ابتكار حالة جديدة من المادة

تخيّل وجود مائعٍ بمقدوره الجريان لوحده، دون حاجةٍ لأيّ تدخلٍ بشريٍّ أو قوة سَحْبٍ من الجاذبية، يمكنك وضعه في وعاءٍ على سطح الطاولة بدون لمسه بأي طريقةٍ ومع ذلك سيستمر بالجريان.

أعلن باحثون من جامعة برانديز Brandeis university لأول مرةٍ عن اتخاذهم الخطوة الأولى في سبيل صنع سائلٍ ذاتيّ الدفع Self-propelling liquid وقد أُعلِنت النتائج في مقالٍ نُشِرَ مؤخرًا في مجلة ساينس. وتَعِد هذه النتائج بتطوير نوعٍ جديدٍ كليًّا من الموائع، يمكنه الجريان ذاتيًّا دون أيّ تدخلٍ ميكانيكيٍّ أو بشريٍّ.

قد تكون واحدةً من التطبيقات المحتملة لهذه الموائع على أرض الواقع هي تحريك النفط ذاتيًّا في خط الأنابيب دون الحاجة إلى ضخه.

جاء هذا الاكتشاف في المركز البحثي للعلوم والهندسة (MRSEC) بجامعة برانديز، والذي يجمع باحثين من أنحاء العالم في مبادرةٍ علميةٍ تهدف إلى صنع تقنياتٍ ثوريةٍ تتضمن موادَ جديدةً وآلاتٍ مكونةً من أجزاءٍ بيولوجيةٍ.

حقق الباحثون هذا الاكتشاف العلمي غير المسبوق والذي نشر في مجلة Science عن طريق الاستنساخ المخبري للعملية المعقدة من الخطوات والتي تتيح للخلايا تغيير شكلها لتتأقلم مع بيئتها المحيطة. السبب وراء قابلية الخلايا على فعل هذه العملية يكمن في الأنيبيات الدقيقة microtubles (وهي تجاويفٌ أسطوانيةٌ في الخلية قادرةٌ على تحويل نفسها ذاتيًّا وتوفر الدعم للخلية)، هذه الأنيبيات الدقيقة تقوم بتبديل وحدات البناء الأساسية للخلية عن طريق النمو والتقلص والانحناء والتوسع. 
 


الحقوق: Brandies university


قام الباحثون باستخراج أنيبيباتٍ دقيقةٍ من دماغ بقرةٍ ووضعها في محلولٍ مائيٍّ، ثم أضافوا نوعين من الجزيئات الموجودة في الخلايا وهي الكينيزين kinesin والأدينوزين ثلاثي الفوسفات ATP.

تصطف الأنيبيات الدقيقة بطريقةٍ موازيةٍ مع بعضها البعض، وهنا يأتي جزيء الكينيزين ليربط ما بينها بطريقةٍ مشابهةٍ لتلك التي ترتبط بها العقدة بين السكة الحديدية للقطار. يُستَخدم ATP كمصدرٍ للطاقة، فيبدأ الكينيزين بالتحرك، ويتجه الجزء العلوي للكينيزن في جهٍة والجانب السفلي في جهةٍ أخرى، عندها تنزلق الأنيبيات بعيدًا عن بعضها البعض ويبدأ هيكل الخلية بالتحطم. ولكن لا تبقى الأنيبيات الدقيقة لتعوم بحريةٍ لفترةٍ طويلةٍ، حيث يأتي جزيءٌ جديدٌ من الكينيزين ليلتحم الجزيئان ببعضهما البعض مجددًا.

في اللحظة التي تقوم فيها الأنبيبات بالالتحام ومن ثم تنفصل، تنبثق أنماطٌ دواميةٌ جديدةٌ ومذهلةٌ في السائل، وللمرة الأولى على الإطلاق تمكّن العلماء من التحكم بهذه الدوامات لحثّها على التحرك بنفس الاتجاه، لتكوّن بذلك تدفقاتٍ متسقةً ومنتظمةً تقوم بدفع السائل المحيط بها للأمام.

تفاعل الأنيبيات الدقيقة مع الكينزين والأدينوزين الذي عمل عليه العلماء مخبريًّا، هو نفسه الذي يحدث في الخلايا في الطبيعة، باستثناء أنه في الخلايا يكون أكثر تعقيدًا، ومع ذلك فإن هذا النموذج البسيط جدًّا والذي صنعه العلماء قد حقق تأثيرًا مشابهًا. فإنهم، وبشكلٍ جوهريٍّ قد سخّروا قوى الطبيعة لصنع آليةٍ مجهريةٍ تعمل على ضخّ الموائع ذاتيًّا.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات