أجسام مضادة تستهدف تراكيب بروتينية موجودة في الأمراض العصبية

نوع جديد من الأجسام المضادة يستهدف صفة مشتركة للبروتينات، يُعتقد أنها السبب في الضرر الأكبر في داء آلزهايمر وداء باركنسون وما يشبهُهما من الأمراض العصبية، موفّرًا بذلك إمكانية لأسلوب علاجي موحد. هذه هي نتائج الدراسة التي أجراها باحثون في كلية الطب في جامعة نيويورك، والتي نشرت إلكترونيا في 29 آب/أغسطس في دورية Scientific Reports.

الدراسة الجديدة مبنية على عقود من الدراسات التي تسوق أدلةً على أن مساهمة البروتينات الرئيسة (من مثل الأميلويد بيتا والبروتين تاو في داء آلزهايمر، والسينوكلين ألفا في داء باركنسون، والبروتينات البريونية في حالات من مثل جنون البقر) في الأمراض يكون سببُها الأشكال السامة التي تملك تركيبًا مشتركًا، وهو حزم من صفائح بيتا في البروتينات المتجمعة.

يقول المؤلفون إن التجارب التي أجريت على عينات نسيجية أخذت من جثث مرضى مصابين بهذه الأمراض ومن فئران حية أظهرت كيف أن الأجسام المضادة التي درسوها تستهدف الأشكال السامة فقط من البروتينات، بدون إحداث أثر سمي مناعي (وهو الأثر الذي يحبط جهود تطوير المعالجة حتى هذه اللحظة).

يقول المؤلف المُعقّب فيرناندو غوني Fernando Goni، الحاصل على شهادة الدكتوراه وهو بروفيسور بحثي مساعد في قسم طب الأعصاب في كلية الطب بجامعة نيويورك: "في الظروف الراهنة، حيث فشلت الكثير من العلاجات في الدراسات السريرية على مدى 15 عامًا، يجب أن تثير اهتمامَ زملائِنا والقائمين على الصناعاتِ الحقيقيةُ القائلةُ إنّ نهجنا لا يزال فاعلا تحت الاختبارات الصارمة، حتى لو كان يتعارض مع التفكير التقليدي".

يقول المؤلف المعقب توماس ويسنيوسكي Thomas wisniewski، وهو طبيب، ومدير مركز علوم الأعصاب الإدراكية في معهد سليبيرستين لـ"آلزهايمر" ومركز نيويورك لمرض آلزهايمر التابع لجامعة نيويورك: "صحيح أن هناك عددًا من المراحل علينا تخطيها قبل أن يصير هذا العمل جاهزًا للاختبارات السريرية، لكن نتائجنا تشير إلى أن هذه الأجسام المضادة قد توقف آليات مرضية مهمة في العديد من الأمراض العصبية وبغض النظر عن مرحلة المرض".

طريقة جديدة


تركّز الدراسة على بروتينات تشكِّل بُنى مهمة في الدماغ. بعد أن تتركب البروتينات من الأحماض الأمينية، تنطوي في أشكال معقدة لكي تقوم بعملها. وللأسف، قد يحدث للبروتينات خلل في عملية الطي لأسباب عدة (كخلل جيني، أو سموم، أو عمليات خلوية مرتبطة بتقدم العمر، أو التهاب، إلخ) والتي تسبب في نهاية المطاف المرض الذي تتناوله الدراسة الحالية. تموت الخلايا والنسج عندما تتوقف البروتينات مشوهة الشكل عن العمل وتتراكم، ولكن الدراسة عانت في تحديد أي هذه الأشكال المتحولة يجب عليها استهدافها على أنها السبب الرئيس للمرض.

سعت جهودٌ بحثية كثيرة، بما فيها الدراسة الحالية، لتصميم أجسام مضادة، والتي هي عبارة عن بروتينات مناعية لها القدرة على الارتباط وإزالة الجزيء المُستهدف والمتعلق بالمرض. استخدمت المحاولات السابقة والجارية أجسامًا مضادة تستهدف مرحلة مبكرة في تكون البروتين، والتي استهدفت السلاسل القصيرة للأحماض الأمينية التي تعتبر أساسيةً في تكوين البروتين سيئ الطي، والتي هي عبارة عن وحدات تركيبية أحادية (مونومر)[1] من كل بروتين سيء الطي[2].

كما استهدف آخرون اللُييفات[3] الموجودة في المراحل النهائية من تشكل البروتين، وكل منها مصنوع من آلاف المونمرات، والتي تتجمع بشكل لويحات plaques وحبيكات tangles بحيث لا يمكن للأنسجة القضاء عليها. ولم ينتج عن أي من النهجين علاجات فاعلة.

وفي ضوء ذلك قام كل من العالمين غوني وويسنيوسكي وزملائهما بتصميم أجسام مضادة ليستهدفوها بدلًا من استهداف الأوليغومرات[4] التي تتشكل عندما ترتبط عدة مونومرات سيئة الطي مع بعضها وتأخذ شكل الصفيحة بيتا[5]، ولكنها ليست كبيرة بما يكفي لتكون اللُّيَفْات.

يقول العديد ممن لهم علاقة بهذا المجال إن هذه الأشكال الوسيطة قد تكون سامة بشكل فريد؛ لأنها تستطيع أن تذوب وتدخل وتخرج من وإلى الخلايا، وأيضًا الانتقال من خلية لأخرى، وهي بذلك تختلف عن اللُّيفات التي لا تستطيع القيام بأي من هذه العمليات. قد تفسر قابلية الحركة هذه التقدم الشبيه بتقدم الأمراض البريونية[6] والذي نراه في الأمراض المتعلقة بالبروتينات سيئة الطي، حيث تتسبب البروتينات غير الطبيعية بسوء طي في البروتينات السليمة، كما الدومينو، وهو ما يسبب ضررًا في الخلايا العصبية واتصالاتها في الدماغ.

وبشكل مهم، فإن السلاسل الملتفة من الأحماض الأمينية، والتي تحتوي على الصفائح بيتا في تركيبها، هي التي تهيمن على الأوليغومرات السامة المتزايدة من نوع الأميلويد بيتا وتاو والسينوكلين ألفا وبروتين البريون.

من أجل تصميم أنواع جديدة من الأجسام المضادة، ركز الفريق جهوده على ببتيد صغير مكون من 13 حمضًا أمينيًا مشتقًا من الداء النشواني البريطاني British amyloidosis شديد الندرة، وهو غير متواجد عند بقية السكان، وقاموا بتحويله إلى أوليغومر كبير وثابت مع بنية تحوي من الصفائح بيتا بنسبة تزيد عن 90% (واسمه المستمنع[7] "P13Bri") والذي يمكن الآن رؤيته في النظام المناعي للثدييات.

كما أنها أثارت استجابة خاصة لأجسام مضادة بحيث حلت بعض المشاكل المواجهة مع المقاربة القياسية. وبتمنيع العلماء الفئرانَ بجرعات عالية من الجزيء P13Bri، أجبروها على إنتاج أجسام مشادة نادرة جدًا ضد صفائح بيتا في الأوليغومرات السامة.

يقول الباحثون إنّ أجسامهم المضادة النادرة، والتي تتفعل عن طريق قطع من البروتين تشاهد فقط في الأمراض النادرة، لديها فرصة معدومة تقريبًا في إطلاق استجابة مناعية غير مرغوب بها ضد البروتينات الطبيعية والتي لها تسلسل مشابه (وهو ما يعرف بالتسمم الذاتي)، وهو ما يعتبر سبب فشل العديد من المحاولات السابقة.

وأخيرًا، قام الباحثون بفحص أجسامهم المضادة الأساسية ضد النسج المأخوذة من دماغ المصابين بداء آلزهايمر وداء باركنسون وداء البريونات، واختيرت ستة فقط من الأجسام المضادة أحادية النسيلة[8] والتي تفاعلت مع أوليغومرات سامة من بروتينين سيئي الطي على الأقل للمزيد من الدراسة.

يقول غوني: "تفصل هذه الدراسة أول نظام لتصنيع أجسام مضادة تستهدف الأوليغومرات السامة للبروتينات سيئة الطي فقط، والتي يغلب على تركيبها صفائح بيتا في العديد من الأمراض، وبغض النظر عن تكوين الحمض الأميني لكل مونمر يساهم في تكوين بروتين سيء الطي".

الملاحظات


[1] المونمر monomer، ويترجم أيضًا إلى "الموحود"، هو جزيء صغير نسبيًا يمكنه الارتباط بمونمرات أخرى لتشكيل البوليمر (أو المكثور). وأما المعنى الحرفي لكلمة monomer فهو الجزيء "ذو الوحدة الواحدة"، أو "وحيد الوحدات".

[2] الطي هو عملية تنثني بها البروتينات على نفسها بعد أن تُصنع، وطريقة الطي مصممة بحيث تكون مناسبة لعمل البروتين، ولو اختلف الطي لاختلفت وظيفته، وعلى الأرجح أن يفقد وظيفته لو كان طيه سيئًا، وهذا قد يؤدي للعديد من الأمراض.

[3] اللُّيَيْف = تصغير "ليف"، وهو عبارة عن ليف دقيق.

[4] الأوليغومر oligomer، وهو جزيء بين المونمر والبوليمر من حيث عددُ الوحداتِ المكونةِ له، وتعني كلمة oligomer حرفيًا "قليل الوحدات".

[5] الصفيحة بيتا: هو شكل مشهور في تكون البروتينات، حيث تصطف الأحماض الأمينية في سلاسل مستقيمة يصطف بعضها فوق بعض، بحيث تبدو بشكل صفيحة عند النظر إليها من أعلى.

[6] البريونات هي أجزاء بروتينية تستطيع التسبب بالأمراض. ومن أشهر الأمراض التي تتسبب بها بريونات مرض جنون البقر ومتلازمة ياكوب-كريتسفيلد.

[7] المُستمنع، immunogen هو جزيء قادر على إحداث استجابة مناعية، ومن أمثلته البكتيريا والفيروسات والبروتينات التي أنتجها العلماء هنا. واسمه الآخر هو المستضد أو الأنتيجين antigen.

[8] الأجسام المضادة أحادية النسيلة هي أجسام مضادة تنتج عن طريق هندسة خلايا B لتحفيزها لإنتاج أجسام مضادة ذات صفات محددة، ويفيد ذلك في التحكم في الجسم المضاد المنتج، والتحكم في شكل المكان الفعال بدقة أكثر.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات