الآلات تعلم علماء الفلك عن النجوم

يُجنِّد علماء الفلك مساعدة الآلات من أجل فرز آلاف النجوم الموجودة في مجرتنا، ومعرفة أحجامها وتركيبها والصفات الأساسية الأخرى.

البحث هو جزء من المجال النامي "تعليم الآلة (machine learning)"، وفيه تتعلم الحواسب بالاعتماد على مجموعة كبيرة من البيانات، وتُوجد الأنماط التي قد لا يراها البشر. تعليم الآلة موجود في كل شيء انطلاقاً من خدمات وسائل الإعلام التي تتنبأ بما تُريد مشاهدته، ووصولاً إلى مكتب البريد حيث تقوم الحواسب بقراءة العناوين المكتوبة بخط اليد وتقوم بإرسال الرسائل إلى الرموز البريدية الصحيحة.

الآن، يُحول علماء الفلك نظرهم نحو الآلات للحصول على مساعدتها في تحديد الخواص الرئيسية لصور المسح السماوي. يتطلب هذا النوع من التفاصيل في العادة وجود طيف،( وهو عبارة عن عملية تصفية مفصلة للضوء النجمي عند أطوال مَوجيَّة مختلفة). لكن وبوجود تعليم الآلة، سيكون باستطاعة الخوارزميات الحاسوبية التنقل بين أكوام الصور المتاحة وتحديد أنماط تكشف خواص النجوم. من الممكن أن تقوم هذه التقنية بجمع معلومات عن مليارات النجوم خلال وقت قصير نسبياً وبتكلفة أقل.

يقول أدام ميلر (Adam Miller) من مختبر الدفع النفاث والمؤلف الرئيسي للتقرير الخاص بالنتائج، والمنشور في مجلة Astrophysical Journal: "الأمر مشابه لخدمة مشاهدة الفيديوهات ولا يتعلق الشبه بالتنبؤ بما تريد مشاهدته في المستقبل فقط، وإنما بالحالة الراهنة، وذلك بالاعتماد على ما فضلته من مشاهدات. نحن نتنبأ بالخواص الأساسية للنجوم". عرض ميلر النتائج في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلم الفلك في سياتل.

تم تطبيق تعليم الآلة في مجال علم الكون سابقاً، ولكن ما يجعل من الجهد الأخير فريداً هو كونه الأول الذي يقوم بالتنبؤ بخواص محددة للنجوم -كحجمها والمحتوى المعدني- باستخدام صور النجوم التي التُقطت في فترات زمنية مختلفة. هذه الخواص أساسية للتعلم المزيد حول لحظة ولادة النجوم وكيف تتغير هذه النجوم مع مرور الزمن.

يقول ميلر: "بوجود معلومات أكثر عن الأنواع المختلفة للنجوم الموجودة في مجرتنا درب التبانة، يُمكننا وضع خريطة أفضل لبنية المجرة وتاريخها".

تقوم تلسكوبات من كافة أنحاء العالم في كل ليلة باستخلاص آلاف الصور للسماء. ومن المتوقع أن يزداد فيضان البيانات الجديدة، خصوصاً مع قدوم عمليات المساحة التالية مثل التلسكوب الاستقصائي الكبير (LSST)، وهو تلسكوب ستقوم ببنائه مؤسسة العلوم الوطنية ووزارة الطاقة في تشيلي. سيقوم ذلك المسح بتصوير كامل السماء المرئية كل بضع ليالي، ليجمع بيانات خاصة بمليارات النجوم ويدرس كيفية تغير لمعان بعض تلك النجوم مع مرور الزمن. قامت أيضاً مهمة كبلر الفضائية التابعة لناسا، بالتقاط نوع ما من البيانات التي تُوضح التغير الحاصل مع مرور الوقت لمئات آلاف النجوم.

لا يُمكن للبشر وحدهم أن يميزوا بين كل هذه البيانات؛ وفي هذه الحالة، يُمكن للحواسيب والآلات استخدام خوارزميات خاصة للمساعدة بالأمر.

لكن قبل أن تستطيع الآلات التعلم، تحتاج في البداية إلى "فترة تدريب". حيث بدأ (ميلر) وزملاؤه مع 9000 نجم كمجموعة من أجل التدريب، وقاموا بعد ذلك باستخلاص أطياف تلك النجوم، مما كشف عن بضعة خواص أساسية لها: أحجامها، ودرجات حرارتها وكمية العناصر الثقيلة الموجودة فيها (مثل الحديد). تم أيضاً تسجيل اللمعان المتغير للنجوم من قبل المسح السماوي الرقمي سلوان (Sloan)، مما أنتج رسوم تُعرف بالمنحنيات الضوئية؛ ويُمكن للحاسوب بعد تزويده بمجموعة البيانات تلك، أن يكتشف الصلات الموجودة بين خواص النجوم ومنحنيات الضوء.

حالما انتهى طور التدريب، كان الحاسب قادراً على صنع التنبؤات الخاصة بالنجوم الأخرى بنفسه، وذلك عبر تحليله لمنحنياتها الضوئية فقط.

يضيف ميلر: "نستطيع اكتشاف وتصنيف الأنواع الجديدة من النجوم دون الحاجة إلى الأطياف، التي تُعتبر مكلفة وتحتاج إلى وقت من أجل الحصول عليها".

تعمل هذه الطريقة بشكلٍ مشابه لعمل مرشحات البريد الالكتروني غير المرغوب به؛ فمرشحات البيانات غير المرغوب بها مبرمجة من أجل تحديد الكلمات الأساسية المرافقة للبريد غير المرغوب فيه، وبعد ذلك يتم إزالة البريد الذي يحتوي على تلك الكلمات. ومع مرور الوقت، يستمر المستخدم بـ "تعليم" برنامج الترشيح المزيد من الكلمات المفتاحية، ويُصبح البرنامج أفضل من ناحية ترشيح البريد غير المرغوب فيه. يُصبح برنامج تعليم الآلة، المستخدم من قبل (ميلر) والمتعاونين معه، أفضل في التنبؤ بخواص النجوم عبر تدريبه بشكلٍ إضافي من قبل علماء الفلك.

وأخيرا، يقول ميلر: "إنه وقت مثير تُطبق فيه خوارزميات متطورة في علم الفلك. يسمح لنا تعليم الآلة بالتنقيب عن الجواهر المختفية والنادرة داخل مجموعة البيانات التي يبدأ علماء الفلك حالياً بالتقاطها".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • تعليم الآلة (machine learning): تعلم الآلة هو أحد أنواع الذكاء الاصطناعي، يمكّن التطبيقات البرمجية من التنبؤ بنتائج أكثر دقة دون برمجتها بشكل صريح. ويتم ذلك عن طريق بناء خوارزميات تتلقى بيانات الإدخال وتستخدم التحليل الإحصائي للتنبؤ بقيمة المخرجات ضمن نطاق مقبول.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات