حاضنة أوتونومي في مركز لانغلي تقود الطريق نحو آلات ذكية

يستطيع الإنسان تنفيذ عمليات البحث والإنقاذ وتسليم البضائع والاستكشاف تحت الماء بشكلٍ جيد، ولكن سيأتي اليوم الذي تتمكن فيه الآلات الذكية من القيام بهذه المهام بشكلٍ أفضل. على الأقل هذا هو الاعتقاد السائد بين مجموعة صغيرة من العلماء متعدّدي الاختصاصات والمهندسين وطلاب في مرحلة التدريب في مركز الأبحاث لانغلي التابع لناسا في هامبتون-فرجينيا.


 قائدة حاضنة أوتونومي دانيت آلن Danette Allen تتحدث عن الفرق بين الأتمتة والحكم الذاتي، وعن الغرض من حاضنة أوتونومي الموجودة في مركز لانغلي التابع لناسا (NASA)
المصدر: ناسا/ غاري بانزيغر

الزميلين جيلبرت مونتيجو(Gilbert Montague) على اليسار، وتشارلز كروس (Charles Cross) من فريق الحاضنة ذاتية التحكم يعدان الكوادريكوبترUAV لبرهنة داخل مركز لانغلي لتحكم الذاني والروبوتات.
الزميلين جيلبرت مونتيجو(Gilbert Montague) على اليسار، وتشارلز كروس (Charles Cross) من فريق الحاضنة ذاتية التحكم يعدان الكوادريكوبترUAV لبرهنة داخل مركز لانغلي لتحكم الذاني والروبوتات.

تُعرف المجموعة باسم أوتونومي إنكوبيتور autonomy incubator أي حاضنة الآلات ذاتية الحكم، وتتقدم الآن بخطوات هادفة نحو هذا الموضوع، إذ تصف قائدة المجموعة دانيت آلن Danette Allen عملها بأنه: "آلات مُلهة بذكاء شبيه بالذكاء الذي نتوقعه من الإنسان".

إن كانت هذه المهمة تبدو هائلة، فذلك لأنها كذلك. عندما يُكمل الفريق مهمته التي ستمتد على الأغلب لمدة ثلاث سنوات متتالية من العمل، لن يتم تجاوز جميع العقبات بين الآلة والذكاء الإنساني، فمجال هذا البحث لا يزال في مرحلة الطفولة. ولكن حالياً، ناسا بحاجة ماسّة إلى أنظمة ذاتية الحكم في الملاحة الجوية واستكشاف الفضاء وحتى علوم الأرض، وتعتقد آلن وزملاؤها، أن أبحاثهم قادرة على تمهيد الطريق لمستقبل يمكن فيه لناسا أن تُلبّي هذه الحاجة بسلام وأمان.

خلق الحاضنة



منذ عدة سنوات مضت، عملت آلن -والتي لديها مجموعة واسعة من التجارب في الفضاء والملاحة الجوية والعلوم والهندسة الموجّهة لنظم طيران الملاحة الفضائية- على تركيز جهود مركز البحث وتطوير حاضنة الآلات ذاتية الحكم، حيث تقول: "تطلُّعاً إلى المستقبل، نحاول تحديد ما هو نوع القدرات والتكنولوجيات التي سنحتاجها".
طُلب من آلن إمضاء ستة أشهر في حقل الحكم الذاتي سريع النمو، وقد طلبوا منها الحصول على إلمام حقيقي حول ما يحدث في الخارج، والنظر بتعمق في كل الفيديوهات على الشبكة واكتشاف أي منها على مستوى رفيع من التطور التكنولوجي.

من المجلات التي وجدت آلن بسرعة أنها قد تستفيد من أنظمة الحكم الذاتي هي استكشاف الفضاء السحيق والتحكم الآلي والعربات الطائرة الشخصية والآلية.

عبر إعطاء أمر بسيط "أقلع"، تستطيع هذه الكوادريكوبتر الصغيرة أن ترتفع عامودياً من القاعدة الأم، وبعدها تركز على حاجز عليه علامة هدف لتطير وتحط عليه، وبعدها تقلع من جديد وتعود إلى القاعدة الأم.
عبر إعطاء أمر بسيط "أقلع"، تستطيع هذه الكوادريكوبتر الصغيرة أن ترتفع عامودياً من القاعدة الأم، وبعدها تركز على حاجز عليه علامة هدف لتطير وتحط عليه، وبعدها تقلع من جديد وتعود إلى القاعدة الأم.

وفي سياق مساعدة التحضير لوصول الإنسان إلى المريخ، تحتاج ناسا نظُم قادرة على تفادي العقبات وكشف الفروق بين الظلال والحُفر أثناء استكشافها لسطح المريخ، ومن أجل الوصول إلى مستقبل يمكن فيه للعربات الطائرة الشخصية والذاتية التحكم الطيران بشكلٍ آمن في سماء الوطن، يتوجب على المهندسين تصميم نُظم تسمح للعربات الطائرة أن تتخذ بعض القرارات المعقّدة بنفسها أثناء الطيران.

توضح آلن:"عوضاً عن طيارين متدربين في الجو لآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف من الساعات، بتنا الآن نتكلم عن شيء ما، لديه ما يُعادل رخصة قيادة أو رخصة طيران" ، وتضيف قائلة:"لذلك ستحتاج إلى التحكم الأوتوماتيكي automation، وأعتقد أيضاً ستحتاج إلى نظم ذاتية الحكم autonomy لجعل السماء (ديموقراطية) أي متاحة للعامة".

تفرق آلن بشكلٍ واضح بين التحكم الأوتوماتيكي وذاتي الحكم، وتوضح آلن أن التحكم الأوتوماتيكي هو إحالة المهام "لنأخذ حماصة الخبز كمثال، فلقد أحيلت إليك مهمة إحضار الخبز الخاص بك إليها، صحيح؟ وتقوم أنت أيضاً بضغط الزر، لتقوم هي بالمهمة الوحيدة المتبقية".

تُعرّف آلن الحكم الذاتي الحقيقي بوهب السلطة المتعلّقة باتخاذ القرار. وتقول: "الأمر شبيه بإعطاء الأمر لكلبك بإحضار الجريدة، فأنت لا تطلعه على كيفية قيامه بالأمر، لا تجهز أي إعدادات. وهنا يعود أمر تحديد المسار الذي سيتّبعه لإحضار الجريدة إلى كلبك. ستتعلم النظُم ذاتية الحكم من تجاربها تماماً كما يفعل الإنسان. وتضيفها إلى خبراتها مما يُحسِّن آراءها ويحسِّن قاعدة معرفتها من أجل اتخاذ القرارات في مواجهة حالات الشك".

مع أخذ الإمكانيات التكنولوجية المحتملة للأنظمة ذاتية الحكم بعين الاعتبار، اقترحت آلن الهيكلية المركزية لفريق حاضنة أوتونومي، وهي خليط متضامن من موظفين مدنيين ومقاولين وطلاب تحت التدريب بتخصصات متنوعة في كل شيء، من تعلم الآلات والرؤية، وصولاً إلى علم النفس الإنساني و هندسة الميكانيك وعلم الحاسوب والهندسة الكهربائية.
تقول آلن مشيرةً إلى اللقب الذي أُطلق على برنامج التطوير المتقدم (ADP) في لوكهيد مارتن: " إنه نوع من نمذجة الأعمال الكريهة". أصبح هذا المصطلح ملازم لمشاريع إبداعية ببيئة غير تقليدية.

وهو نموذج تستعمله ناسا لتحويل القوة العاملة بشكل يصقل المهارات الموجودة، ويجلب أُخرى جديدة مما يمكّن المركز من التعرف على الحاجات المستقبلية لمديريات المهام، وحتى الحاجات المستقبلية للمجتمع الخارجي.
(اكتملت الحاضنة رسمياً في أبريل/نيسان عام 2014).

يصف خبير علم الروبوتات جيم نيلان Jim neilan بيئة العمل الغير تقليدية:"ملهمة وتثقيفية بشكلٍ فائق"، ويضيف قائلاً: "نتعلم عبر العمل مع مجموعة كهذه عن أجزاء أخرى في العملية التي تحتاجها لإكمال المهمة من ناحية الميكانيك، وبرمجة الكمبيوتر والأجهزة الأخرى، والتي لم تكن لتكتشفها بطريقة أخرى".

حل المشاكل


الزميلين جيلبرت مونتيجو Gilbert Montague على اليسار، وجيم نايلان Jim Neilan من فريق حاضنة الآلات ذاتية التحكم يرصدان البيانات من الطائرات بدون طيار quadcopter.
الزميلين جيلبرت مونتيجو Gilbert Montague على اليسار، وجيم نايلان Jim Neilan من فريق حاضنة الآلات ذاتية التحكم يرصدان البيانات من الطائرات بدون طيار quadcopter.

لتنمية المهارات المستقبلية للحاضنة والتي ستساهم برفع الخبرة في مهام ناسا، يتعلم الفريق عبر متابعة مشكلة تحدي يتعلق بتنمية نظام يسمح لعربة طائرة بدون طيار أو ما يسمى بـ (UAVs) من تسليم بضائع بشكلٍ آمن ودقيق.

تقول آلن : "عندما تسمع كلمة طرد بريدي فكر حرفياً خارج الصندوق"، وأضافت قائلة: "لست أتكلم بالضرورة عن تسليم كتاب إلى منزلك بصندوق بُني من الكرتون، فيمكن لكلمة طرد أن تعني الكثير من الأمور لناسا".

وتحدثت -على سبيل المثال -عن تسليم حساس sensor لعالم بيئة يعمل في غابة مطرية كثيفة بواسطة UAV ذاتية الحكم. ستواجه UAV نفس التحدي سواءً كانت ستُسلمّ حساساً إلى غابة مطرية أو كتاباً في المدينة أو ستبحث عن متجول تائه في الجبل، إذ يتوجب عليها الملاحة وتحديد الأهداف في بيئة متحركة، لذلك يعمل فريق الحاضنة على بناء مركز خبرات يطور إطار عمل وخوارزميات ستسمح لـ UAV بتحليل أجزاء من المعلومات حول البيئة الموجودة ضمنها، وذلك عبر فيديو، لون، حرارة، نطاق إلخ... ، وبعدها يجمع النظام هذه البيانات ليبني شيئاً على أساسها. يشرح نيلان قائلاً :"بهذه الطريقة تستطيع المنصات الروبوتية الخاصة بنا أن تتخذ قرارات ذاتية حول كيفية الملاحة عبر البيئة، وكيفية التوقف وتخطي العقبات، وإرسال تقرير حول الوقائع والخصائص المثيرة للإهتمام".

مؤخراً، برهنت آلن ونيلان وباقي طاقم الحاضنة عملهم مع الـ UAVs الذاتية الحكم في قاعدة عملياتهم، في مركز لانغلي لروبوتات والحكم الذاتي، وهي منشأة استعملت سابقاً للّقاءات الصوتية والاجتماعات، وقد كان من المُقرّر هدمها خلال بضع سنوات. وقد انتقل الفريق إليها في تشرين الثاني/نوفمبر حيث أن القاعة الفسيحة ممتازة لطيران الـ UAVs في مكان مغلق مقارنةً بفترة الحياة القصيرة للحاضنة.

وقد تم خلال البرهنة إعطاء هليكوبتر متعددة الدورات (Rotor) أو ما يعرف بكوادكوبتر (quadcopter) أمر صوتي، وهو "اقلعي"، فارتفعت عامودياً من القاعدة الأم لتقوم بعدها بتركيز اهتمامها على حاجز عليه علامة هدف، وما إن تعرفت على الهدف حتى طارت إليه وحطت فوقه، ومن ثم أقلعت وعادت إلى القاعدة الأم.
قد تبدو خطوة بسيطة، ولكن عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أنه باستثناء الأمر الصوتي، أكملت الكوادكوبتر مهمتها بدون تدخل بشري على الإطلاق (باستعمال ذكاء آلي على متنها فقط)

مقياس النجاح


الزميلين جيلبرت مونتيجو Gilbert Montague على اليسار، وتشارلز كروس Charles Cross من فريق الحاضنة ذاتية التحكم يعدان الكوادريكوبتر UAV لبرهنة داخل مركز لانغلي للتحكم الذاتي والروبوتات.
الزميلين جيلبرت مونتيجو Gilbert Montague على اليسار، وتشارلز كروس Charles Cross من فريق الحاضنة ذاتية التحكم يعدان الكوادريكوبتر UAV لبرهنة داخل مركز لانغلي للتحكم الذاتي والروبوتات.

ما يبدو خطوة صغيرة هو خطوة أساسية، حيث أن آلن وفريقها يساعدون في بناء مستقبل تتواجد فيه نُظم الحكم الذاتي في كل مكان، ليس فقط في ناسا، بل أيضاً في العالم الكبير. 
هذا و يمكن استعمال UAVs للتحقّق من الجسور والسّدود وخطوط الطاقة، كما يمكن استعمالها من قبل المزارعين في تلقيح دقيق للحقول، وزراعة النباتات، ومراقبة رطوبة التربة، ويمكن استخدامها في صناعة الأفلام، بحيث يتم تدريب UAVs لالتقاط مشاهد متحركة كمشاهد التفجير.

يودّ نايلان رؤية نظم ذاتية الحكم تُستعمل للاستكشاف ودراسة البيئات عالية الخطورة كالبراكين وأعماق البحار. فحسبما قال نايلان عن النظم ذاتية الحكم:" بإمكانك العمل على العلوم، وأيضاً القيام ببعض الاستكشافات المثيرة، من دون أن تستثمر الكثير من المال في هذه الأعمال ومن دون المخاطرة بحياة الإنسان".

هذا و تعتقد آلن بأن أهم ما تقدمه وكالة ناسا لمجال الحكم الذاتي هو أرشيفها عن السلامة والموثوقية، كما تعتقد بأنه سيكون أحد برامج قياس النجاح. وقالت: "أولاً، ستكون الحاضنة ناجحة، إذا قمنا ببناء قوى عاملة وتأهيلها جيداً، بحيث تُصبح جاهزة لمواجهة هذه التحدّيات المحيطة بأنظمة الحكم الذاتي. وثانياً، سنكون ناجحين إذا استطعنا أن نبرهن عمليات الحكم الذاتي بأمان وبموثوقية".

بعد سنتين من الآن، ستتحلل الحاضنة وسيتم استخدام أبحاثها الأساسية عبر الوكالة، وقتها لن تكون كل مشاكل الحكم الذاتي قد حُلت، بل فقط حفنة منها. ولكن هذه الحفنة ستساعد في تقريب ليس فقط وكالات ضخمة، بل العالم خطوةً واسعة إلى مستقبل يكون الحكم الذاتي موجودًا فيه، كالإنترنت والهواتف الذكية، شيء بديهي.
آلن متأكدة من ذلك. فهي تقول:"نريد من هذه النظم أن تتصرف بنفس الطريقة التي نتوقعها من الإنسان، لأننا بهذا التصرف نعلم كيفية التنفيذ. لم نصل إلى هذا الأمر بعد، لكننا سنصل." وأضافت قائلةً :"أنا متفائلة، وداعمة لهذه التكنولوجيا".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات