ناسا تُعلن عن مراحلها المستقبلية في الرحلة إلى المريخ: إحراز تقدم في مبادرة الكويكب

أعلنت ناسا يوم الأربعاء عن المزيد من التفاصيل حول خطتها لمهمة تحويل مسار الكويكب Asteroid Redirect Mission) ARM) الذي سيختبر في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة عدداً من الإمكانيات الجديدة التي تحتاجها البعثات المستقبلية المأهولة إلى أعماق الفضاء، بما في ذلك كوكب المريخ. كما وأعلنت ناسا عن زيادة معدل رصد الكويكبات المجاورة لكوكب الأرض بنسبة 65 بالمئة منذ إطلاق مبادرة الكويكب منذ ثلاث سنوات.


وفيما يخص مهمة تحويل مسار الكويكب، ستقوم مركبة فضائية آلية بالإمساك بجزء صخري من سطح كويكب قريب من الأرض وتحريكه إلى مدار ثابت حول القمر ليعمل رواد الفضاء على استكشافه، وكل ذلك يأتي في سبيل دعم تقدم الرحلة إلى المريخ.


يقول روبرت لايتفوت (Robert Lightfoot) وهو المدير المساعد في ناسا: "ستقدم مهمة تحويل مسار الكويكب دليلاً مبدئياً على وجود إمكانيات عديدة للرحلات الفضائية نحتاجها من أجل إرسال رواد الفضاء إلى أماكن أعمق في الفضاء، ومن ثم إلى المريخ في نهاية المطاف، وسيكون لخيار الإمساك بجلمود صخري من كويكب أثراً مباشراً على التخطيط للبعثات المستقبلية للبشر إلى أعماق الفضاء والبدء بحقبة جديدة من الرحلات الفضائية".


ووفقاً لمخططات الوكالة فهي لا تنوي الإعلان عن الكويكب الذي تم اختياره للمهمة قبل عام 2019، أي قبل ما يقارب العام من إطلاق المركبة الفضائية الآلية، وقبل اعتماد الكويكب كأحد الخيارات المطروحة للمهمة يجب على العلماء في البداية أن يحددوا خصائصه، بالإضافة إلى حجمه ودورانه وشكله ومداره، وقد قامت ناسا بترشيح ثلاثة خيارات للمهمة حتى الآن وهي الكويكبات: إيتوكاوا (Itokawa)، وبينو(Bennu)، و2008 إي-في5 (2008 EV5). هذا وتتوقع الوكالة أن يتم ترشيح خيار واحد أو خيارين اثنين إضافيين في كل عام من أجل البعثة.


وبعد موعدها مع الكويكب المستهدف ستعمل مركبة (ARM) الفضائية غير المأهولة على استخدام أذرع آلية من أجل الإمساك بجلمود صخري من على سطح الكويكب، وبعد ذلك ستبدأ برحلة تستغرق العديد من السنوات من أجل إعادة تحويل مسار الجلمود الصخري إلى مدار حول القمر.


ستقوم هذه المركبة الفضائية الآلية أيضاً وعلى طول رحلتها، باختبار عدد من الإمكانات المطلوبة للمهمات المأهولة المستقبلية بما في ذلك الدفع المتقدم بالطاقة الشمسية الكهربائية Advanced (Solar Electric Propulsion) SEP، وهي تقنية متوفرة تعمل على دمج أشعة الشمس مع الطاقة الكهربائية بواسطة الألواح الشمسية ومن ثم استخدام الطاقة الناتجة لدفع الذرات المشحونة لتحريك المركبة الفضائية. ويمكن لطريقة الدفع هذه أن تحرك حمولات ضخمة بفاعلية كبيرة، وحيث أن المركبة الفضائية التي تعمل بتقنية الدفع المتقدم بالطاقة الشمسية الكهربائية تعد أبطأ من تلك التي تعمل بنظام الدفع الصاروخي الكيميائي، فهي تحتاج إلى طاقة دافعة وإطلاقات أقل لدعم البعثات الاستكشافية المأهولة، الأمر الذي سيقلل التكاليف.


قد تتمكن المركبات المستقبلية والتي تعمل بتقنية الدفع المتقدم بالطاقة الشمسية الكهربائية من وضع الحمولة أو الآليات في مكانها قبل إرسال البعثات إلى الفضاء العميق في المستقبل، لتكون إما في انتظار أطقمها على المريخ أو متموضعة حول القمر في انتظار البعثات المنطلقة إلى الكوكب الأحمر.

 

ستقوم مركبة ARM الفضائية الآلية والتي تعمل بتقنية الدفع المتقدم بالطاقة الشمسية الكهربائية على اختبار تقنيات جديدة خاصة بالمسارات وتحديد المواقع في الفضاء العميق، وذلك عن طريق استغلال جاذبية القمر من أجل وضع الكويكب في مدار ثابت حول القمر يسمى بـ"المدار التراجعي البعيد"، وهي نقطة تموضع مناسبة بالنسبة لرواد الفضاء من أجل لقائهم مع أحد أجرام الفضاء العميق الذي سيحملهم بدوره إلى المريخ.


وقبل أن يتم تحريك القطعة المجتزأة من الكويكب، ستقوم ناسا باستغلال الفرصة لاختبار تقنيات الدفاع الكوكبي للمساعدة على التخفيف من خطر أي تصادم محتمل بالكويكبات في المستقبل. وستساعد كل من التجربة والمعلومات التي سيتم اكتسابها من خلال هذه العملية، ناسا على تطوير خياراتها من أجل إبعاد كويكب في طريقه للاصطدام بالأرض، وذلك في حال كان الأمر ضرورياً.


قامت مهمة ديب إمباكت (Deep impact) العلمية لدراسة أحد المذنبات في عام 2005 باختبار تكنولوجيا ساعدت على تغيير مسار جرم قريب من الأرض عن طريق ضربه مباشرة بمركبة فضائية، أما مركبة ARM الآلية فتقدم خياراً إضافياً جديداً للدفاع الكوكبي باستخدام تقنية يطلق عليها اسم "جرار الجاذبية"، حيث يكون الجرم خاضعاً للجاذبية، وفي الفضاء يمكن لقوة الجاذبية، حتى وإن كانت بين أجرام ذات أحجام قليلة، أن تؤثر بشكل ملحوظ على حركتها، الأمر الذي يعني أنه يمكن لمركبة ARM الفضائية الآلية من خلال التقائها بالكويكب وإنشاء مدار حول القمر في الاتجاه المناسب أن تسحب الكويكب ببطء من دون لمسه، ويمكن لفاعلية هذه المناورة أن تزداد في حال تحريك الجرم من الكويكب إلى المركبة الفضائية عن طريق الإمساك بالجلمود الصخري.


ستحتاج مركبة ARM الفضائية الآلية لما يقارب ست سنوات من أجل تحريك الكويكب إلى مداره حول القمر، وسوف يتم إطلاق المركبة الفضائية أوريون (Orion) التابعة لناسا في منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة بواسطة نظام الإطلاق الفضائي التابع لناسا، حاملة معها رواد فضاء في بعثة للقاء واستكشاف الكويكب، حيث تم الاتفاق على إرسال رائدي فضاء اثنين في البعثة المأهولة لتحويل مسار الكويكب ARM التي تستغرق ما بين 24-25 يوماً.


ستعمل البعثة المأهولة كذلك على اختبار العديد من الإمكانيات المطلوبة لتطوير البعثات الفضائية المأهولة والمنطلقة نحو الفضاء العميق إلى المريخ وأماكن أخرى، بما في ذلك اختبار تقنيات استشعار ونظام الرسو الذي سيعمل على ربط أوريون بالمركبة الفضائية الآلية التي تحمل الجسم الكويكبي، كما وسيجري رواد الفضاء عمليات سير في الفضاء خارج أوريون لأغراض الدراسة وجمع العينات من الجلمود الكويكبي، هذا وسيرتدي رواد الفضاء بزات فضائية مصممة لبعثات الفضاء العميق.

 

إن جمع هذه العينات سيساعد رواد الفضاء ومديري المهمة على تحديد أفضل الحالات التي سيتم فيها الحفاظ على سلامة العينات في البعثات المستقبلية إلى المريخ، ولأن الكويكبات تتكون من بقايا عملية تشكيل النظام الشمسي، فقد تحمل العينات القادمة معلومات مهمة للأبحاث العلمية أو الجهات التجارية المهتمة بالمعادن الموجودة في الكويكبات كأحد المصادر الطبيعية المستقبلية للمعادن.


في عام 2012 تضمنت الميزانية الرئاسية لناسا، والتي تم الإقرار عليها من قبل مجلس الشيوخ، 20.4 مليون دولار أمريكي مخصصة لتوسيع برنامج المراقبة للأجرام القريبة من الأرض Near-Earth Object )NEO) التابع لناسا، لتزداد الموارد المخصصة لهذا البرنامج المهم عن الـ 4 ملايين دولار أمريكي التي كانت تتلقاها ناسا في العام الواحد منذ التسعينات من القرن الماضي، وبعد ذلك تم توسيع البرنامج مجدداً في السنة المالية لعام 2014 بميزانية تصل إلى 40.5 مليون دولار أمريكي. هذا وتطالب ناسا مجلس الشيوخ بإقرار منحها 50 مليون دولار أمريكي في ميزانية عام 2016 من أجل دعم هذا العمل المهم.


يقول جيم غرين (Jim Green) مدير قسم علوم الكواكب في ناسا: "تعد الكويكبات موضوعاً ساخناً، وذلك ليس لأنها قد تشكل خطراً على الأرض فحسب، بل كذلك لقيمتها العلمية، وتعد مهمة ناسا التي تم التخطيط لها لدراسة أحد هذه الكويكبات الخطوة الأولى لدراسة المريخ".


لقد عملت ناسا على تحديد ما يزيد عن 12 ألف جرم قريب من الأرض حتى الآن، حيث حيث يزيد حجم 96 بالمئة منها عن 0.6 ميل (1 كيلومتر)، كما لم ترصد ناسا أي جرم بهذا الحجم يشكل خطراً على الأرض في الـ100 عام المقبلة، إلا أن هنالك كويكبات أصغر حجماً تمر بالقرب من الأرض وقد تكون هنالك خطورة في حال اصطدامها بالأرض. ففي عام 2011 تم اكتشاف 893 كويكب قريب من الأرض، وفي عام 2014 ازداد هذا العدد ليصل إلى 1,472.


وبالإضافة إلى العمل الجاري لناسا برصد الكويكبات وتصنيفها فقد عملت الوكالة على إشراك العامة من الناس في عملية اصطياد هذه الصخور الفضائية من خلال نشاطات سباق الكويكبات الكبير التابع لناسا ، كما يتم تقديم الجوائز للفائزين في هذه المنافسات، وفي أثناء مهرجان الجنوب والجنوب الغربي الأخير في أوستن-تكساس قامت الوكالة بالإعلان عن إطلاق تطبيق تمت برمجته بالاعتماد على خوارزمية تم إنشاؤها عن طريق منافسة أطلقتها ناسا، هذا التطبيق له القدرة على زيادة عدد الكويكبات التي يتم اكتشافها من قبل الفلكيين الهواة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات