يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
الإلهام عامل مشترك بين البيتلز وأحفورة وبعثة فضائية

قبل خمسين عاماً من الآن، وتحديداً في الأول من شهر يونيو/حزيران 1967، أصدرت فرقة البيتلز The Beatles ألبومها المُسمى Sgt. Pepper's Lonely Hearts Club Band، والذي تضمن الأغنية الأيقونية المُسماة (لوسي في السماء مع الماس Lucy In The Sky With Diamond ) واشتهرت الأغنية كثيراً لاستحضارها مشاهد أحلام خياليةً تتفق ورواية لويس كارول Lewis Carroll الكلاسيكية: مغامرات أليس في بلاد العجائب Alice's Adventures in Wonderland. وقال جون لينون John Lennon أن الأغنية مُستوحاةٌ من لوحةٍ رسمها ابنه جوليان -بعمر 3 سنوات في ذلك الوقت- لصديقته لوسي من حضانة الأطفال.

صورةٌ من ألبوم سيرجينت بيبر Sgt. Pepper's Lonely Hearts Club Band لفرقة البيتلز. حقوق الصورة ©Apple Corps Ltd
صورةٌ من ألبوم سيرجينت بيبر Sgt. Pepper's Lonely Hearts Club Band لفرقة البيتلز. حقوق الصورة ©Apple Corps Ltd


لنمضي قدماً نحو يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، فأثناء عملية جمعٍ للأحافير خلال بعثةٍ إلى قرية هادار في أثيوبيا، قرر عالم الأنثروبولوجيا دونالد جونسون Donald Johanson وطالبه أن يسلكا طريقاً بديلاً عبر وادٍ قريب أثناء عودتهما نحو سيارة اللاند روفر الخاصة بهما. وهناك، اكتشف جونسون عظمة ساعدٍ أحفورية، وسرعان ما لاحظ أنها تعود لأحد أنواع أشباه البشر hominin، وهو سلفٌ بشريٌ ظهر بعد الانفصال التطوري عن أسلافنا من القردة العُليا.

 

وبعد ذلك بمدةٍ قصيرة، شاهد عظم فصٍ قذالي (جمجمة)، وعظم فخذٍ وبعض الأضلاع وعظم حوضٍ إضافةً إلى عظم فك سفلي. بعد أسبوعين، وبعد ساعاتٍ كثيرةٍ من الحفر والغربلة والفرز، جُمعت مئات القطع العظمية التي شكلت 40% من الهيكل العظمي لأحفورة الكائن الشبيه بالبشر.

وفي وقتٍ لاحقٍ من تلك الليلة، كان هناك الكثير من البهجة والاحتفال نتيجة اكتشاف ما بدا كهيكلٍ عظميٍ واضح مكتملٍ لنوعٍ من أشباه البشر hominin. لقد كان هنالك رقصٌ وغناء، وفي وسط كل ذلك كانت أغنية "لوسي في السماء مع الماس Lucy In The Sky With Diamond" تملأ الأجواء. وفي لحظةٍ ما من تلك الليلة، قررت باميلا ألديرمان Pamela Alderman تسمية الهيكل العظمي باسم لوسي.


ولنقفز مباشرة نحو عام 2013، عندما كان البحث جارياً عن اسمٍ لبعثة ناسا المقترحة حديثاً لاستكشاف كويكبات طروادة Trojan asteroids التابعة للمشتري، ففي حين كانت تُسمى أغلب مهمات ناسا بأسماءٍ مُختصرةٍ من أوائل الحروف، كان لهذه البعثة درب مُختلف.

تشكلت الكواكب من تجمع موادٍ صلبةٍ كانت تدور حول الشمس نتيجة الجذب الثقالي المتبادل بينها. وتُعتبر الأجسام البدائية الغنية بالمواد المُتطايرة ككويكبات طروادة -وهي أسرابٌ من الكويكبات المُتحركة أمام المشتري وخلفه في مداره حول الشمس- أحافيرَ تلك اللبنات الأولى لتكون الكواكب وتحمل أدلةً ثمينةً عن طريقة تشكل الكواكب. ويحتمل أن يكون الغلاف الجوي للأرض ومحيطاتها قد تزود منها نتيجة تصادمات من الأجسام البدائية ككويكبات طروادة، لذا فقد تُساعد هذه "الأحافير" في كشف أصولنا القديمة جداً.


صورةٌ تعود لعام 2009 لأحفورة لوسي. حقوق الصورة Jason Kuffer (via Creative Commons)
صورةٌ تعود لعام 2009 لأحفورة لوسي. حقوق الصورة Jason Kuffer (via Creative Commons)


أوحت حلقة الوصل تلك لباحث البعثة الرئيسي، هارولد ليفيسون Harold Levison من معهد الأبحاث الجنوبي الغربي في بولدر، كولورادو بتسمية المركبة الفضائية باسم الاحفورة لوسي lucy. كما أنّ العلاقة مع فرقة البيتلز هي إضافة جميلة. إذ يقول ليفيسون: "هذه الكويكبات هي فعلاً كالماسات في السماء من ناحية قيمتها العلمية لفهم آلية تشكل الكواكب العملاقة إضافةً إلى تطور المجموعة الشمسية".

وقد رحب الفريق الذي اكتشف أحفورة لوسي بخبر تسمية المركبة بنفس الاسم، وصرح جونسون عالم الانثروبولوجيا الذي اكتشف الأحفورة: "عندما سمعت لأول مرةٍ بخبر بعثة لوسي خلال زيارتي الأولى لبوتان، شعرت بسعادةٍ وغمرني الفخر. فعندما كنت مراهقاً، كان لدي اهتمامٌ كبيرٌ بعلم الفلك مع تلسكوب كلارك الانكساري ذي العشرة إنشات الذي كان موجوداً في مدرستي الثانوية. ويعد ذلك مكافأة، إذ أنه وبعد أكثر من 40 عاماً على اكتشافي للوسي، فما زالت تلعب دوراً مهماً في الاستكشاف العلمي".

هذا هو شعار مهمة لوسي. يُشير الشكل الماسي للشعار إلى أغنية "لوسي في السماء مع الماس" الخاصة بفرقة البيتلز، بينما يُمثل الهيكل العظمي على اليسار أحفورة لوسي الشبيهة بالبشر. حقوق الصورة NASA/SwRI
هذا هو شعار مهمة لوسي. يُشير الشكل الماسي للشعار إلى أغنية "لوسي في السماء مع الماس" الخاصة بفرقة البيتلز، بينما يُمثل الهيكل العظمي على اليسار أحفورة لوسي الشبيهة بالبشر. حقوق الصورة NASA/SwRI

هذه قصة أغنيةٍ مشهورةٍ مُستوحاةٌ من رسمٍ لابن نجم روك أوحت بتسمية أحفورةٍ لسلف البشر، والتي بدورها أوحت بتسمية مهمة لوكالة ناسا تهدف لفهم أصولنا.


قال كيث نول Keith Noll عالمٌ ضمن مهمة لوسي في مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في غرينبلت في ميريلاند: "نحن نُدرك كل المعاني الثقافية التي قد يعنيها هذا الاسم الذي اخترناه. فإذا كان اسم لوسي له علاقةٌ بأحد تعرفه، فادعه إلى منزلك، ودعه يسأل تلك الأسئلة المثيرة، أنه لأمرٌ رائع."


ستنطلق مهمة لوسي في شهر تشرين الثاني/أكتوبر عام 2021 وستُحلق بالقرب من أهدافها بين عامي 2025 و 2033. وبالمجمل، ستدرس لوسي ست كويكباتٍ من كويكبات طروادة إضافةً إلى كويكبٍ في الحزام الرئيسي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات