا، وحاولوا إيجاد أمثلة عن مجرات صغيرة تدور حول مجرات أكبر. لاحقًا، قورنت 90,000 من هذه المجرات التابعة تقريبًا مع بياناتٍ من نحو تسع مجرات حقيقية تدور حول مجرة درب التبانة، اختار الفريق المجرات التي طابقت خصائصها المدارية المجرات التابعة الحقيقية أكثر من غيرها ورصدوا وزن المجرة المستنسخة التي تجولوا بها. ومنحهم ذلك تقديرًا جيدًا بما يكفي عن وزن مجرتنا الحقيقي، والذي سجل 960 مليار مرة من وزن الشمس، قالت باتل أن نتيجتها كانت تمامًا في الوسط بين معظم النتائج السابقة على الرغم من وجود مجال للوصول الى دقةٍ أفضل، وذلك بسبب قمر غايا الاصطناعي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية الذي قدّم مؤخرًا قياساتٍ دقيقةً جدًا عن الخصائص المدارية لثلاثين مجرة قزمة بعيدة تدور في مدار مجرة درب التبانة.
تقول باتل: "إن استخدام هذه البيانات مع المحاكاة الكونية لتعديل قياسات الوزن على قائمة أعمالي القادمة"، وتضيف أن معرفة وزن المجرة سيساعد علماء الفلك بكثير من الأمور، فعلى سبيل المثال سيتمكن العلماء من حساب مدارات المجرات التابعة بشكل أفضل بما أنها تعتمد على وزن مجرة درب التبانة.
ولدى المجرات الأثقل أيضًا توابع أخرى تدور في مداراتها وحتى الآن رصدت التلسكوبات نحو خمسين مجرة تدور حول مجرة درب التبانة، وبما أننا لا نعرف وزن المجرة بالضبط، فالعلماء لا يعرفون بالضبط عدد المجرات التابعة التي من المتوقع اكتشافُها، وأخيرًا فإن وزن مجرة درب التبانة الحقيقي سيساعد الباحثين على معرفة كم تبلغ نسبة المادة السوداء وكم تبلغ نسبة المادة العادية.
تأمل باتل أنّ الدراسات المستقبلية والبيانات الأفضل ستحدد في النهاية هذا المجهول المحيّر، حيث اختتمت بقولها: "أعتقد أنه في السنوات العشر أو العشرين المقبلة سنحصل على جوابٍ أفضل".