استُخدم التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي السريع fast fMRI لتصوير الفعاليات الدماغية المتقلبة بسرعةٍ خلال تفكير الإنسان، علمًا أن الرنين المغناطيسي الوظيفي يقيس التغيرات في أكسجة الدم، التي كان يُعتَقَد سابقاً بأنها بطيئةٌ بحيث لا يمكنها أن تكشف الفعالية العصبية غير الملحوظة المرافقة للوظائف الدماغية عالية التنظيم.
كما يُعد الاكتشاف الجديد خطوةً هامةً نحو تحقيق هدف أساسي في البحث في علوم الأعصاب، الذي يتضمن رسم خريطة لشبكات الدماغ المسؤولة عن الوظائف المعرفية عند الإنسان مثل الإدراك والانتباه والوعي.
بعد أن استطاع الباحثون -الذين تكفل المعهدُ الوطني للتصوير الحيوي الطبي والهندسة الحيوية NIBIB بتمويلهم- زيادة سرعة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بشكلٍ ملحوظ، تمكّنوا من تصوير الفعالية الدماغية المتبدلة بسرعةٍ خلال تفكير الإنسان. يقيس الرنين المغناطيسي الوظيفي التغير في أكسجة الدم، التي كان يُعتَقَد سابقاً بأنها أبطأ بكثير من أن تكشف الفعالية العصبية غير الملحوظة المرافقة للوظائف الدماغية عالية التنظيم.
ويُعد الاكتشاف الجديد، بأن الرنين المغناطيسي الوظيفي السريع قادر على كشف التذبذبات الدماغية السريعة، خطوةً هامةً نحو تحقيق هدف أساسي في البحث بعلوم الأعصاب، الذي يتضمن رسم خريطة لشبكات الدماغ المسؤولة عن الوظائف المعرفية عند الإنسان مثل الإدراك والانتباه والوعي.
يقول الدكتور غيوينغ ليو Guoying Liu مدير برنامج الرنين المغناطيسي في معهد NIBIB: "إن الهدف الأساسي من هذا المشروع (مبادرة President’s Brain) هو نقل علوم الأعصاب إلى مرحلة جديدة بحيث نتمكن من تحديد ومتابعة الشبكات العصبية أثناء عملها بطريقة غير باضعة (لا تتضمن جراحة أنسجة الجسم).
تُظهر هذه الدراسة قدرة الرنين المغناطيسي الوظيفي على رسم خريطة للشبكات العصبية السليمة وتلك التي قد تساهم في تكوين الاضطرابات العصبية كالخرف والاضطرابات العقلية الأخرى، والتي تُعد من المشاكل الصحية الهامة على المستوى الوطني والعالمي".
يعمل الـ fMRI عن طريق كشف الزيادة في مستوى الأوكسجين الذي يحمله الدم إلى منطقة معينة في الدماغ، حيث يزداد تدفق الدم في المناطق النشطة في الدماغ، وتزداد معها نسبة الأوكسجين، وهو ما يلتقطه جهاز الـ fMRI. وأصبحت هذه التقنية أداةً لتحديد المناطق الدماغية التي تتحكم بالوظائف كالرؤية والسمع واللمس.
ولكن المشكلة تكمن في أن جهاز الـ fMRI العادي يقيس جريان الدم إلى منطقة من الدماغ بعد عدة ثوانٍ من أدائها لوظيفةٍ ما، وقد قبل المجتمع العلمي بأن هذه هي حدود الـ fMRI (ومثالها تحديد المنطقة الدماغية التي تستجيب لتنبيه واسع من حيث الزمن، كقياس المنطقة المسؤولة عن رؤية الضوء عن طريق تعريض الشخص إلى ضوء متكرر لمدة ثلاثين ثانية).
وبإشراك عدة تقنيات جديدة، تمكن الدكتور جوناثان بوليميني Jonathan R. Polimeni وهو المؤلف الرئيس لهذه الدراسة، وفريقه من مركز Athunoula A.Martinos للتصوير الطبي الحيوي في هارفرد، من تطبيق الرنين المغناطيسي الوظيفي السريع بهدف متابعة الشبكات العصبية التي تتحكم بعمليات التفكير عند الإنسان، ووجدوا بأن باستطاعتهم قياسَ الفعاليات الدماغية سريعة التذبذب. وقد نُشرت نتائج هذا العمل الإبداعي في تشرين الأول/أكتوبر 2016 في المجلة الدورية Proceedings of the National Academy of Sciences.
استخذم الباحثون الـ fMRI السريع على أفراد متطوعين يتابعون لوحةً متذبذبة الأضواء على نمط لوحة المربعات. وتمكن الـ fMRI السريع من كشف التذبذبات السريعة جدًا وغير الملحوظة في تدفق الدم للقشرة البصرية من الدماغ خلال مراقبة المتطوعين لهذه الأنماط المتغيرة من الإضاءة.
يقول بوليميني: "إن نمط لوحة المربعات ذات النمط المتذبذب يعتبر تنبيهًا "أقرب للتنبيهات الطبيعية" من حيث أن توقيته مماثل للتذبذبات العصبية غير الملحوظة التي تحدث خلال عمليات التفكير الطبيعية.
يكشف الرنين المغناطيسي الوظيفي السريع التذبذبات العصبية المُحَفَّزة، والتي تُمكّن الدماغ من فهم ما تلاحظه العين، وهو نمط لوحة المربعات. ولم يكن بالإمكان الكشف عن هذه التذبذبات غير الملحوظة باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي العادي. وأتاحت هذه النتائج المذهلة إمكانية استخدام الـ fMRI السريع في تصوير الشبكات العصبية أثناء قيامها بقيادة عملية تفكير الإنسان".
واقترحت المؤلفةُ الأولى للدراسة الدكتورة لورا دي لويس Laura D. Lewis تطبيقًا محتملًا لهذه التقنية؛ حيث قالت: "تعطينا هذه التقنية اليوم طريقةً للحصول على معلومات تفصيلية أكثر عن فعالية الدماغ المعقدة التي تحدث خلال النوم وخلال التغيرات الديناميكية في حالات أخرى للدماغ مثل التخدير والهلوسات".
واختتم بوليميني كلامه بقوله:" لطالما كان الاعتقاد السائد هو أن الـ fMRI يمكنه أن يكون ذا شأنٍ في مثل هذه الدراسات. كما أن التطور الكبير في علوم الأعصاب المعرفية يعتمد على قدرتنا على وضع خرائط لنشاط الدماغ، والتي تتغير بشكل مستمر وسريع بكل تجربةٍ نقوم بها. وبناءً على ذلك، نحن متحمسون جدًا لرؤية عملنا يشارك بشكل هام في تحقيق هذا الهدف".