نماذج حاسوبية جديدة تُظهر كوكبًا يولد أمواجًا في الأقراص الحطامية القريبة

تكشف عمليات المحاكاة الجديدة التي أجرتها وكالة ناسا باستخدام حاسب آلي فائق (supercomputer) لكوكب وقرص حطامي حول النجم القريب بيتا بيكتوريس (Beta Pictoris)، عن أن حركة الكوكب تؤدي إلى تشكل أمواج حلزونية داخل القرص، وهي ظاهرة تتسبب في حدوث تصادمات بين أجزاء الحطام الدوّار. ويبدو أن الأنماط الموجودة في هذه التصادمات والغبار الناتج عنها تفسر العديد من المميزات المرصودة في أبحاث سابقة لم يتمكن أحد من شرحها بشكلٍ كامل.

وصرحت إيريكا نيسفولد Erika Nesvold، عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة ميريلاند، المطور المشارك في عملية المحاكاة: "قمنا بتصميم نموذج حاسوبي افتراضي لنجم بيتا بيكتوريس، وراقبنا كيفية تطوره على مدار ملايين الأعوام. وهذه هي أولى النماذج ثلاثية الأبعاد الكاملة التي يتم إنجازها لقرصٍ حطامي، حيث يُمكننا رصد تطور المظاهر غير المتناظرة الناتجة عن الكواكب من خلال هذا القرص، مثل الحلقات المفتولة واللامركزية، ويُمكننا أيضًا تعقب التصادمات بين الجسيمات في الوقت نفسه".

يذكر أنه في العام 1984 أصبح نجم بيتا بيكتوريس ثاني النجوم التي نعرف أنها محاطة بقرص لامع من الغبار والحطام. ويُقدر عمر هذا النجم، الواقع على بعد 63 سنة ضوئية، بنحو 21 مليون سنة، أي أقل بنحو 1% من عمر نظامنا الشمسي.

يُقدم هذا النجم لعلماء الفلك "مقعداً في الصف الأمامي" لمشاهدة تطور الأنظمة الكوكبية الشابة، ويبقى هذا النظام واحدًا من أقرب الأمثلة إلينا وأكثرها شبابًا، وهو أفضل ما تم دراسته حتى الآن.

يحتوي القرص الذي نشاهده بمسقطه الجانبي على شظايا من الصخور والجليد، والتي يتفاوت حجمها بين الكبيرة التي يفوق حجمها المنازل، وصولاً إلى الحبيبات بحجم جسيمات الدخان، ويُعتبر أيضاً النسخة الأكثر شباباً من حزام كايبر (Kuiper belt) الموجود على تخوم نظامنا الكوكبي.

عرضت نيسفولد وزميلها مارك كوشنر Marc Kuchner، عالم الفيزياء الفلكية من مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا في غرينبلد بميريلاند، هذه الاكتشافات أثناء مؤتمر In the Spirit of Lyot 2015 في مونتريال. وتُركز الدراسة على الكشف المباشر للكواكب والأقراص حول النجوم البعيدة، وتم قبول ورقة علمية تصف النتائج للنشر في مجلة Astrophysical Journal





يناقش كل من إيريكا نيسفولد ومارك كوشنر كيف تساعد المحاكاة الحاسوبية التي قاما بتصميمها الفلكيين على فهم منظومة نجم بيتا بيكتوريس.

المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center



في العام 2009 أكد علماء فلك وجود بيتا بيكتوريس ب (Beta Pictoris b)، وهو كوكبٌ تُقدر كتلته بنحو تسعة أضعاف كتلة كوكب المشتري، ويتضح ذلك في القرص الحطامي المحيط ببيتا بيكتوريس، ويدور هذا الكوكب حول نجمه على مسافة تعادل البعد بين زحل والشمس، وهو يتبع مداراً متطاولاً ومائلاً، ويحتاج إلى عشرين سنة لإتمام دورة كاملة.

وقد بذل علماء الفلك مجهوداً كبيراً لتفسير المظاهر المتنوعة المشاهدة في القرص، بما في ذلك الإنحناء الظاهر في الأطوال الموجية دون الميليمترية، والشكل المشابه للحرف X الذي شوهد في الضوء المتشتت، والتكتلات الهائلة المكونة من غاز أحادي أكسيد الكربون.

ومن المعروف أن أحادي أكسيد الكربون، والذي يعد أحد العناصر الشائعة في المذنبات، يُفنى عند تعرضه للضوء النجمي فوق البنفسجي خلال بضع مئات من السنين. ولتفسير السبب الكامن وراء تكتل الغاز، فقد اقترحت دراسات سابقة أن هذه التكتلات قد تكون دليلًا على حطام جليدي يحتشد حول كوكبٍ ثانٍ لم يُشاهد بعد، مما يؤدي إلى ظهور عدد مرتفع بشكلٍ استثنائي من التصادمات التي تُنتج أحادي أكسيد الكربون، وربما يتكوّن هذا الغاز بفعل تصادمات غير مألوفة بين عوالم جليدية بحجم المريخ.

يقول كوشنر: "تقترح محاكاتنا أنه من الممكن تفسير العديد من هذه المميزات بوجود زوج من الموجات الحلزونية المُثارة في القرص، والناجمة عن حركة نجم بيتا بيكتوريس ب وجاذبيته. وبشكلٍ مشابه لرمي قذيفة صاروخية في حوض مياه، فإن الكوكب قد أدى إلى إحداث تغيرات هائلة في القرص الحطامي حالما وصل إلى مداره الحالي".

يظهر في الصورة مقارنة بين مشهدين لنجم بيتا بيكتوريس والضوء المتشتت، الأول تمت مشاهدته من قبل تلسكوب هابل الفضائي، والثاني هو الناتج عن عملية المحاكاة. المصدر: في الأعلى: NASA/ESA and D. Golimowski/Johns Hopkins University، في الأسفل: NASA Goddard/E. Nesvold and M. Kuchner.
يظهر في الصورة مقارنة بين مشهدين لنجم بيتا بيكتوريس والضوء المتشتت، الأول تمت مشاهدته من قبل تلسكوب هابل الفضائي، والثاني هو الناتج عن عملية المحاكاة. المصدر: في الأعلى: NASA/ESA and D. Golimowski/Johns Hopkins University، في الأسفل: NASA Goddard/E. Nesvold and M. Kuchner.


إن تتبع آلاف الجسيمات التي تجزأت على مدار ملايين الأعوام هي مهمة حسابية صعبة للغاية، والنماذج الحالية هي إما غير مستقرة بشكلٍ كافٍ على مدار الكثير من الأعوام، أو أنها تحتوي على تقريبات قد تؤدي إلى إخفاء بعض البُنى التي يبحث عنها نيسفولد وكوشنر. 

وقد طور العلماء بالمشاركة مع مارغريت بان Margaret Pan، وهانو راين Hanno Rein من جامعة تورنتو، طريقةً يُمثل فيها كل جسيم في عملية المحاكاة عنقوداً من الأجسام ذات الأحجام المختلفة والحركات المتشابهة. وعبر تعقب تفاعلات هذه "الجسيمات الفائقة" (superparticles) يستطيع العلماء معرفة كيفية إنتاج الغبار عن طريق التصادمات الحاصلة بين تريليونات الشظايا، وكيف تقوم بالاجتماع مع القوى الأُخرى في القرص، وتشكيلها في الأنماط المشاهَدة بواسطة التلسكوب. وتُخفض هذه التقنية التي تُعرف باسم "خوارزمية طريقة الجسيمات الفائقة للتصادمات الحاصلة في أحزمة كايبر"  (Superparticle-Method Algorithm for Collisions in Kuiper belts) أو اختصاراً (SMACK)، من الزمن اللازم لتشغيل مثل هذه الحسابات المعقدة بشكلٍ كبير.

وباستخدام الحاسب الفائق المعروف باسم Discover المتواجد في مركز محاكاة المناخ في غودارد، التابع لوكالة ناسا، فقد استمر نموذج نجم بيتا بيكتوريس المدعوم ببيانات SMACK بالعمل على مدار أحد عشر يومًا، وتعقّب تطوّر مائة ألف جسيم فائق طوال فترة حياة القرص. 

ومع تحرك الكوكب على طول مساره المائل، فإنه يعبر بشكلٍ عمودي داخل القرص لمرتين في كل دورة، وتُثير جاذبيته موجةً حلزونيةً عموديةً في القرص، وينكمش الحطام الموجود في قمم واختناقات الأمواج ويصطدم مع بعضه البعض هناك، مما يُفسر الشكل المشابه للحرف X المشاهَد في الغبار، وقد يساعد هذا على تفسير تكتّلات أحادي أكسيد الكربون. 

ويعتبر مدار الكوكب لامركزياً بدرجة خفيفة، مما يعني أن بعده عن النجم يتغير قليلاً في كل مدار، وتُثير هذه الحركة الحطام بحيث تؤدي إلى حدوث موجة حلزونية ثانية في مقدمة القرص. وتزيد هذه الموجة الثانية من عدد التصادمات في المناطق الداخلية من القرص، مما يؤدي إلى إزالة الشظايا الأكبر عبر تفتيتها أكثر. وقد ذكر علماء الفلك وجود عملية تنظيف مشابهة للحطام الكبير القريب من النجم في القرص الحقيقي.

في هذا الصدد تقول نيسفولد: "إن أحد الأسئلة المُقلقة المتعلقة ببيتا بيكتوريس هو: كيف انتهى المطاف بالكوكب في مثل هذا المدار الغريب؟"، مضيفة: "تقترح عملية المحاكاة التي أجريناها أنه قد وصل إلى هناك قبل عشرة ملايين عام، ومن المحتمل أن ذلك حصل بعد التفاعل مع كواكب أُخرى تدور حول النجم ولم نكتشفها حتى الآن".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات