ذكاء البشر هل تشكله الطبيعة البشرية أم البيئة المحيطة؟

عالم نفسي يبرهن أن التدخلات البيئية قد تزيد من الذكاء، ولكن هذا الأثر ليس دائمًا
لطالما كان الاتفاق السائد بين العلماء أن البشر عبارة عن تركيبات معقدة من الصفات الموروثة ومن البيئات التي نشأنا فيها. أما مسألة أي الاتجاهين يسود في النهاية فهي مسألة لا تزال محل خلاف.

ومن أجل فهم السؤال المتعلق بـ "الطبيعة مقابل التنشئة"، حلل عالم النفس جون بروتزكو John Protzko من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا دراسة موجودة من أجل تحديد ما إذا كانت التدخلات البيئية هي التي أثرت على مستويات الذكاء للمواليد الذين ولدوا بوزن ولادة منخفض، وكذلك كيف يكون هذا الأثر.

النتيجة المفتاحية هنا: التدخلات البيئية زادت بالفعل من مستويات الذكاء، ولكن ليس بشكل دائم. وعندما انتهت التدخلات البيئية، تناقص أثرها بمرور الوقت فيما يعرّفه علماء النفس على أنه "أثر التلاشي" the fadeout effect. هذا البحث مشار إليه في دورية Intelligence.

قال بروتزكو وهو عالم بدرجة ما بعد الدكتوراه في مختبر META، وهي اختصار لـ Memory, Emotion, Thought, Awareness في قسم علم النفس والدماغ في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا: "يمكن لبعض التدخلات البيئية المحددة أن تزيد من الذكاء العام. ولا يعني ذلك زيادةً في درجات اختبار ما، وإنما هي تغيرات عميقة في الذكاء العام الذي يشكل الأساس لتلك القدرات المعرفية التي تزيد من نتائج الاختبارات بشكل عام. أما أثر التلاشي، فينطبق عليه المبدأ ذاته". يميز العلماء ما بين نتائج حاصل الذكاء IQ scores، وهو مقياس كمي للذكاء، وما بين الذكاء العام، والذي يعكس القدرات المعرفية الكامنة وراء ذلك.

راجع بروتزكو نتائج برنامج صحة الرضع وتطورهم Infant Health and Development Program والذي يشتمل على 985 طفلًا، جميعهم عايشوا بيئة شديدة ومتطلبة للقدرات المعرفية بشكل كبير، وذلك خلال السنوات الثلاث الأولى من حياتهم. كانت هناك ثلاثة تدخلات أساسية معتمدة من أجل التخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن الولادة بوزن ولادة منخفض.

على عمر الثلاث سنوات، أُعطي الأطفال سلالم ستانفورد-بينيت للذكاء Stanford-Binet Intelligence Scales كمقياس للقيمة الأساسية لذكائهم. وعلى عمر الخمس سنوات، والثمان سنوات -أي سنتين على الأقل بعد أن انتهت التدخلات- أُعطي الأطفال اختبارات الذكاء مرة أخرى.

أظهرت النتائج أن التدخلات زادت من الذكاء العام للأطفال في سن الثلاث سنوات. ولكن، في سن الخمس سنوات، صارت هذه الزيادة غير ملحوظة. بحسب بروتزكو، يبين لنا ذلك أن أثر التلاشي ينطبق على الذكاء العام.

كما وضح أن هذا الفرق في الذكاء في سن الثلاث سنوات وفي سن الخمس سنوات أكّد على مسألة أخرى، ألا وهي السببية. إحدى النظريات المتعلقة بتطور الذكاء تفترض أن هذه الصفة يمكن أن تكون لها علاقة ارتباط ما بين عمرين؛ ذلك أن هناك علاقة سببية للذكاء بالنسبة للأعمار؛ فالذكاء في سن معين يسبب الذكاء في سن آخر.

وضح بروتزكو بقوله: "ومع ذلك، تبدأ تحليلاتي الإحصائية بإظهار دليل على الفكرة القائلة بأن الذكاء قد لا يكون العامل المسبب الذي نفترض بأنه السبب في أن الذكاء في سن معين يسبب الذكاء في سن آخر- في الأقل، لا ينطبق هذا على الأطفال. من غير المرجح أنني لو حصلت على زيادة في ذكائي فإنني سأعيش حياة مختلفة عن هذه التي أعيشها الآن. هذا العمل الذي نقوم به يجب أن يُجرى أيضًا على البالغين من أجل أن نفصل الذكاء في سن معينة كسبب للذكاء في سن أخرى، ولكنني أظن أن هذا التحليل الإحصائي الذي نقوك به يبدأ في توفير أدلة على تعارض فكرة السببية تلك".

هذه الورقة هي الثانية بورقتين نشرهما بروتزكو عن أثر التلاشي. وكلتاهما وضحت نموذج التفاعل أحادي الاتجاه unidirectional reaction model، والذي يقترح أن الذكاء يمكنه التكيف من أجل التوافق مع الحاجات البيئية المتزايدة، ولكن عندما تتوقف هذه الحاجات عن الوجود، يعود الذكاء إلى المستوى السابق.

قال برتزكو: "ليست زيادة حاصل الذكاء زيادة لحظية على نتائج الاختبار، كما أنها ليست بدون آثار مصاحبة لها على الذكاء الكامن وراءها. فبينما يمكن زيادة نتائج حاصل الذكاء والذكاء العام عن طريق تدخلات بيئية محدده مسبقًا، إلا إن أي زيادة لا تكون دائمة، وستتلاشى مع الوقت".

وأوضح بروتزكو أن تحليلاته الإحصائية لا توحي بأن التدخلات الموجهة نحو تحسين التطور الفكري هي تدخلات عديمة النفع ومقدر لها أن تفشل. ويقول: "أعتقد أنه يبقى أمرًا جيدًا أن تتدخل، وأن تحاول تغيير مسار هؤلاء الأطفال".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات