تفاعل اللوزة مع الأنظمة الدماغية الأخرى في تحوير الذاكرة
تم الحصول على نتائج متقاربة لآثار تحوير الذاكرة في معالجات اللوزة التالية للتدريب، وذلك في تجارب تستخدم أنواعًا شتى من التدريبات. وكذلك بما أنه من المعروف أن تجارب التدريب المختلفة تقوم بإشغال مناطق مختلفة من الدماغ، فإن التحوير الذي تحفزه BLA يشتمل على تأثيرات تتعلق بالمعالجة التي تحدث في هذه المناطق من الدماغ.
هناك أدلة معتمدة تنبؤنا أن النواة الذنبية والحصين لهما علاقة بأنواع مختلفة من التدريب. في الجرذان التي خضعت لتدريب متاهة الماء water-maze training، نجد أن الأمفيتامين الذي حُقن في النواة الذنبية بعد التدريب قد حسَّن من التدريب المعتمد على الأدلة البصرية بشكل انتقائي، ولكن حقن الأمفيتامين في الحصين الظهراني dorsal hippocampus قد حسَّن من الذاكرة المتعلقة بالتدريب المكاني spatial training بشكل انتقائي. وعلى العكس من ذلك، فإن الأمفيتامين المحقون في اللوزة بعد التدريب يحسن من الذاكرة المتعلقة بنوعي التدريب آنفي الذكر. من الجدير بالذكر أن تعطيل اللوزة قبل اختبار تثبيت الذاكرة لم يعطل الذاكرة المتعلقة بأي من نوعي التدريب آنفي الذكر. وبالتالي يمكن القول أن اللوزة ليست موضعًا للذاكرة المحسنة لأي من نوعي التدريب المذكورين.
كذلك، فإن التحفيز النورأدريني للوزة الوحشية القاعدية (BLA)، والتي تحسن من توطيد الذاكرة، يؤدي إلى زيادة مستويات بروتين الهيكل الخلوي الخاضع للنشاط (Arc protein) في الحصين الظهراني، وهو أحد الجينات الفورية المبكرة Immediate early gene والذي له علاقة في اللدونة[1] plasticity التشابكية في الحصين، وبعمليات توطيد الذاكرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعطيل الـ BLA يعطِّل توطيد الذاكرة ويقلل من مستويات بروتين Arc في الحصين الظهراني. وأيضًا، فإن عمليات حقن الميوسيمول[2] muscimol داخل الـ BLA يضعف من زيادة mRNA الخاص بـ Arc، والذي يتم تحفيزه في العادة في الإشراط السياقي للخوف contextual fear conditioning، وهي مهمة معروفة بأنها تشتمل على اللوزة.
تقوم صدمة قدمية [3] واحدة من النوع الذي يُستخدم في هذا النوع من التدريبات بإحداث زيادة ثابتة في معدل القدح firing rate في الخلايا الموجودة في الـ BLA، والذي يمكن أن يساهم في تحوير عملية معالجة الذاكرة في المناطق التي ترد إليها الأعصاب من الـ BLA، وهي تشمل الحصين ومناطق أخرى. يقوم التدريب الذي يشتمل على اللوزة بتحفيز عملية التعبير expression للعديد من الجينات التي تنظمها عملية النسخ، والتي لها علاقة باللدونة التشابكية في العديد من مناطق الدماغ، وذلك يتضمن الحصين والنواة الذنبية والقشرة، وكذلك اللوزة.
تقوم عمليات حقن العقارات التالية للتدريب في مختلف المناطق في قشرة المخ بتحوير عملية توطيد الذاكرة، وذلك لعدة أنواع من التدريب، وكذلك فإن الآفات الحاصلة في BLA تمنع عملية تحسين الذاكرة والتي يحفزها حقنُ 8-bromo-cAMP في القشرة الشمية الداخلية entorhinal cortex بعد التدريب. كما تقوم عملية حصر مستقبلات الأدرينية البيتاوية في BLA بمنع الآثار المحسِّنة للذاكرة للأدوية المحقونة في القشرة الجزيرية insular cortex والقشرة الحزامية الأمامية. وكذلك تتفاعل الـ BLA بشكل مباشر مع القشرة أمام الجبهية الإنسية في تحوير عملية توطيد الذاكرة.
تؤثر الـ BLA كذلك في وظيفة القشرة المتعلقة بالذاكرة، وذلك عن طريق الأعصاب الصادرة منها إلى النواة القاعدية، والتي تزود القشرة بالتنشيط الكوليني. كما أن الآفات التي تصيب الأعصاب الكوليني الصادرة من النواة القاعدية باتجاه القشرة تقوم بحجب الآثار المحورة للذاكرة والناتجة عن عمليات حقن النورإبينفرين داخل الـ BLA والتالية للتدريب.
تعتبر الأعصاب الصادرة عن النواة القاعدية نحو القشرة مهمة في لدونة القشرة المحفزة بالتعلم. ينشط تحفيز الـ BLA القشرة المخية، وهو ما يشير إليه إزالة التزامن في مخطط كهربية الدماغ، كما يقوم تحفيز الـ BLA بتمكين تأثيرات النواة القاعدية في تنشيط القشرة. علاوة على ذلك، يقوم تعطيل النواة القاعدية بحجب آثار الـ BLA على تنشيط القشرة.
نشاط اللوزة وتحوير عملية توطيد ذاكرة الإنسان
النتائج التي حصلنا عليها من العديد من الدراسات على البشر حول آثار الاستثارة العاطفية، وهرمونات الكرب stress hormones وتنشيط اللوزة، هي نتائج متوافقة مع تلك التي حصلنا عليها من الدراسات على الحيوانات؛ فمثلًا يقوم الكورتيزول الذي يعطَى للأفراد قبل عرض كلمات أو صور عليهم بتحسين نسبة الاسترجاع لها فيما بعد. كما يقوم الأمفيتامين المعطَى لعناصر الدراسة من البشر، سواء قبل تعلمهم لقائمة من الكلمات أو بعد ذلك، بتحسين الذاكرة طويلة الأمد. كذلك فإن إعطاء البروبرانولول لعناصر الدراسة قبل رؤيتهم لشرائح عرض مثيرة للعواطف يقوم بحجب آثار الاستثارة العاطفية والكرب على الذاكرة (وهي آثار محسنة للذاكرة). علاوة على ذلك، فإن الإبينفرين، أو اختبار البرد الرافع للضغط[4] cold pressor sterss (والذي يحفز إفراز هرمونات الكرب الكظرية)، والذي يعطى للأشخاص قبل أن يروا صورًا مثيرة للعواطف، يحسن من ذاكرة هؤلاء الأشخاص.
لتنشيط اللوزة علاقة بالذاكرة المحسنة بسبب الاستثارة العاطفية. عند الأفراد المصابين بآفة في اللوزة في جانبي الدماغ، لا يتم تحسين الذاكرة الخاصة بالذكريات المثيرة للعاطفة. تعطينا الدراسات المستخدمة لتصوير الدماغ أدلة إضافية على أن أثر الاستثارة العاطفية على ذاكرة الدماغ هو أمر يشتمل على تنشيطٍ للوزة. نشاط اللوزة، والذي تم تقييمه باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET خلال مشاهدتهم لأفلام مستثيرة للعاطفة، يرتبط بشكل كبير بتذكر عناصر الدراسة للأفلام، وذلك في اختبار ذاكرة مفاجئ بعد ثلاثة أسابيع. يظهر أن درجة الاستثارة العاطفية، وليس التكافؤ العاطفي[5] valence، هو العنصر الحاسم في التأثير على الذاكرة. حصلت الدراسات التي تستخدم التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI) على نتائج مقاربة جدًا. من الجدير بالذكر، أن مناهضات المستقبلة الأدرينية البيتاوية (كالبروبرانولول) تمنع الزيادة في نشاط اللوزة، وفي الاحتفاظ المحسن بالذكريات، واللَّذين تحفزهما المنبهات العاطفية التي جرى التقاطها في الدراسات المستخدمة للتصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي.
كما تزودنا نتائج أخرى حصلنا عليها من تحليل مسوحات PET، و fMRI بدليل على أن تنشيط اللوزة يحفز معالجة الذاكرة في مناطق أخرى في الدماغ، الأمر الذي يتوافق مع نتائج الدراسات على الحيوانات. يتم تحفيز اللوزة والمناطق الحصينية/المجاورة للحصين خلال الاستثارة العاطفية، ويتوافق هذا التنشيط مع تثبيت الذاكرة الذي يتلو ذلك. هذا وتقدم النتائج المستقاة من دراسة "تحليل السبل"، والتي درست نشاط اللوزة بينما كانت شرائح ذات مضمون عاطفي تعرض على عناصر الدراسة، أن الاستثارة العاطفية تزيد من الآثار التي تؤثر بها اللوزة على نشاط التلفيف المجاور للحصين بنفس الجانب من الدماغ، وكذلك القشرة أمام الجبهية البطنية الوحشية ventrolateral prefrontal cortex.
علاقة اللوزة بتحوير استعادة الذكريات والذاكرة العاملة
تؤثر الأنظمة المعدِّلة العصبية على استعادة الذكريات والذاكرة العاملة، وكذلك تلعب الـ BLA دورًا تحويريًا هامًا في التحكم بهذه الآثار على هذه الوظائف للذاكرة، وذلك عبر الأعصاب الصادرة عنها إلى مناطق أخرى من الدماغ.
استعادة الذكريات: يضعف كلٌ من التعرض للضغط النفسي أو التعرض لأثر القشرانيات السكرية، والتي تُعطى حقنًا في الدم قبل وقت قصير من اختبار الاحتفاظ بالذكريات، عمليةَ استعادة الذكريات. بشكل مماثل، وكما شرحنا عن توطيد الذاكرة، فإن آثار القشرانيات السكرية على استعادة الذكريات تعتمد على التنشيط المتزامن للميكانيكيات النورأدرينية. كما أن مناهض المستقبلة الأدرينية البيتاوية، والذي يعطى حقنًا في الدم قبل اختبار الاحتفاظ بالذكريات، يقوم بحجب إضعاف عملية استعادة الذكريات، والتي يحفزها الحقن المزامن للقشريات السكرية. يقوم الحقن الطرفي (في الأوعية الطرفية) لمناهض الأفيون الببتيدي النالوكسون (naloxone) أو مناهض مستقبل الدوبامين D2 بحجب الأثر المُضعِف للقشري السكري المحقون بشكل مزامن على استعادة الذكريات.
وكذلك فإن ناهض مستقبل القشرانيات السكرية المعطى في منطقة الحصين قبل وقت قصير من اختبار استعادة الذكريات يضعف استعادة الذكريات. ومما يوافق هذه النتائج المتعلقة بتجارب الأدوية المحقونة طرفيًا، أن مناهض مستقبلة الأدرينية البيتاوية والمحقون في الحصين يمنع الأثر المُضعف لاستعادة الذكريات، والذي تقوم به ناهضات مستقبل القشرانيات السكرية، والتي يتم حقنها بشكل مزامن. ويقوم النورإبينفرين المحقون في BLA بإضعاف استعادة الذكريات. علاوة على ذلك، فإن الـ BLA معروفة بتفاعلها مع الحصين في التواسط في تحقيق آثار القشرانيات السكرية على استعادة الذاكرة. كذلك فإن الآفات الحاصلة في الـ BLA، أو حقن مناهضات المستقبلة الأدرينية البيتاوية في الـBLA يحجب الأثر المضعف لعملية استعادة الذاكرة، والذي يمارسه ناهض مستقبل القشرانيات السكرية والمحقون في الحصين.
تتوافق نتائج الدراسات التي تفحص آثار هرمون الكرب على استعادة الذاكرة في البشر، مع النتائج التي حصلنا عليها من التجارب على الحيوانات، كما أنها تشير إلى أن القشرانيات السكرية تقوم بإضعاف عملية استعادة الذاكرة عن طريق التفاعل مع الميكانيكيات النورأدرينية. يقوم مستوى الكورتيزول عند الكرب، أو الكورتيزون الذي يعطى لعناصر الدراسة من البشر بإضعاف الاستعادة الآجلة، وليس الفورية، للمهام المعتمدة على الأحداث، ويقوم مناهض المستقبلة الأدرينية البيتاوية (البروبرانولول) بحجب هذا الإضعاف لاستعادة الذاكرة. تشير النتائج الحديثة من دراسة H215O-PET إلى أن آثار القشرانيات السكرية على استعادة الذاكرة في العناصر البشريين يتم عن طريق التواسط، ولو بشكل جزئي، من قبل الأنشطة الحاصلة في الحصين. كما تشير نتائج أخرى لدراسات تصويرية أجريت على البشر إلى أن اللوزة والحصين يتفاعلان خلال استعادة المعلومات المثيرة للعواطف.
الذاكرة العاملة: يؤثر التعرض للكرب (stress) سلبًا على الذاكرة العاملة المعتمدة على القشرية أمام الجبهية الإنسية، فيقوم بإضعافها، والذاكرة العاملة هذه هي عملية ديناميكية يتم فيها تحديث المعلومات بشكل مستمر. وكذلك، وكما يحدث في الكرب، فإن إعطاء القشرانيات السكرية يضعف الذاكرة العاملة عند الجرذان والبشر على حد سواء. تقوم القشرانيات السكرية بالتفاعل مع الميكانيكيات النورأدرينية في القشرة أمام الجبهية الإنسية، محفزةً إضعاف الذاكرة العاملة. كما يحجب إعطاء مناهض المستقبلة الأدرينية البيتاوية، سواء أكان ذلك حقنًا في الدم أو في القشرة أمام الجبهية الإنسية، آثارَ القشرانيات السكرية على الذاكرة العاملة. وفوق ذلك، فإن القشرانيات السكرية تزيد من إفراز النورإبينفرين في القشرة أمام الجبهية الإنسية. كما تُضعِف المستويات الزائدة من النورإبينفرين في القشرة أمام الجبهية الإنسية الذاكرةَ العاملة، ويتواسط تنشيط كل من المستقبلة الأدرينية البيتاوية والمستقبلة الأدرينية من نوع ألفا 1 في تحقيق آثار النورإبينفرين. وبخلاف ذلك، فإن تنشيط المستقبلة الأدرينية ألفا 2 يحين من الذاكرة العاملة. وكذلك تؤثر ناهضة المستقبلة الدوبامينية D1 على أداء الذاكرة العاملة، وذلك بعد تحقيق علاقة بين الجرعة والاستجابة ذات منحنى يشبه حرف U مقلوبًا؛ حيث يظهر أن التحفيز الكثير جدًا أو القليل جدًا لمستقبلات D1 يضعف الذاكرة العاملة في الفئران والجرذان والقرود.
كما يعتمد إضعاف الذاكرة العاملة، والذي تحفزه القشريات السكرية، على التفاعلات بين القشرة أمام الجبهية الإنسية والـ BLA. لا يظهر أن الـ BLA نفسها تلعب دورًا مهمًا في الذاكرة العاملة، ولكن الآفات الحاصلة في الـ BLA تحجب الإضعاف الذي يحفزه إما حقن الكورتيكوستيرون في الدم، أو حقن ناهضات مستقبلة القشريات السكرية في القشرة أمام الجبهية الإنسية.
ملخص
تزودنا الأدلة التي راجعناها في الأعلى بأدلة كثيرة على أن تنشيط الأنظمة المعدلة العصبية، والذي تحفزه الاستثارة العاطفية، يقوم بتحوير توطيد الذاكرة، واستعادة الذاكرة، والذاكرة العاملة، وذلك عبر التنشيط النورأدريني للـ BLA والأعصاب الصادرة عنها لمناطق أخرى من الدماغ مسؤولة عن معالجة الذاكرة.