يبدو أنّ رواد الفضاء سيواجهون الكثير من المخاطر في رحلتهم الى المريخ

رسم توضيحي لمحطة مأهولة على المريخ

Image: © NASA/Pat Rawlings


 

تحاول ناسا إيجاد الحلول لكل المخاطر المحتملة قبل إرسال رواد الفضاء إلى المريخ في ثلاثينيات القرن الحالي.

الطريق الى المريخ معبّد بالمخاطر...


يتوجب على رواد الفضاء المشاركين في المهمات إلى الكوكب الأحمر أن ينجوا من الإشعاعات الفضائية وليس هذا فحسب، بل أيضاً من تأثيرات الجاذبية الضئيلة والتوتر الناتج عن الحبس والعزلة، كل هذا في وقتٍ واحدٍ ولمدةٍ طويلةٍ مستمرة. حيث تستغرق المدة اللازمة للوصول إلى المريخ حالياً ستة أشهر كحدٍّ أدنى، ونفس المدة للعودة.


وسيكون على رواد الفضاء اجتياز هذه العقبات في حالٍ جيدة من الناحية الفسيولوجية والنفسية.


تقول جينيفر فوغارتي Jennifer Fogarty، العالمة المسؤولة عن برنامج البحث البشري التابع لناسا (HRP)، في شهر آب/أغسطس خلال عرضٍ تقديميٍّ لها مع فريق عمل وكالة المهمات الفضائية المستقبلية التابعة لناسا: "يجب أن تُزَود المركبة الفضائية روّاد الفضاء على متنها بكل ما يحتاجونه فيما يتعلق بمتطلبات الحياة الأساسية، بل وأكثر من ذلك. لأننا نتوقع منهم أن يكونوا قادرين على أداء وظائف لها متطلبات إدراكية وجسدية".


كثيرٌ من التعب...


كُلِّف برنامج البحث البشري باكتشاف تأثيرات الرحلات الفضائية على رواد الفضاء وتطوير استراتيجيات لتخفيفها والحد منها؛ ووفقاً لفوغارتي فإن البرنامج قد حدد خمسة أصناف من "العوامل المسببة للإرهاق والتعب"، والتي يمكنها أن تؤثر بشكل واضح على صحة الإنسان و أدائه في مهام الفضاء. وهذه الأصناف هي: مجالات الجاذبية المتغيرة، والبيئات العدائية المنغلقة، والإشعاع، والعزلة، والبعد عن الأرض (مما يعني أن المساعدة بعيدة تماماً).


ويحاول علماء برنامج البحث البشري وباحثون آخرون في أنحاء العالم التمكن من السيطرة على جميع عوامل الإرهاق هذه، وذلك عن طريق إجراء تجارب هنا على كوكب الأرض، والمراقبة الدقيقة لصحة رواد الفضاء العقلية والجسدية الذين يعيشون على متن محطة الفضاء الدولية (ISS).


يكمن الهدف لهذا العمل على المدى البعيد في تقديم العون من أجل إرسال مهمات مأهولة إلى المريخ، والتي تأمل ناسا في بدئها قبل نهاية ثلاثينيات القرن الحالي. وبالفعل قبل بضع سنوات، بقي رائدا الفضاء التابعان لوكالة ناسا سكوت كيلي Scott Kelly وكوزمونوت ميخائيل كورنينكو Cosmonaut Mikhail Kornienko على متن محطة الفضاء الدولية لمدة 11 شهراً (وهي ضعف الفترة اللازمة لإنجاز المهمات المعتادة)، وذلك من أجل مساعدة الباحثين على قياس تأثير المهمات الفضائية الطويلة مثل الرحلة إلى المريخ.


ووفقاً لفوغارتي فإنه من الصعب تحديد هذا الأثر الذي ستتركه الرحلة على رواد الفضاء بدقة، وذلك لأن التأثير التراكمي لعوامل الإرهاق في الرحلات الفضائية يمكن أن يكون جمعياً (أي تُجْمَع التأثيرات المختلفة لعوامل الإرهاق مع بعضها فتصبح تأثيرًا واحدًا أقوى) أو تآزرياً (أي تحدث التأثيرات المختلفة لعوامل الإرهاق في نفس الوقت كلٌّ على حدة)، ومن المستحيل تقريباً تطبيق كل هذه المصاعب جميعاً في بيئةٍ اختباريةٍ واحدةٍ.


فعلى سبيل المثال، يجري العلماء دراساتٍ عن الإشعاع على حيواناتٍ مختبريةٍ هنا على كوكب الأرض، ولكن الجاذبية الضئيلة ليست ضمن التجربة، وإضافتها إليها غير قابل للتطبيق حالياً. (كما أنه لا يمكن لمحطة الفضاء الدولية -بيئة ذات جاذبية ضئيلة- أن تزودنا ببيانات عن الإشعاع الفضائي، وذلك لأنها تدور ضمن الغلاف المغناطيسي الأرضي والذي يوفر الحماية؛ وإضافة معدات باعثة للإشعاع على متن مختبر هائل دوّار لا تبدو فكرة ملائمة).


أكبر المخاوف...


إن بعض عوامل الإرهاق مثيرةٌ للقلق أكثر من غيرها. فمثلاً، نوّه الباحثون ومسؤولون في ناسا مراراً وتكراراً أن الإشعاع هو أحد أكبر المخاطر التي تواجه مهمات المريخ.
حيث يزيد التعرض الكثير للإشعاع من خطر إصابة رواد الفضاء بالسرطان لاحقاً في حياتهم، ولكن هناك مخاوف على المدى القريب أيضاً. فمثلاً، أظهرت دراسة حديثة أن الجرعات المتراكمة من الإشعاع الذي سيتعرض له رواد الفضاء في مهام الكوكب الأحمر ستكون كافية لتدمير الجهاز العصبي المركزي، مما سيعرض مزاج وذاكرة وقابلية التعلم لدى رواد الفضاء للخطر، وذلك وفقاَ للدراسة.


كما ذكرت فوغارتي مشكلةً أخرى تتطلب اهتمام الباحثين المكثف، وهي المتلازمة العصبية-العينية المرتبطة بالرحلات الفضائية (SANS)، والتي تعرف أيضاً بضغط الاعتلال البصري داخل الجمجمة (VIIP).


تصف المتلازمة احتمالية الإصابة بمشاكلَ بصريةٍ خطيرةٍ وطويلة الأمد تزيد رحلات الفضاء من خطر الإصابة بها، ويعود السبب على الأرجح إلى انتقال السوائل مما يزيد من الضغط داخل الجمجمة.


تقول فوغارتي: "يمكن التعامل مع متلازمة SANS في الوقت الحالي وفي المدار الأرضي المنخفض ومعالجتها بسهولة، ولكننا لا نعرف عن الجهاز العصبي ما يكفي لتوقع ما سيحدث في المهمات الاستكشافية، لذا تُعد هذه من النقاط الفسيولوجية الهامة للغاية التي نعمل على دراستها حالياً".


القمر كميدان اختبار...


لا تخطط ناسا للذهاب إلى المريخ مباشرةً، حيث تهدف الوكالة إلى إرسال رائدَي فضاء إلى القطب الجنوبي للقمر بحلول عام 2024، ثم القيام بجولات طويلة وكافية على وحول القمر بعد ذلك. وبالفعل فإن الهدف الرئيسي لهذه النشاطات التي ستطبقها ناسا في برنامجها أرتيميس هي تعلم المهارات والتقنيات اللازمة لإرسال رواد الفضاء الى المريخ وفقاً لتصريح الوكالة الرسمي.


إن إحدى البنيات التحتية الأساسية في برنامج أرتيميس هي عبارة عن محطة فضائية صغيرة تدور حول القمر تُدعى غيتواي Gateway (تعني: البوابة)، والتي ستكون مركز رئيسي من أجل القيام بنشاطات على سطح القمر. فعلى سبيل المثال، ستهبط المركبات الروبوتية والمأهولة إلى سطح القمر من خلال غيتواي، وسيتحكم رواد الفضاء على متن هذه المحطة بالمركبات الجوالة أيضاً وفقاً لمصدر رسمي في ناسا. وستُنفَّذ الكثير من الدراسات والأبحاث على غيتواي، وستتضمن دراسة صحة وأداء رواد الفضاء في بيئةٍ فضائيةٍ حقيقيةٍ. وقد ذكرت فوغارتي إحدى استراتيجيات البحث التي قد تكون مفيدةً بشكلٍ خاصٍّ للعلماء الذين يرسمون الطريق إلى المريخ، وهي دراسة عيناتٍ صغيرةٍ من نسيجٍ بشريٍّ على متن المحطة المدارية حول القمر.
ووفقاً لفوغارتي، ستساعد هذه الدراسات العلماء على حلِّ واحدةٍ من أكبر المشاكل التي تتعلق بإجراء الدراسات، وهي استخدام فئران التجارب أو الحيوانات (كائنات غير بشرية) كنموذجٍ لكائنٍ حيّ، فالمشكلة تتعلق بترجمة النتائج .حيث تقول موضحةً: "كيف نحدد الفرق بين فأر أو فأرة وإنسان؟ لأنه أمرٌ غير قابل للتطبيق بشكلٍ مباشرٍ، مما يعيق الطب هنا على الأرض وكذلك الأبحاث أيضاً. ولكن باختراع رقاقة تتحقق من صحة وحال الأعضاء والأنسجة البشرية بشكلٍ مستمرٍ، عندها يمكنك الاتصال بها وبشكلٍ رئيسيٍّ يمكنك تلخيص جوانب معقدة جداً من الإنسان باستخدام هذه الرقاقات؛ أعتقد أنه يمكننا أن نحقق تقدماً ملحوظاً في فهم البيئة المعقدة باستخدام الرقاقات كنموذج عضوي لتوضيح أقصى ما يمكننا الوصول له بالقدرات البشرية".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات