الشفق الناتج عن اصطدام النجوم النيترونية قد يحجب ضوء شمسنا

هذه هي "أعمق" صورة على الإطلاق لموقع تصادم نجمٍ نيوتروني. يُظهر المربع الأبيض المنطقة التي رأينا فيها الكيلونوفا kilonova والشفق afterglow الناتج عن ذلك الاصطدام.
حقوق الصورة: Wen-fai Fong et al, Hubble Space Telescope/NASA



في شهر مارس/آذار وجه علماء الفلك تلسكوب هابل الفضائي إلى نقطة نائية في الفضاء اصطدم عندها نجمان نيوترونيان. وباستخدام عين هابل الثاقبة، تابع العلماء تلك النقطة لمدة 7 ساعات و28 دقيقة و32 ثانية على مدار ست لفات للتلسكوب حول الأرض. كانت هذا أطول فترة تركيز على موقع التصادم، ولذلك يسمي الفلكيون تلك اللقطة "بالأعمق". ولكن الصورة، والتي التُقِطت بعد 19 شهراً من وصول الضوء الناجم عن التصادم إلى الأرض، لم تحوِ أي بقايا من اندماج النجمين النيوترونيين، ما يُعدّ خبراً رائعاً.


بدأت القصة إثر تذبذبٍ حدث في 17 أغسطس/آب 2017 حين تداخلت موجة ثقالية، قطعت 130 مليون سنة ضوئية عبر الفضاء، مع أشعة الليزر في مرصد الموجات الثقالية بالتداخل مع أشعة الليزر LIGO الذي يرصد الموجات الثقالية عبر الأرض. اتبعت هذه الإشارة نمطاً أثبت للباحثين أنها نتيجة اندماج نجمين نيوترونيين، وهو أول رصد في التاريخ لاندماج نجمين نيوترونيين. لا يمكن لمراصد الموجات الثقالية تحديد الاتجاه التي أتت منه الموجة، ولكن بمجرد رصد الإشارة، انخرط علماء الفلك حول العالم في التحديق عبر السماء ليلاً باحثين عن مصدر الانفجار. ووجدوه سريعاً: أُضِيئت نقطةٌ على حافة مجرة تسمى NGC4993 بالكيلونوفا kilonova الناتجة عن الاصطدام – وهي انفجار هائل يقذف بقايا المواد المشعة في الفضاء بسرعاتٍ كبيرة متسبباً في عرضٍ ضوئيٍّ مميز.

ما تبدو عليه الصور العشر عندما نزيل منها صور فونج. حقوق الصورة: Wen-fai Fong et al, Hubble Space Telescope/NASA
ما تبدو عليه الصور العشر عندما نزيل منها صور فونج. حقوق الصورة: Wen-fai Fong et al, Hubble Space Telescope/NASA


بعد بضعة أسابيع، مرت NGC4993 بالقرب من الشمس، وبعدها لم تظهر مرة أخرى إلا بعد مرور 100 يوم تقريباً من ظهور المؤشر الأول على حدوث التصادم. عندها، تلاشت الكيلونوفا ما تلاه ظهور الشفق الناتج عن عملية اندماج النجمين النيوترونيين، وهو وهج أخفت ولكن يدوم لوقت أطول. ما بين ديسمبر/كانون الأول 2017 وديسمبر/كانون الأول 2018، رصد علماء الفلك باستخدام هابل ذلك الشفق عشر مرات حتى تلاشى هو الآخر. وتلك الصورة الأخيرة، رغم عدم احتوائها أي شفق مرئي أو مؤشرات أخرى على التصادم، فقد تعد الأكثر أهمية بين الصور على الإطلاق.


ذكرت وين فاي فونج Wen-fai Fong، عالمة الفلك في جامعة نورث وسترن والتي قادت عملية التصوير الأخيرة: "تمكننا من الحصول على صورة دقيقة، ما ساعدنا في تكوين سلسلة زمنية دقيقة بالعودة إلى الصور السابقة. تتكون هذه السلسلة الزمنية من 10 صور واضحة لمراحل تطور الشفق. مكّنت الصورة الأخيرة في السلسلة والتي توضح تلك النقطة بدون الشفق، مكّنت العلماء من العودة إلى الصور السابقة وإزالة الضوء الصادر عن جميع النجوم المحيطة. وبإزالة ذلك الضوء تكون للباحثين صورًا لا مثيل لها ومفصلةً للغاية لشكل وتطور الشفق بمرور الوقت".


وتابعت فونغ لموقع Live Science: "إن الصورة لا تشبه على الإطلاق أي شيء نستطيع رؤيته بأعيننا في السماء ليلاً. عندما يندمج نجمان نيوترونيان، فإنهما يشكلان جسماً أثقل: نجماً نيوترونياً عملاقاً أو ثقباً أسود خفيفاً. فيدوران بسرعة هائلة ويقذفان المواد بامتداد القطبين".


وذكرت أن المادة المقذوفة تنطلق بسرعة هائلة في عمودين، أحدهما صادر عن القطب الجنوبي والآخر عن الشمالي. وخلال ابتعادها عن موقع التصادم، فإنها تصطدم بالغبار الكوني والحطام النجمي، ناقلةً إليه جزءاً من طاقتها الحركية فيتوهج، وأضافت فونغ أن الطاقة الناتجة مكثفة لدرجة أنه إذا حدث هذا في نظامنا الشمسي، فإنها ستحجب ضوء شمسنا".


كان الكثير من ذلك معروفاً بالفعل من خلال الدراسات النظرية السابقة ورصد ذلك الشفق، ولكن تكمن الأهمية الحقيقية في إنجاز فونغ للفلكيين كشفه عن السياق الذي حدث فيه التصادم الأصلي.


يقول جوزيف ليمان Joseph Lyman، عالم الفلك في جامعة واريك في إنجلترا والذي قاد دراسة سابقة عن ذلك الشفق: "إن هذا لإنجاز رائع، فهو يثبت ما اعتقدناه من سابق رصدنا باستخدام تلسكوب هابل. فالتصادم لم يحدث داخل عنقود مغلق".


وتابع ليمان، الذي لم يساهم في هذا العمل، في لقاء له مع لايف ساينس: "العناقيد المغلقة هي مناطق متخمة بالنجوم. النجوم النيوترونية نادرة، فما بالك بثنائيات النجوم النيوترونية، وهي أزواج من النجوم النيوترونية التي تدور حول بعضها. سابقاً… افترض العلماء أنه من المرجَّح أن يحدث اندماج ثنائيات النجوم النيوترونية في مناطقَ من الفضاء حيث توجد النجوم بالقرب من بعضها في هيئة عناقيد وتتنقل بصورة عشوائية"


وبتحليل البيانات السابقة من هابل، فقد أوضح ليمان وزملاؤه أن ذلك الافتراض ربما يكون خطأ. ولم تظهر أي عناقيد مغلقة في صور فونغ، ما يؤكد افتراضات ليمان، على الأقل في هذه الحالة، وبالتالي فإن تصادم النجوم النيترونية لا يحتاج لعناقيد كثيفة من النجوم ليحدث.


وتقول فونغ: "إن أحد الأسباب الرئيسة التي تدفعنا لدراسة هذا الشفق هو احتمالية مساعدته لنا لنفهم نبضات أشعة جاما، وهي انفجارات قصيرة غامضة لأشعة جاما يرصدها علماء الفلك أحياناً في الفضاء، حيث نعتقد أن هذه الانفجارات تنتج عن اندماج نجمين نيوترونين".


"ويكمن الفرق في هذه الحالة، إضافةً لعدم رصد موجات ثقالية تؤكد طبيعتها الناجمة عن النجوم النيوترونية، في زاويتها بالنسبة للأرض. فمن الأرض نرى بمنظور جانبي ذلك الشفق، فنرى توهج الضوء ثم خفوته مجدداً بمرور الوقت."


"لكن عند حدوث نبضات أشعة جاما القصيرة، يبدو الأمر كما لو كنت تنظر من فوهة الخرطوم".


"إحدى نوافير المواد المنطلقة تتوجه صوب الأرض، فنرى في البداية ضوءاً ينبعث من الجزيئات الأسرع، والتي تتحرك بسرعه تقترب من سرعة الضوء، في شكل ومضة من أشعة جاما. ثم يتلاشى الضوء تدريجياً بوصول الجزيئات الأبطأ إلى الأرض حيث تصبح مرئية (مهما يكن، فنحن لم نتمكن حتى الآن من ربط نبضة من أشعة جاما بموجة ثقالية).
الورقة البحثية الجديدة، والتي ستُنشَر في مجلة Astrophysical Journal Letters، لا تؤكد صحة هذه النظرية، ولكنها تطرح للباحثين المزيد من المعطيات لدراسة الشفق الناتج عن اندماج النجوم النيوترونية، أكثر مما كان لديهم في أي وقت مضى.


يقول ليمان: "يعد هذا إعلاناً جيداً يشير لأهمية هابل في فهم هذه الأنظمة الخافتة، ويعطي أيضاً مؤشرات إلى الإمكانيات التي سيتيحها لنا تلسكوب جيمس ويب the James Webb Space Telescope، خليفة هابل العظيم الذي من المقرر إطلاقه في عام 2021".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • كيلونوفا (kilonova): حدث فلكي يحدث عندما يندمج نجمان نيوترون أو نجم نيوتروني وثقب أسود في نظام ثنائي. وسمي كيلونوفا لأنه كمية الضوء والسطوع الناتجة عنه تفوق سطوع السوبرنوفا ب 1000 مرة لانه كلمة kilo تعني ألف

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات