يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
قياس التسارع بواسطة الضوء

لم يرَ معظم الناس مقياسا للتسارع -وهو جهاز لقياس التغيّر في السرعة- كما أنهم ليسوا على دراية بالمكان الذي يمكنهم فيه مشاهدته.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ مقاييس التسارع أضحت جزءاً هاماً من الحياة المعاصرة، ابتداءً من التحكّم بالأكياس الهوائيّة في المركبات إلى رصد الزلازل الأرضيّة والملاحة بالقصور الذاتي في رحلات الفضاء والطيران والمركبات ذاتية التحكم وانتهاءً بالحفاظ على الاستدارة الصحيحة للصورة على شاشات أجهزتنا اللوحيّة والخلويّة، وذلك بين العديد من الاستخدامات الأخرى. ولا تعد زيادة الطلب على معدات عالية الدقّة ومنخفضة التكلفة ويمكن وضعها في مساحات أصغر مما سبق أمراً مفاجئاً.

ولهذه الأسباب يقوم الباحثون في المعهد القوميّ للمعايير والتكنولوجيا (National Institute of Standards and Technology (NIST بتطوير واختبار مقياس ميكانيكي ضوئي (optomechanical) جديد لقياس التسارع مصنوع من السيليكون وبسماكة لا تتجاوز ميليمتراً واحداً.


الكاشف
الكاشف

 

وهو مصمم لإنجاز قياسات مباشرة لا تتجاوز نسبة الخطأ فيها جزءاً من الألف بقيم يمكن الحصول عليها في النظام الدولي للواحدات (SI). "فجودته تضاهي أيّ جهاز لقياس التسارع في أي مختبر من العالم" وفقاً لما للعالم توماس لوبيرن Thomas LeBurn من مختبر القياسات الفيزيائيّة في المعهد القوميّ للمعايير والتكنولوجيا.

وتعمل مقاييس التسارع عادة بقياس التغيّر في موضع "كتلة شاهدة proof mass" حرة الحركة، عادةً ما تكون كتلة صلبة، وذلك نسبةً إلى نقطة مرجعيّة ثابتة داخل الجهاز. فإذا كانت المنظومة في حالة سكون أو متحركة بسرعة ثابتة، لن تتغيّر المسافة بين الكتلة الشاهدة والنقطة المرجعية. وبالمقارنة ذاتها نجد أنّ المسافة بين لوحة القيادة (تابلو السيّارة) ومقعد مسافر أماميّ لن تتغيّر إن كنّا نقود السيّارة بسرعة ثابتة ك 60كم/ساعة.

ولكن إذا ما زادت سرعة المقياس أو تناقصت فإنّ المسافة الفاصلة بين الكتلة الشاهدة والنقطة المرجعية ستتزايد أو تتناقص. وهذا ما يحصل تماماً عندما يضغط السائق على الفرامل فجأة فيندفع الراكب الأماميّ باتجاه لوحة القيادة مما يتسبّب بضغط على حزام الأمان.

تحوّل مقاييس التسارع ذلك النوع من الإزاحة إلى إشارة من نوع معين قابلة للقياس. وعلى سبيل المثال، قد تضغط حركة الكتلة الشاهدة على مادّة كهرضغطيّة (piezoelectric)، لتولد تياراً، أو قد تتسبّب بتمدّد صفيحة عازلة فتزداد مقاومتها للكهرباء. وقد تقلّصت الأجهزة الآن إلى حجم يمكن تصنيعها عنده باستخدام تقنيات شائعة لصنع أجهزة كهروميكانيكيّة دقيقة (نظام الأجهزة الإلكترونيّة والميكانيكيّة الدقيقة – MEMS) وأجهزة إلكترونيّة دقيقة.

يوظّف جهاز المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) شعاعاً ليزريّاً يعمل بالأشعّة تحت الحمراء لقياس تغير المسافة بين سطحين متقابلين يعكسان الضوء بشكل كبير ومفصولان بفراغ صغير جدّاً في المركز. (شاهد الصورة المتحرّكة). وتكون الكتلة الشاهدة على أحد الطرفين، وهي قطعة مربّعة من السيليكون مطليّة بسطح عاكس على وجهها الداخليّ ومثبّتة ضمن الفجوة بواسطة أربطة دقيقة ومرنة على الحواف العلويّة والسفليّة وتعمل كنوابض ممّا يسمح للكتلة بالحركة النسبية نحو محيطها عندما يعاني الجهاز تسارعاً.

ويتوضّع على الطرف المقابل من الفراغ مرآة مقعّرة نصف كرويّة تواجه الكتلة الشاهدة من الداخل. ويُشكّل هذا الترتيب من التقابل بين المرآة والسطح العاكس ما يُسمّى بتجويف فابري باروت (Fabry-Perot cavity).

في البداية ينعكس كامل الإشعاع تقريباً حين إرساله داخل التجويف–ما عدا طول موجي واحد تحديداً وهو الطول المناسب تماماً الذي ينعكس جيئة وذهاباً بين السطحين العاكسين ويصل إلى حالة الطنين، فيُشكّل عندئذ موجة ثابتة تتزايد شدتها بمقدار ألف ضعف وبالتالي يمر ما يكفي من الضوء في التجويف بحيث يمكن اكتشافه. ويتحدّد طول الموجة المتجاوبة بطول المسافة بين المرآتين، ويشبه ذلك كثيراً اعتماد العلامة الموسيقية للترومبون ( آلة المترددة الموسيقية) على مقدار توسيع مدى حركة المزلقة أو تضييقها.

ويقول لوبيرن: "يقدم النظام البصري حساسية أفضل وارتياباً أقلّ، إذ أننا وإضافة إلى أسباب أخرى، نستطيع قياس طول الموجة الضوئيّة والتحكم بها بدقّة عالية جدّاً".

وقد جُرّبت الأجهزة الميكانيكية الكهربائية الدقيقة المصنعة على أساس تشكيلات فابري باروت من قبل في مقاييس التسارع، وعادةً بمرآتين مركّبتين على سطحين مستويين متوازيين ومتقابلين. ويضيف لوبيرن :"يشكّل ذلك تحدياً. فمن الصعوبة بمكان تصنيع ذلك التصميم بدقّة متناهية. فإن لم تركز إحدى المرآتين الضوء ضمن التجويف، سنفقد الضوء بسرعة أكبر مما سيقلّل من نسبة الدقّة.

وفي تصميمنا، تُبقي المرايا عالية الجودة الضوء ضمن التجويف، بينما تكون الكتلة الشاهدة مثبتة بأربطة مرنة عرضها خُمس شعرة الإنسان مصممةً لتقوم بعمل نابض مثاليّ. فيزيد ذلك من الثبات ويُزيل أيّة حركات اهتزازيّة محتملة، ما يسمح بقياسات عالية الحساسية".

وتُصنع جميع مكوّنات المقياس من السيليكون ما عدا الطبقات العاكسة والأربطة المثبتة للكتلة الشاهدة فهي مصنّعة من نتريد السيليكون ، وهو يمتاز بالعديد من المزايا. أحدها هي جاهزية التقنيات الموثوقة الدائمة لمعالجة السيلكون وتشكيله لدرجات تحمّل عالية وفي أبعاد صغيرة.

وذلك أمر هام بالنسبة لتصميم NIST، إذ يبلغ طول المرآة المقعّرة المثبتة حوالي 300 ميكرومترً وعرضها 500 ميكرومتر ولا تتغير نعومة سطحها بمقدار يفوق النانومتر الواحد. (صُنعت المقاييس التي استخدمها لوبيرن وزملاءه أثناء تجاربهم في مركز العلوم والتقنيات النانويّة في NIST) أضف إلى ذلك أنّ السيليكون يوفر استقرارا حراريا جيدا كما أنّه شفّاف بالنسبة للأشعّة تحت الحمراء.

يوضع مصدر الإشعاع الليزريّ خلف الكتلة الشاهدة على أحد طرفيّ الجهاز، وعلى الطرف الآخر خلف المرآة المقعّرة مستشعر الضوء (الكاشف). والإشعاع الليزري انضباطي كما أنّ له القدرة على إنتاج مجال من الأطوال الموجية تحت الحمراء. وعندما تتغيّر المسافة بين الكتلة الشاهدة والمرآة المقعّرة أثناء التسارع تتعقّب الموجة الليزريّة موجة الفجوة المتجاوبة، فيعطي الليزر نتيجة لذلك قراءة مباشرة وسريعة لحركة الكتلة الشاهدة.


وعلى القياسات أن تكون دقيقة للغاية، إذ يقول العالم العامل في المشروع جايسون غورمان (Jason Gorman): "قد يمنع تغير طول التجويف بمقدار أقل من 1 نانومتر حدوث الطنين البصريّ".

ولأن المستشعر يعمل بإشعاع ليزريّ ذي طول موجيّ مميّز فيمكن له أن يكون ذاتيّ المعايرة. وعلى الكلفة النهائيّة للوحدة أن تكون منخفضة، إذ أنّ كلّاً من المكوّنات وطرق التصنيع لها الحجم نفسه لتلك المستخدمة في تصنيع الإلكترونيّات الدقيقة والأجهزة الإلكترونية الميكانيكية الدقيقة أيضاً. ولكن قبل ذلك، على علماء NIST التغلب على العديد من العقبات.

ويقول غورمان:" أحدها مجال زمن القياس المطلوب. فحين تتغير أبعاد الفجوة، لن يكون امام الليزر الانضباطي أكثر من 100 ميكروثانية لمسح الطول الموجي على نطاق واسع لذا يتعقّب حركة التجويف. كما يعد العثور على ليزر بهذه الإمكانيات وقليل التكلفة تحدٍّ آخر. كما هو الحال بالنسبة لصنع ألياف اتصال ضوئيّة متينة لجهاز يهتزّ بسرعة 1000 دورة/ثانية –وأحياناً قد تكون السرعة أكثر من ذلك بعشر مرّات".

ويُضيف جون كريمر John Kramar، وهو رئيس مجموعة علم القياس في المجالات النانوية: "نتوقّع أن ينتج عن تقنية الفجوة الدقيقة هذه صنعُ مقاييسَ تسارع قابلة للنشر في مواقع ميدانيّة مختلفة، وبدقة ذاتية قد تكون أفضل بعشر مرات من الممكنة حالياً. ولكنّ الأكثر إثارة من ذلك كلّه، هو النطاق الواسع للأنواع الأخرى من الحساسات والتطبيقات التي يمكن لهذه التقنية أن تطوّرها بشكل كبير، بما في ذلك مقاييس الأمواج فوق الصوتيّة والميكروفونات ومقاييس الارتفاع والضغط والجيروسكوبات والاستكشافات الجيوفيزيائيّة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • البيزوكهربائية (أو الكهرضغطية) (piezoelectric): خاصيّة لبعض المواد (وخصوصاً البلورات) بحيث ينشأ فيها فرق في الكمون الكهربائي استجابةً لتطبيق جهد ميكانيكي، وبالعكس أيضاً عند تعرض تلك المواد لجهد كهربائي يتولّد فيها إجهاد ميكانيكي (أي تقصر وتطول).

اترك تعليقاً () تعليقات