تصوير العازفين للعواطف يؤثر على التشابكات العصبية المسؤولة عن الإبداع في الدماغ

تدلل الدراسات التي تجرى على عازفي بيانو الجاز، أن التأليف الفوري للنغمات الموسيقية 'السعيدة' و'الحزينة' يثير أنماطاً عصبية مختلفة.

أظهرت دراسة جديدة اعتمدت على التصوير الدماغي لعدد من عازفي بيانو الجاز، أن نمط عمل الدوائر العصبية المتعلقة بالإبداع يتغير جلياً عندما يحاول الفنان نقل عاطفة معينة بشكل فوري.

خلال العقد الماضي، أجريت العديد من الدراسات القائمة على التصوير العصبي بهدف تحديد مكونات الدوائر العصبية التي تهيمن في المجالات الإبداعية المختلفة، لكن هذا البحث يقترح أن الحالة الإبداعية لا يمكن تفسيرها كلياً من خلال تشيط أو تثبيط تشابكات عصبية محددة بين المناطق الدماغية. يضيف الباحثون أنه عندما تقترن الأفعال الإبداعية بنقل عاطفة معينة، فإن طبيعة تلك العواطف تؤثر بقوة على طبيعة التشابكات العصبية الدماغية التي يتم تنشيطها ودرجتها.

يقول الطبيب تشارلز ليمب Charles Limb وهو عازف موسيقى الجاز وطبيب وباحث في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو University of California San Francisco واختصارًا UCSF أن الحالة الوجدانية أمر جوهري ومهم.
ويضيف قائلاً: "ليست المسألة مسألة حالة ازدواجية فحسب؛ بحيث يكون الإنسان مبدعاً في حالة ما وغير مبدع في حالة أخرى، وإنما هناك درجات أكثر أو أقل من الحالة الإبداعية، وبمجالات مختلفة. كما أن العواطف تؤثر بشكل أساسي في هذه الاختلافات".


أجري القسم الأكبر من هذا البحث، والذي نشر في كانون الثاني/يناير في العدد الرابع من مجلة Scietific Reports، في مختبر الطبيب ليمب في جامعة جون هوبكينز للطب John Hopkins School of Medicine قبل انتقاله لجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو في العام 2015م. يتخصص ليمب الآن أثناء مزاولته للجراحة في زراعة القوقعة لاستعادة حاسة السمع، كما يجدر بالذكر أن ليمب حاصل على درجة أستاذية فرانسيس إيه سوي Francis A.Sooy Proffessor من طب الأنف والأذن والحنجرة في جامعة كاليفورنيا، في سان فرانسيسكو.

تثبيط سلوكي التخطيط والمراقبة


في دراسة سابقة قام بها الطبيب ليمب وآخرون باستخدام تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي Functional Magnetic Resonance Imaging-fMRI بهدف دراسة أثر الارتجال في التأليف الموسيقي والراب الحر والرسم الكاريكاتوري -وهي أعمال إبداعية تتجلى سريعاً وآنياً ولذلك تكون أكثر قابلية للدراسة المخبرية مقارنة بتأليف سيمفونية أو كتابة رواية- في تثبيط منطقة من الدماغ تعرف بالقشرة أمام الجبهية الظهرية الجانبية dorsolateral perfrontal cortex واختصارًا DLPFC والمسؤولة عن عمليات التخطيط والسلوكات التحذيرية. يعد التثبيط في منطقة DLPFC بمثابة البصمة العصبية للدخول في ما يسمى مرحلة الاندماج والاستغراق flow state التي قد يعايشها الفنان ليحرر إيقاعات إبداعية.

في دراسة حديثة قادتها الكاتبة الأولى مليندا ماكفيرسون Melinda McPherson أثبت الباحثون أن تثبيط منطقة DLPFC يكون أكبر لدى موسيقيي الجاز الذين استخدموا لوحة مفاتيح صغيرة أثناء خضوعهم للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وقيامهم بعزف ألحان مرتجلة بهدف نقل العواطف الممثلة بصورة "إيجابية" ( صورة فوتوغرافية لامرأة مبتسمة) عنه في محاولتهم نقل العواطف الممثلة بصورة "سلبية" (صورة فوتوغرافية لامرأة حزينة).

من ناحية أخرى، فإن الارتجالات التي هدفت لنقل العواطف في الصورة السلبية ارتبطت بتنشيط تلك المناطق في الدماغ المسؤولة عن المكافأة والتي تعزز السلوكات التي تقود لنتائج مرضية، وزيادة الترابط مع مناطق DLPFC.

تقول ماكفيرسون: "يزيد تثبيط مناطق DLPFC أثناء الارتجالات السعيدة مما يشير إلى أن الفرد قد يعتاد أداء الأعمال الروتينية وقد ينغمس في أداء مهمة ما، بينما أثناء الارتجالات الحزينة يتم تطويع مناطق الدماغ المرتبطة بالمكافأة. مدللة على وجود آليات مختلفة مما يفسر لماذا يكون تأليف الألحان السعيدة مرضياً أكثر من الحزينة"، ماكفيرسون هي عازفة كمان كلاسيكية وطالبة في برنامج الدراسات العليا لعلوم وتقنيات السمع والنطق والذي يعقد بالتعاون بين جامعة هارفارد ومعهد ماساشوستس للتقنية Harvard-MIT Program in Speech and Hearing Bioscience and Technology.

يقول الطبيب ليمب: "إن فكرة دراسة الإبداع المعقد لدى الفنانين والموسيقيين من وجهة نظر علم الأعصاب إنما هي فكرة مغامرة وجريئة ولكنها تأتينا بنتائج مشجعة" ويضيف قائلاً "لا يعني ذلك أننا سنجد الإجابات عن كل الأسئلة، ولكن من حقنا طرح تلك الأسئلة ومن حقنا تصميم التجارب لإلقاء المزيد من الضوء على هذه العمليات البشرية المذهلة".

تم تمويل هذا البحث بوساطة مؤسسة دانا ومعهد علوم الدماغ التابع لجامعة جون هوبكينز للطب.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات