الخلايا العصبية تشل جسم الإنسان أثناء النوم

يثبط دماغ الإنسان النائم جهازه الحركي، خلال مرحلة REM (الحركات العينية السريعة أثناء النوم، وهي إحدى مراحل النوم، وترتبط بوجود حركة سريعة للعين – فريق الترجمة)، وهذا ما يجعل النائم مشلولاً تماماً. حدّد باحثون من مركز الأبحاث لعلم الأعصاب في مدينة ليون Centre de Recherche en Neurosciences de Lyon في فرنسا مجموعة الخلايا العصبية التي وظيفتها شل العضلات مؤقتاً.

 

صمم العلماء نموذجاً حيوانياً سيساعد في تسليط الضوء على أسباب اضطرابات النوم المتناقضة، وبالأخص على السبب الذي يمنع هذا الشلل. وسيكون أيضاً ذا فائدة أكبر في دراسة مرض باركنسون Parkinson's disease، حيث أن الآلية الإمراضية متقاربة.

نُشر هذا البحث في 12 كانون الأول/ديسمبر 2016 على الموقع الإلكتروني لدورية Brain.

سنتحدث عن اضطراب سلوكي يحدث في مرحلة الحركات العينية السريعة أثناء النوم، ويسمى "اضطراب السلوك النومي الريمي من النوع الأول" REM Sleep Behavior Disorder1 واختصاراً (RBD). ونجد فيه المرضى رغم أنهم غارقون في نوم عميق، إلّا أنهم يتكلمون ويتحركون وحتى يسقطون عن أسرتهم، يصيب هذا الاضطراب غالباً الأشخاص حول عمر الخمسين.

 

تكون العضلات في الحالة الطبيعية في حالة راحة خلال مرحلة "حركة العين السريعة" من النوم، أما عند هؤلاء المرضى فلا تُشل عضلاتهم، ويبقى السبب وراء هذا الاضطراب مجهولاً. كما تُلاحظ على النائمين حركات غير طبيعية، ويعكس ذلك على الأرجح وجود فعالية حركية في الحلم الذي يرونه.

اتخذ فريق الأبحاث من مركز علم الأعصاب في ليون، بالتعاون مع جامعتي كلاود بيرنارد وجون مونيت (CNRS/INSERM/Université Claude Bernard Lyon 1/Université Jean Monnet) خطوة أخرى أيضاً لتوضيح آلية حدوث هذا الاضطراب، فقد حدّد الباحثون موقع الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكّم بعملية شل الجملة الحركية أثناء مرحلة "حركة العين السريعة"، وهي خلايا عصبية موجودة في النواة تحت الوحشية الظهرانية sublaterodorsal nucleus من الدماغ.

بالاستعانة بفئران التجربة، استهدف الباحثون مجموعة الخلايا العصبية هذه بدقة، وحقنوا الفأر بمادة هي عبارة عن نواقل فيروسية معدّلة جينياً. فما أن تصل هذه المادة إلى الخلايا العصبية، حتى تحجب الجين المسؤول عن التعبير عن عملية إفراز مادة الغلوتامات (ناقل عصبي منشط في الدماغ) وتمنع في نهاية المطاف إفراز الغلوتامات من المشبك العصبي.

 

في الصورتين C و D: نشاهد الخلايا العصبية (باللون البني) عند فأر تجربة عالجه العلماء بالنواقل الفيروسية، ولكنها غير قادرة على إفراز مادة الغلوتامات glutamate (غياب اللون الأسود في الصورة) حقوق الصورة: Sara Valencia Garcia / Patrice Fort, (CNRS).
في الصورتين C و D: نشاهد الخلايا العصبية (باللون البني) عند فأر تجربة عالجه العلماء بالنواقل الفيروسية، ولكنها غير قادرة على إفراز مادة الغلوتامات glutamate (غياب اللون الأسود في الصورة) حقوق الصورة: Sara Valencia Garcia / Patrice Fort, (CNRS).

 

سيؤدي العجز عن إفراز هذا الناقل إلى منع الخلايا العصبية من التواصل فيما بينها، مما يعني أنها تنفصل عن باقي أجزاء الجملة العصبية الدماغية الضرورية من أجل شل الجهاز العضلي أثناء مرحلة "حركة العين السريعة".

على مدى 50 سنة، اعتبر المجتمع العلمي أنّ الخلايا العصبية المفرزة للغلوتامات هي التي تنشئ حركة العين السريعة نفسها. إلا أن هذا الفريق أبطل هذه الفرضية عبر التجربة التي أجراها، فرغم غياب الفعالية في دارة الخلايا العصبية عند الفئران، إلا أنها لا تزال تمر ضمن مرحلة "حركة العين السريعة".

 

كما أن الفئران تغفو وتنفصل عن العالم الخارجي بسرعة وأعينها مغلقة، ولكن هذه الفئران لم تكن مشلولة.

 

يذكّرنا سلوكهم هذا بالصورة السريرية التي نلاحظها عند المرضى الذين يعانون من اضطراب السلوك النومي الريمي من النوع الأول المذكور أعلاه.

 

تلعب الخلايا العصبية المفرزة للغلوتامات (وهي المستهدفة في هذه الدراسة) دوراً أساسياً في شلل العضلات الذي يحدث في مرحلة "حركة العين السريعة" من النوم، وتذكر التقارير أنها أولى الخلايا العصبية المتضررة في المرض العصبي المذكور آنفاً.


يتجاوز هدف هذا البحث خلق نموذج يحاكي مشاكل النوم في المرحلة قبل السريرية، حتى أنه قد يكون ذا أهمية كبرى في دراسة الأمراض العصبية التنكسية. وقد أظهر بحث سريري حديث أن المرضى المشخصين بالـ RBD تتطور لديهم -بمعدل عشر سنوات لاحقاً، وبشكل دائم تقريباً- أعراض مرض باركنسون.

 

ويحاول الفريق الآن تطوير نموذج حيواني بإمكانه أن يتجاوز في فائدته دراسة نموذج المشاكل النومية ليحاكي مرض باركنسون مستقبلاً، وذلك من أجل فهم كيفية حدوث التنكس العصبي.


تصدر الخلايا العصبية من النواة تحت الوحشية الظهرانية تألقاً أحمرَ تلقائياً، ما يشير إلى أن النواقل الفيروسية قد أضيفت بنجاح.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات