منظر لفوهة كلافيوس على القمر. حقوق الصورة: NASA/USGS
يقول جون جرانت John Grant، المحاضر في علوم التربة بجامعة ساوثرن كروس:
لقد شهدنا مؤخرًا، إلى جانب تقدمات في استكشاف الفضاء، استثمار الكثير من الوقت والمال في التكنولوجيات التي يمكن أن تسمح باستخدام الموارد الفضائية بشكل فعال، وقد كان التركيز الشديد على إيجاد أفضل طريقة لإنتاج الأكسجين على القمر في طليعة هذه الجهود.
في أكتوبر/تشرين الأول وقعت وكالة الفضاء الأسترالية ووكالة ناسا صفقة لإرسال مركبة جوالة أسترالية الصنع إلى القمر في إطار برنامج أرتميس بهدف جمع الصخور القمرية التي يمكن أن توفر في النهاية أكسجينَ قابلًا للتنفس على القمر.
على الرغم من أن القمر له غلاف جوي، فإنّه رقيقٌ جدًا، ويتكون في الغالب من الهيدروجين والنيون والأرجون. هذا ليس نوع الخليط الغازي الذي يمكن أن يبقي الثدييات المعتمدة على الأكسجين مثل البشر على قيد الحياة.
ومع ذلك، يوجد بالفعل الكثير من الأكسجين على القمر. إنه فقط ليس في حالة غازية. بدلًا من ذلك، إنه محتجز داخل الثرى، وهي طبقة الصخور والغبار الناعم التي تغطي سطح القمر. إذا استطعنا استخراج الأكسجين من الثرى، فهل سيكون ذلك كافيًا لدعم الحياة البشرية على القمر؟
اتساع الأكسجين
يمكن العثور على الأكسجين في العديد من المعادن الموجودة في الأرض من حولنا. يتكون القمر في الغالب من نفس الصخور الموجودة على الأرض، لكن مع وجود كمية أكبر قليلًا من المواد التي أتت من النيازك.
تهيمن المعادن مثل السيليكا والألمنيوم وأكاسيد الحديد والمغنيسيوم على تضاريس القمر. تحتوي كل هذه المعادن على الأكسجين، ولكن ليس بالشكل الذي تستطيع الرئتان الوصول إليه.
توجد هذه المعادن على سطح القمر في عدة أشكال مختلفة بما في ذلك الصخور الصلبة والغبار والحصى والحجارة التي تغطي السطح. نتجت هذه المواد عن اصطدام النيازك بسطح القمر على مدى آلاف السنين.
يطلق بعض الناس على الطبقة السطحية للقمر اسم "التربة" القمرية، ولكن بصفتي عالم تربة، فأنا متردد في استخدام هذا المصطلح. إن التربة التي نعرفها هي شيء سحري جدًا يحدث فقط على الأرض. لقد أنشأتها مجموعة واسعة من الكائنات الحية التي تعمل على المادة الأم للتربة -الثرى، المشتق من الصخور الصلبة- على مدى ملايين السنين.
النتيجة هي مصفوفة من المعادن التي لم تكن موجودة في الصخور الأصلية. تربة الأرض مشبعة بخصائص فيزيائية وكيميائية وبيولوجية رائعة. وفي الوقت نفسه، فإن المواد الموجودة على سطح القمر هي أساسًا ثرى في شكله الأصلي الذي لم يمسه أحد.
تدخل مادة واحدة وتخرج اثنتان
يتكون ثرى القمر من نحوالي 45% أكسجين، لكن ذلك الأكسجين مرتبط بإحكام بالمعادن المذكورة أعلاه، ومن أجل تفكيك تلك الروابط القوية، فإننا نحتاج إلى إدخال الطاقة.
قد تكون على دراية بهذا الأمر إذا كنت تعرف شيئًا عن التحليل الكهربائي. تُستخدم هذه العملية على الأرض بشكل شائع في التصنيع، مثل إنتاج الألمنيوم. يمرر تيار كهربائي عبر شكل سائل من أكسيد الألومنيوم (يُسمّى عادةً الألومينا) عبر أقطاب كهربائية، لفصل الألمنيوم عن الأكسجين.
في هذه الحالة، ينتج الأكسجين كمنتجٍ ثانوي. على سطح القمر، سيكون الأكسجين هو المنتج الرئيسي، وقد يكون الألمنيوم المستخرج (أو معدن آخر) منتجًا ثانويًا مفيدًا.
إنها عمليةٌ مباشرةٌ إلى حد ما، ولكن هناك مشكلة: إنها تتطلب الكثير من الطاقة. لكي تكون مستدامةً، يجب أن تدعمها الطاقة الشمسية أومصادر الطاقة الأخرى المتاحة على القمر.
يتطلب استخراج الأكسجين من الثرى أيضًا معدات صناعية كبيرة. سنحتاج أولًا إلى تحويل أكسيد الفلز الصلب إلى شكل سائل، إما بتطبيق الحرارة، أو الحرارة الممزوجة بالمذيبات أو الإلكتروليتات. لدينا التكنولوجيا للقيام بذلك على الأرض، ولكن نقل هذا الجهاز إلى القمر، وتوليد طاقة كافية لتشغيله، سيكون تحديًا كبيرًا.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركة (خدمات التطبيقات الفضائية) Space Applications Services ومقرها بلجيكا أنها تبني ثلاثة مفاعلات تجريبية لتحسين عملية صنع الأكسجين عبر التحليل الكهربائي. إنهم يتوقعون إرسال تلك التكنولوجيا إلى القمر بحلول عام 2025 كجزء من مهمة وكالة الفضاء الأوروبية لاستخدام الموارد في الموقع (ISRU).
ما مقدار الأكسجين الذي يمكن أن يوفره القمر؟
عندما ننجح في إخراجها، ما مقدار الأكسجين الذي يمكن أن يعطيه القمر؟ حسنًا، كثيرًا كما اتضح.
إذا تجاهلنا الأكسجين العالق في المادة الصخرية العميقة للقمر، وفكرنا فقط في الثرى الذي يمكن الوصول إليه بسهولة على السطح، فيمكننا التوصل إلى بعض التقديرات.
يحتوي كل متر مكعب من الثرى القمري على 1,4 طن من المعادن في المتوسط، بما في ذلك نحو 630 كيلو غرامًا من الأكسجين. تقول ناسا إن البشر يحتاجون إلى تنفس نحو 800 غرام من الأكسجين يوميًا للبقاء على قيد الحياة. لذا فإن 630 كغ من الأكسجين ستبقي شخصًا على قيد الحياة لمدة عامين تقريبًا (أو أكثر بقليل).
لنفترض الآن أن متوسط عمق الثرى على القمر يبلغ نحو عشرة أمتار، وأنه يمكننا استخراج كل الأكسجين منه. هذا يعني أن العشرة أمتار العلوية من سطح القمر ستوفر كميةً كافيةً من الأكسجين لدعم الثمانية مليارات شخص على الأرض لنحو 100,000 عام.
سيعتمد هذا أيضًا على مدى فعالية تمكننا من استخراج الأكسجين واستخدامه. بغض النظر، هذا الرقم مذهل جدًا!
بعد قولي هذا، لدينا شيء جيد هنا على الأرض، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لحماية الكوكب الأزرق -وتربته على وجه الخصوص- التي تستمر في دعم الحياة الأرضية دون جهد منا.