ثقبٌ أسود يستيقظ من سباته

تمكن القمر الصناعي سويفت (Swift) التابع لناسا من اكتشاف موجة متصاعدة من انبعاثات الأشعة السينية عالية الطاقة من كوكبة الإوزة (Cygnus) في الساعة الثانية والنصف من ظهر الخامس عشر من يونيو/حزيران حسب التوقيت الصيفي الشرقي EDT. وبعد ذلك بحوالي عشر دقائق تم استقبال نفس الانبعاثات بواسطة التجربة اليابانية التي تُجرى على متن محطة الفضاء الدولية وتدعى رصد صورة الأشعة السينية لكامل السماء (Monitor of All-sky X-ray Image) أو اختصاراً (MAXI).

صدر هذا الثوران عن النجم V404 Cygni، وهو منظومةٌ مزدوجة تقع على بعد حوالي 8.000 سنة ضوئية وتحتوي على ثقبٍ أسود. ويتوهج هذا الثقب الأسود كل عقدين من الزمن بحيث يُصدر ضوء ذو طاقة عالية متحولاً إلى نجم مستعر ومُصدراً للأشعة السينية (X-ray nova). وقد كان هذا الثقب الأسود غافياً منذ عام 1989 حين تحقيق الكشف الأخير بواسطة القمر الصناعي سويفت. 



في الخامس عشر من يونيو/حزيران تمكن القمر الصناعي سويفت التابع لناسا من التقاط بدايات لثورانات نادرة من الأشعة السينية من ثقب أسود نجمي الكتلة ينتمي إلى المنظومة المزدوجة V404 Cygni. يرصد الفلكيون من جميع أنحاء العالم هذا الحدث. ويُظهر هذا الفيديو التوضيحي تياراً من الغازات يصدر عن نجم مشابه كثيراً للشمس ويتجه نحو ثقب أسود تبلغ كتلته حوالي عشرة أضعاف كتلة الشمس. وعوضاً أن تغوص هذه الغازات في هذا الثقب الأسود، فإنها تتراكم حوله في قرصٍ متنام. ويدخل هذا القرص كل عقدين من الزمن في حالة بحيث تندفع منه الغازات بسرعة كبيرة نحو داخل الثقب الأسود مما يؤدي إلى ثوران جديد. 
المصدر:NASA's Goddard Space Flight Center

 


والنجوم المستعرة المُصدرة للأشعة السينية (X-ray nova) هي مصادر ساطعة قصيرة الأمد للأشعة السينية تصل إلى شدتها العظمى خلال بضعة أيام ثم تخبو تدريجياً خلال أسابيع أو أشهر. ويحدث هذا الثوران حين يندفع الغاز المخزن بسرعة كبيرة باتجاه نجمٍ نيوترونيّ أو ثقبٍ أسود. ويمكن للفلكيين من خلال دراسة نماذج الأشعة السينية التي يتم إنتاجها تحديد نوع الجرم الموجود في مركز منطقة الثوران.

يقول نايل غيرلز Neil Gehrels، وهو الباحث الرئيسي في مهمة سويفت في مركز غودارد للطيران الفضائي في غرينبلت، ميريلاند: "تعتبر مثل هذه الثورانات التي تحدث في الثقوب السوداء نادرة للغاية نظراً لعمر المراصد الفضائية. ولذلك عند مشاهدة هذه الأجرام تتوهج فإننا نحاول استخدام كامل ترسانتنا لرصدها في جميع ألوان الطيف، بدءاً من الموجات الراديوية وحتى أشعة غاما".

ويُصنف الفلكيون هذا النمط من المنظومات النجمية في مجموعة النجوم الثنائية المنخفضة الكتلة والمصدرة للأشعة السينية (low-mass X-ray binary). تتألف منظومة النجم V404 Cygni من نجم أصغر بقليل من الشمس يدور حول ثقبٍ أسود يفوقه كتلةً بعشرة أضعاف وخلال فترة زمنية تبلغ ستة أيام ونصف فقط. ويؤدي المدار القريب والجاذبية القوية للثقب الأسود إلى توليد قوى مديّة تشفط تياراً من الغاز من شريكه النجمي. وينتقل الغاز إلى قرص التخزين المحيط بالثقب الأسود حيث ترتفع درجة حرارته إلى ملايين الدرجات، مما يؤدي إلى إصدار تيار مستمر من الأشعة السينية مع ابتلاع هذا الغاز من قبل الثقب الأسود.

ولكن هذا القرص يتناوب بين حالتين مختلفتين كلياً. حين يكون القرص بارداً فإن الغاز يقاوم التدفق نحو الداخل ويكتفي بالتجمع في الأجزاء الخارجية من القرص، تماماً كما يتجمع الماء خلف السد. ولكن الغاز في نهاية المطاف سيتراكم لا محالة بما يتجاوز قدرة هذا السد، مما يؤدي إلى اندفاع الغازات الساخنة والساطعة بسرعة كبيرة باتجاه الثقب الأسود كما تندفع أمواج التسونامي الهائجة.

ويتلذذ الفلكيون بهذه الفرصة الفريدة لجمع بياناتٍ من عدة أطوال موجية في الوقت نفسه للمنظومات المزدوجة التي تضم ثقوباً سوداء، وخصوصاً تلك القريبة منا كما هو الحال بالنسبة لـ V404 Cygni. وقد تمكن الفلكيون سابقاً من التقاط ثورانات من الضوء المرئي من هذه المنظومة، وذلك في عامي 1938 و1956. وفي عام 1989 تم رصد الثوران مجدداً من قبل جينغا (Ginga)، وهو قمر صناعي ياباني يلتقط الأشعة السينية، بالإضافة إلى المعدات التي كانت موجودة على متن محطة الفضائية الروسية مير.

تقول إليونورا تروخا Eleonora Troja، وهي عضو في فريق سويفت في غودارد: "تُبدي المنظومة V404 Cygni في الوقت الحاضر تبايناً استثنائياً في جميع أطوال الموجات، وتقدم لنا فرصة نادرة واضافة إلى مجموعة بياناتنا الفريدة".

وتشمل الأدوات العلمية التي تقوم أو ستقوم برصد هذا الثوران كلاً من القمر الصناعي سويفت التابع لناسا، وتلسكوب تشاندرا للأشعة السينية، وتلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما، والتجربة اليابانية (MAXI) على محطة الفضاء الدولية، والقمر الصناعي  (INTEGRAL) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، بالإضافة إلى بعثة أمواج غاما (AGILE) التابعة لوكالة الفضاء الإيطالية. أما المراصد الأرضية فهي تشمل كلاً من التلسكوب الكبير الذي يبلغ قطر مرآته 10.4 متراً والذي تقوم إسبانيا بتشغيله في جزر الكناري، وتلسكوب جامعة ليستر الذي يبلغ قطره نصف متر في أودبي في المملكة المتحدة، وتلسكوب (Nasu) الراديوي في جامعة واسيدا في اليابان، بالإضافة إلى مراصد أخرى خاصةٍ بالهواة.

وقد توهجت المنظومة V404 Cygni لعدة مرات منذ بدء الثوران، حيث تستمر الفعالية لفترة تتفاوت بين دقائق وحتى ساعات. يقول إريك كولكرز Erik Kuulkers وهو العالم في مشروع INTEGRAL التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ومركزه مدريد: "إنه يحتل بشكل متكرر المرتبة الأولى كأسطع جرم مصدر للأشعة السينية في السماء، حيث يصل سطوعه إلى أكثر من سطوع سديم السرطان بخمسين مرة، والذي يُعتبر بدوره من أسطع مصادر الأشعة السينية في السماء. إنها بالفعل فرصة ذهبية قد لا يصادفها المتخصصون إلا مرة واحدة في كامل حياتهم المهنية".

وقد أدت الثورانات الناتجة عن المنظومة V404 Cygni خلال أسبوع واحد فقط إلى صدور أكثر من 70 إشارة تنبيه من جهاز رصد دفقات أشعة غاما (GBM) الموجود على متن تلسكوب فيرمي. وهذا المعدل هو أكبر بخمسة أضعاف من عدد إشارات التنبيه التي شوهدت بفعل جميع الأجرام الموجودة في السماء خلال أسبوع نموذجي. ويُصدر الجهاز إشارات التنبيه حين يكتشف تألقاً بأشعة غاما، وبعد ذلك يقوم بإرسال العديد من رسائل البريد الإلكتروني المتتالية التي تحتوي على معلومات ذات دقة متزايدة حول هذا الحدث لتصل إلى الفلكيين المسؤولين عن الرصد.

وبعد أن يتوقف GBM عن إرسال الإشارات بعد حدوث دفقة ما، فإن الدفقات تعود لتصدر مجدداً عن المنظومة V404 Cygni، مما يؤدي مرة أخرى إلى عاصفة من الرسائل الجديدة. وقد دفع ذلك بـ "ديفيد يو" David Yu، وهو أحد العلماء المسؤولين عن GBM في معهد ماكس بلانك للفيزياء خارج الأرضية في غارشينغ، ألمانيا لإدراج التعليق التالي على وسائل التواصل الاجتماعي: "تم الكشف عن الإنجاز: الثقب الأسود يُغرق البريد الإلكتروني بالرسائل".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • غينغا (Ginga): المهمة اليابانية الثالثة العاملة بالأشعة اكس، و المعروفة أيضاً بـ Astro-C. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات