اكتشاف عنصري الحديد والتيتانيوم على كوكب خارجي لأول مرة على الإطلاق

تصور فني للكوكب الخارجي KELT-9b، الذي يدور على بعد مسافةٍ قريبةٍ جدًا من نجمه المضيف، بحيث يظهر قرص النجم في سمائه أكبر بـ 70 مرة من قرص شمسنا في السماء. حقوق الصورة: Bajram/Nature

لأول مرة على الإطلاق، اكتشف علماء الفلك عنصري الحديد والتيتانيوم في الغلاف الجوي لكوكب خارج نظامنا الشمسي. يُعتبر هذا الكوكب الخارجي المُسمّى KELT-9b، أكثر العوالم الخارجية المُكتشفة حرارةً على الإطلاق، حيث أنه حارٌ جدًا لدرجة أنه أسخن من معظم النجوم.

يُطلِق العلماء على هذا الكوكب الخارجي الحار، الذي يقع على بعد 620 سنة ضوئية تقريبًا من الأرض في كوكبة الدجاجة Cygnus، اسم "مشتري فائق الحرارة"، إذ أنّ KELT-9b هو عالم غازيٌ عملاق مثل كوكب المشتري، أكبر كوكب في نظامنا الشمسي، لكنّه أكبر بكثير من المشتري، حيث أنّ كتلته أكبر بثلاث مرات وقطره أكبر بمرتين، وهو يدور على مسافةٍ قريبةٍ للغاية من نجمه الأم الحار KELT-9.

"المشتري الفائق" هو مصطلحٌ غير رسمي لكواكب المشتري الحارة الخارجية التي تتجاوز درجة حرارتها 3100 درجة فهرنهايت (1700 درجة مئوية). وقد أخبر كيفن هينغ Kevin Heng، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة بيرن في سويسرا والذي شارك في الدراسة، موقع Space.com: "هذه الكواكب شديدة الحرارة لدرجة أنها تشبه النجوم من حيث حرارتها على الرغم من أنها كواكب". يمكن أن تصل درجة حرارة KELT-9b إلى 7800 درجة فهرنهايت (4300 درجة مئوية).

تصور فني للنجم KELT-9 وكوكبه KELT-9b، الذي يُعتبر أكثر الكواكب الخارجية المعروفة حرارةً. حقوق الصورة: MPIA
تصور فني للنجم KELT-9 وكوكبه KELT-9b، الذي يُعتبر أكثر الكواكب الخارجية المعروفة حرارةً. حقوق الصورة: MPIA


مكنّت هذه الحرارة العالية جدًا الفلكيين من اكتشاف الحديد والتيتانيوم في الغلاف الجوي لكوكب KELT-9b. وعلى الرغم من أنّ الباحثين يشككون منذ فترة طويلة في وجود هذه العناصر على بعض الكواكب الخارجية، فالحديد هو أحد أكثر العناصر وفرةً في الكون، فمن الصعب اكتشافها في البيئات الأكثر برودة لأن الذرات تكون في الغالب "مقيدةً في جزيئات أخرى"، وذلك وفقًا لما قاله هينغ. ومع ذلك، فإن كوكب KELT-9b حارٌ جدًا بحيث لا تتكثف الغيوم في غلافه الجوي، مما يسمح للذرات الفردية من الحديد والمعادن الأخرى أن تحلق منفردةً.

رُصد التيتانيوم في الغلاف الجوي للكواكب الخارجية من قبل، ولكن ليس في شكله الذري. ففي أيلول/سبتمبر عام 2017، أعلن علماء فلك استخدموا تلسكوب هابل الفضائي أنهم اكتشفوا ثاني أكسيد التيتانيوم (جزيئات تتكون من ذرة تيتانيوم واحدة وذرتي أكسجين) في الغلاف الجوي لكوكب خارجي يُسمى Kepler-13A.

يستطيع علماء الفلك اكتشاف عناصر مختلفة من خلال النظر إلى طيف الضوء القادم من جسم ما في الفضاء. ونظرًا لأن الكوكب الخارجي لا يصدر الضوء، درس هينغ وفريقه من الباحثين بياناتٍ تلسكوبية جُمِعت أثناء عبورٍ شمسي زوالي solar transit، أي عندما يمر الكوكب الخارجي مباشرة من أمام نجمه كما يظهر لنا من الأرض.

على نحو ملائم، كانت البيانات موجودة بالفعل قبل أن يقرر هينغ وفريقه الخوض في هذه الدراسة، فبعد أن استخدم زملاؤه في جامعة جنيف تلك البيانات الطيفية للبحث عن الهيدروجين في الغلاف الجوي لكوكب KELT-9b. يقول هينغ: "احتفظوا بالبيانات بالفعل لأنه لم يكن هناك سبب للبحث عن الحديد أو التيتانيوم. ثم، وقبل بضعة أشهر، قمنا بإجراء دراسةٍ نظرية، تتنبأ بوجود الحديد والتيتانيوم، وكان هذا هو الدافع وراء البحث".

باستخدام بياناتٍ قديمةٍ عمرها عام من تلسكوب غاليليو الوطني في لا بالما، إسبانيا، بدأ الباحثون في البحث عن المعادن في طيف الضوء الذي يخترق الغلاف الجوي لكوكب KELT-9b خلال العبور الشمسي الذي يستمر لـ 4 ساعات. جُمعت هذه البيانات باستخدام أداة مطيافية تُسمى الباحث الكوكبي بالسرعة الشعاعية عالية الدقة HARPS.

يقول هينغ: "تتمتع الذرات أو الجزيئات المختلفة ببصمةٍ مميزة عند تحلل الضوء إلى طيفه. وبالأخذ بعين الاعتبار ما يكفي من الدقة، وما يكفي من البيانات الجيدة بما فيه الكفاية، فإن لكل جزيءٍ بصمة فريدة". كتب هينغ في منشورٍ له على مدونةٍ على موقع Nature.com بأنه سيتطلب العثور على بصمات الحديد والتيتانيوم، وهي عناصر توقع هينغ وفريقه وجودها في الغلاف الجوي لكوكب KELT-9b، "مزيجاً من الخبرة في الحوسبة عالية الأداء، والتنظيم الدقيق لقواعد البيانات الطيفية والاهتمام الدقيق بالتفاصيل".

سعى فريق هينغ لطلب المساعدة من سايمون غريم Simon Grimm، عالم فيزياء فلكية في جامعة بيرن و"الذي هو (من بين أمور أخرى) خبيرٌ في حساب عتامة opacitie الذرات والجزيئات. هذه العتامات ليست بسيطة للحساب، لأن المرء يحتاج إلى تقييم قوة وشكل ملايين أو مليارات الخطوط الطيفية." وذلك وفقًا لما كتبه هينغ في منشور المدونة.

كانت الدراسات السابقة التي تمحورت حول وجود الهيدروجين في الغلاف الجوي لـ KELT-9b قادرة على رؤية خط امتصاص هيدروجين قويٍّ في الطيف دون القيام بتحليل أكثر تعقيدًا كالذي احتاجه هينغ وفريقه للعثور على الحديد والتيتانيوم. افتقر علماء الفلك الذين جمعوا بيانات للبحث عن الهيدروجين إلى الحافز النظري لإجراء بحثٍ جاد عن معادن مثل الحديد، وفقًا لما كتبه هينغ.

أظهرت دراسة أخرى نُشرت في 2 تموز/يوليو في مجلة Nature Astronomy أنّ الهيدروجين "يتسرب" بالفعل من الغلاف الجوي لكوكب KELT-9b ويمتصه النجم الأم للكوكب. أخبر فيي يان Fei Yan، عالم فلك من معهد ماكس بلانك للفلك والمؤلف الرئيسي للدراسة، موقع Space.com في رسالةٍ إلكترونية: "من المحتمل خروج عناصر معدنية ثقيلة أيضًا من الغلاف الجوي لأن الهروب الكبير للهيدروجين يمكن أن "يسحب" العناصر الثقيلة إلى ارتفاعٍ عالٍ في الغلاف الجوي".

في حين أنّ العثور على الحديد والتيتانيوم في الغلاف الجوي لكوكب KELT-9b كان اكتشافًا هائلًا، أخبر هينج موقع Space.com بأنّ: "التقنية نفسها مثيرة حقًا أيضًا. هذا هو نفس الأسلوب الذي سنستخدمه لكشف البصمات الحيوية biosignatures على الأرض، نحن نعتقد أنّ هذه البصمات هي الأكسجين وبعض الجزيئات الغامضة الأخرى، لكننا لا نعرف ما هي هذه البصمات بشكلٍ عام. إذا كنت تعرف ما هي هذه البصمات... يمكنك استخدام نفس الأسلوب بالضبط للكشف عن هذه الجزيئات في كواكب أصغر وأبرد".

من غير المرجح أن يكتشف علماء الفلك أي علامات للحياة على هذا الكوكب الجهنمي، ولكن وجد هينغ وفريقه بعض العناصر الأخرى المثيرة للاهتمام في طيف كوكب KELT-9b. حيث يقول هينغ: "لا أريد الكشف عن الكثير من المعلومات، لكننا وجدنا معادن أخرى. نحن نحاول استخدام وقتنا مع تلسكوب هابل الفضائي للبحث عن الماء أيضًا. هدفنا في نهاية المطاف هو اكتشاف المكونات الكيميائية لكامل للكوكب". سيكون بمقدور تلسكوب هابل أيضًا تسليط بعض الضوء على طبيعة طقس كوكب KELT-9b. حيث يقول هينغ: "من المفترض أن تكون هناك عواصف عنيفة على هذا الكوكب".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات