يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
إعادة النور لفاقدي البصر

يصيب العمى الوراثي الملايين من البشر في العالم، وهو عمًى يحدث نتيجة تنكس (تدمير) متدرج للخلايا الحساسة للضوء في العين، أو ما يعرف بـ “مستقبلات الضوء".


على الرغم من تنكس الخلايا الحساسة للضوء، إلا أن الخلايا الموجودة في الطبقات العميقة داخل شبكية العين التي لا تتحسس الضوء بطبيعة الحال تبقى متماسكة وسليمة. من المقدر أن يكشف لنا الباحثون عن طريقة علاجية جديدة وواعدة ترتكز على تكنولوجيا تسمى” البصريات الوراثية“[1] optogenetics ، حيث توضع بروتينات حساسة للضوء في الخلايا التي نجت من للتنكس في هذا المرض، محوّلةً إياها إلى مستقبلات ضوء بديلة وبهذا تسترجع الرؤية. ولكن، ثمة عوامل عديدة تحدُ من تطبيق هذا العلاج سريريًا؛ حيث إن استخدام البروتينات التقليدية الحساسة للضوء يتطلب استخدام ضوء صناعي مؤذٍ للعين، كما إنها تتطلب إدخال آلية غريبة لنقل الإشارات بين الخلايا المستهدفة.
 
 
بحث جديد نشر في السابع من مايو\أيار في الدورية مفتوحة الوصول PLOS Biology، من فان ويك van Wyk وزملائه، يوضح كيف يمكن للبروتينات المعدلة بتكنولوجيا البصريات الوراثية أن تجعل هذه التكنولوجيا الواعدة أقرب للتطبيق الطبي.


تقول الدكتورة سونا كلينلوجيل Dr. Sonja Kleinlogel مؤلفة الورقة العلمية: ”كان سؤالنا عندما بدأنا 'هل نستطيع تصميم بروتينات قابلة للتفاعل مع الضوء بحيث تعمل كبوابات تتحكم بمرور سبل محددة من سبل الإشارات العصبية في خلايا معينة؟' بمعنًى آخر، هل يمكن أن نحافظ على السبل الطبيعية لنقل الإشارات في الخلايا المستهدفة، وأن نعدلها بطريقة تسمح للضوء أن يحفزها بدلًا من الناقل العصبي الذي يطلقه العصبون السابق؟“
 

قام الهدف من الهندسة الجزيئية molecular engineering على أساس تحقيق أكبر انسجام مع النقل الطبيعي للإشارات، مع المحافظة على كل مزايا البروتينات المعدلة بتكنولوجيا البصريات الوراثية، وذلك من مثل امتلاكها لحرائك[2] سريعة.


يسمى البروتين الجديد الحساس للضوء بـ”Opto-mGluR6“، وهو بروتين اندماجي chimeric protein يتكون من دمج الأجزاء الحساسة للضوء من الميلانوبسين (وهو صباغ متبدل بالضوء موجود في شبكية العين) مع مستقبلات الغلوتامات mGluR6، والموجودة في الخلايا المشغَّلة بالضوء (ON-cells)، وهي مستقبلات بطبيعتها تتفعل عند إفراز الجلوتاميت glutamate من مستقبلات الضوء photoreceptors، حيث تكبّر هذه المستقبلات الإشارة القادمة للخلية من خلال سبيل إنزيمي داخل الخلية. يختلف هذا البروتين عن الرودوبسين على سبيل المثال، في أن "مستشعر الضوء" الخاصّ بالميلانوبسين يكون مقاومًا لفقد الصبغة. بعبارة أخرى، فإن قوة الاستجابة لبروتين الـ Opto-mGluR6 لا تضعف مهما تعرض للضوء. وكذلك، بما أن Opto-mGluR6 هو بروتين اندماجي يتكون من اثنين من بروتينات الشبكية، فإنه يكون "غير مرئي" بالنسبة للجهاز المناعي فلا يقوم بمهاجمته، وهذا يعد تطورًا آخر على البروتينات المعدلة التقليدية.


استهدف فان ويك وزملاؤه في دراستهم أحد أنواع الخلايا الشبكية، وهي الخلايا الشبكية ثنائية القطب المشَغَّلة بالضوء ON-bipolar cells، والتي تستقبل بطبيعتها مدخلات مباشرة من مستقبلات الضوء. تتميز عملية استهداف الخلايا الباقية على قيد الحياة في الشبكية بأننا نستطيع بها توفير الاستخدام الأمثل لحوسبة إشارات الشبكية. تضمن لنا عملية تحول المستقبل الكيميائي الأصلي (mGluR6) إلى مستقبل مُحَفَّز بالضوء أن نحافظ على عملية نقل الإشارات الطبيعية ما بين الخلايا ذات القطبين، وهكذا نجمع بين حساسية عالية للضوء إضافة إلى ردة فعل طبيعية للعين.


استطاع الباحثون في هذه الدراسة أن يوفروا "إثبات مبدأ" أن فئران المختبر المُصابة بالتهاب الشبكية الصباغي [4]  Retinitis pigmentosa يمكن علاجها بحيث تستعيد الرؤية النهارية، تقول الدكتورة كلينلوجيل: ”يمكن للعلاج الجديد أن يعيد الرؤية للمرضى الذين يعانون من أي مرض يتعلق بتنكس مستقبلات الضوء. على سبيل المثال فإن المرضى الذين يعانون من مراحل متقدمة من التنكس البقعي المرافق للتقدم في السن [5] age-related macular degeneration ، وهو مرض شائع جدًا يصيب إلى حد ما واحدًا من كل عشرة أشخاص فوق سن الـ 65.
 
 
تقول الدكتورة كلينلوجيل: ”التحسين الرئيس الموجود في هذه الطريقة الجديدة هو أن المرضى سيصبحون قادرين على الرؤية في ضوء النهار بدون الحاجة إلى مشدِّدات الضوء light intensifiers أو إلى النظارات المحولة للصورة image converter goggles، بالإضافة إلى المحافظة على تسلسل الإنزيمات داخل الخلايا بشكل طبيعي، وهو التسلسل الذي يعمل من خلاله mGluR6 لضمان تناسق إشارة الرؤية، حيث إن التحكم بتسلسل الإنزيمات يتم على عدة درجات“. مستقبل mGluR6 على الخلايا ثنائية القطب ينتمي إلى عائلة كبيرة من البروتين المسماة بـ"المستقبلات العابرة للغشاء والمقترنة ببروتين جي" G-protein-coupled transmembrane receptors واختصارًا (GPCRs).


يفتح هذا المبدأ الجديد للهندسة المقاومة لتغير الصبغة في العين، من خلال هذا البروتين الاندماجي المقاوم لفناء الصبغة، الآفاق على احتمالات جديدة؛ مثلًا تعد الـGPCRs هدفًا أساسيًا للتدخلات الدوائية، ويمكن استخدام الـOpto-GPCRs لعلاج حالات مثل الألم والاكتئاب والصرع.


الملاحظات

[1]تكنولوجيا البصريات الوراثية optogenetics: تكنولوجيا حيوية تتحكم بالخلايا المعدلة جينيًا لاستقبال الضوء
[2] الحرائك kinetics: هي خاصية كيميائية تشير إلى سرعة التفاعلات الكيميائية
[3]البروتين الخيمري Chimeric protein أو الاندماجي Fusion protein: هو بروتين يُصنع باستخدام دمج جينَين أو أكثر كان الهدف الأصلي منهما إنتاج بروتينين آخرَين.
[4] التهاب الشبكية الصباغي Retinitis pigmentosa: هو مرض يفقد الشبكية قدرتها على الاستجابة للضوء حيث يُفقد الرؤية تدريجيًا
[5] التنكس البُقْعيّmacular degeneration: هو تنكس يحدث في البقعة، وهي جزء من الشبكية موجود في مركزها تقريبًا بحيث يفقد المصاب القدرة على الرؤية المركزية.
 
 
 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات