باحث في ناسا يطوّر نموذجًا من شأنه أن يقلل صخب المروحيات

إذا كنت تعيش في منطقة مأهولة نسبيًا بالسكان، فلربما عايشت موقفًا كهذا، حيث يسبّب هدير المروحيات الصاخبة المحلّقة فوقك ضجيجًا غير مرغوب فيه، خصوصًا أثناء عَشاءٍ عائلي، أو نزهة هادئة في الحديقة .



تعتبر مثل هذه الأمور حوادث عرضية وثانوية في البلدات والمدن الصغيرة، لكنها تصبح مشكلةً حقيقيّة في العواصم والمدن الكبيرة مثل لوس أنجلوس ونيويورك؛ حيث تسبب مروحيات الأخبار، والشرطة، والمروحيات الطبية، وتلك المخصصة لمشاهدة المعالم السياحية، في كثير من الأحيان فوضى في سماء تلك المدن.


إيريك غرين وود، مهندس في أبحاث الفضاء الجوي في مركز أبحاث لانغلي، NASA، حقوق الصورة: NASA/David C. Bowman
إيريك غرين وود، مهندس في أبحاث الفضاء الجوي في مركز أبحاث لانغلي، NASA، حقوق الصورة: NASA/David C. Bowman

ويُصرّح إيريك غرين وود Eric Greenwood، وهو مهندس أبحاث الفضاء الجوي في مركز أبحاث لانغلي التابع لناسا في هامبتون، فرجينيا: "يصبح الناس في تلك المجتمعات منزعجين جدًا بسبب الضجيج الناجم عن تحليق المروحيات، لدرجة أنهم يتطلعون أو يسعون لتنظيمها محليًا، وتحديد أنواع مهمات تلك المروحيات التي يمكن أن تُنجز بها في المدن عينها".

قد يشعر السكان بالراحة في المدن المذكورة -إضافة لمدن أخرى مثل سان فرانسيسكو، ولاس فيغاس، وشيكاغو، والعاصمة واشنطن/ وبوسطن- عند معرفتهم أنّ باحث لانغلي التابع للوكالة يعمل على هذه المسألة.

طوّر غرين وود، الذي يتخصص في مجال أبحاث الطائرات العمودية، طريقة أطلق عليها اسم "نمذجة صوتية أساسية للطائرات العمودية من أجل التجارب" (FRAME) ، ويمكن أن يساعد هذا النموذج قريبًا في الحدّ من ضجيج المروحيات الجدليّ والمزعج .

يعمل FRAME عن طريق الجمع بين عنصرين أساسيين : فَهمِ الباحثين الأساسيِّ لفيزياء ضجيج المروحيات، وكذلك بيانات الضجيج الموجودة والناتجة عن اختبارات الطيران و قياسات النفق الهوائي.

يستطيع غرين وود أن يتنبأ بدقّة أين يمكنُ أن يصبح الضجيج مشكلة في سيناريوهات الرحلات غير المجربة، أو حتى غير القابلة للتجريب، عن طريق المعايرة بين المعرفة الفيزيائية ذاتها و بيانات الاختبارات الموجودة .

وقد قال في هذا السياق: "مع النمذجة التقليدية التي كنا نستخدمها حتى الآن، لن تكون قادرًا إلا على اتخاذ البيانات التي تجمعها، وإعادة تلك الظروف عينها"، ويضيف: "يتيح لك (FRAME) تعميم بيانات الضجيج التي قد جمعتها على أي نوع آخر من ظروف التشغيل".

كما عرض غرين وود مؤخرًا ورقة في المنتدى السنوي والمعرض التكنولوجي الحادي والسبعين للهيئة الدولية للمروحيات الأمريكية، الذي قارن توقعاته المتعلقة بـ FRAME مع بيانات الضجيج التي جمعها مع بعض الزملاء خلال اختبارات رحلات المروحيات عام 2011 في قاعدة سلاح الجو في ايجلين – فلوريدا .

في 2001 سافر غرين وود إلى قاعدة سلاح الجو في إيجلين في فلوريدا، ليجمع بيانات الضجيج من سلسلة من اختبارات الطيران لطائرة Bell 430 المروحية. حقوق الصورة: NASA
في 2001 سافر غرين وود إلى قاعدة سلاح الجو في إيجلين في فلوريدا، ليجمع بيانات الضجيج من سلسلة من اختبارات الطيران لطائرة Bell 430 المروحية. حقوق الصورة: NASA

كانت بيانات اختبارات الطيران وتنبؤات FRAME عبارة عن "توافق جيد جدًا"، ووفقا لغرين وود " كنا قادرين على إظهار أن الضوضاء الناتجة عن المناورة يمكن أن تكون ذات فرق مقداره 10 ديسيبل، وذلك بالمقارنة مع ما يحدث للمروحية في الطيران الثابت. وهذا الفرق، المساوي لـ10 ديسيبل، تسمعه أذن البشر الاعتيادية وكأنه بمقدار الضعف.



إن الضوضاء الفريدة التي تُحدثها المروحيات هي نتيجة لظاهرة تسمى تفاعل الشفرة والدوامة (blade-vortex interaction)، عندما تضرب الشفرة الدوارة للمروحية الدوامةَ التي تتشكل من الشفرة الموجودة أمامها، يتسبب هذا بالصوت النابض المشهور للمروحية (ووب-ووب-ووب).

يمنح FRAME الباحثين القدرة على التنبؤ بالوقت والمكان اللّذين يصبح فيهما الصوت مشكلة، وبسبب ذلك، يعتقد غرين وود أن المقيمين في مدينة لوس أنجلس و نيويورك يمكن أن يكونوا على وشك الانتهاء من مشكلة الضوضاء .

وقال غرين وود: "لدينا الآن النموذج الناجع، أملنا في المستقبل القريب أن يكون هناك قدرة على استخدام هذا النموذج للتوصل الى إرشادات من أجل طياري المروحيات والمشغلين، بما يخص كيفية قدرتهم على تشغيلها بهدوء أكثر."

يمكن أن تكون الإرشادات بسيطة بمثل بساطة وجود طيار ينفذ انعطافًا أو دورانًا بطريقة تسبب ضجيجًا أقل . وأضاف: "هناك طرق مختلفة تمكّنك من تنفيذ ذلك الانعطاف لليمين، يمكنك أن تتسارع عند تنفيذك لتلك الحركة ويمكنك أن تصعد خلال تنفيذها".

وكما قد يتصور المرء، فإن بحوث غرين وود حازت على اهتمام الجيش أيضًا، يمكن للتعديلات ذاتها التي تقلّل من شكاوى الضوضاء أن تساعد مروحيات الجيش لتصبح أكثر هدوءًا لاسيما في وضع المعركة الغادر. يتخيل غرين وود أن بحثه يمكن أن يفتح الباب لمستقبل تكون فيه المروحيات تُبنى حسب معايير التوجيه المحوسبة، سواءً أكان التطبيق مدنيًا أو عسكريًا.

كما أضاف: "تخيّل لو كان لدي مروحية، وكنت على وشك الدخول في مكان صاخب، فإنّ القِوى المؤثرة على العصا تصير أشد قليلًا؛ فعندما أكون طيارًا في قُمرة القيادة يمكنني أن أفعل ما أريد، ولكن يمكنها إعطائي إشارة تنبيه خفي عن الاتجاه الأكثر هدوءًا".

هذا هو المستقبل الذي يرغب أن يراه ساكن نيويورك المتبرّم من الضجيج.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات