النيوترونات محور أبحاث حول الأكوان الموازية

لا يوجد دليل يشير إلى أن نيوترونات ILL تنتقل لكون مجاور.

كشف فيزيائيون من فرنسا وبلجيكا عن النتائج الأولى التي حصلوا عليها من كاشف مُصمم للبحث عن أدلة حول وجود جسيمات مصدرها كون موازٍ. وبالرغم من عدم حصولهم على معلومات مفيدة، يقول الباحثون إن تجربتهم توفر طريقة بسيطة ومنخفضة التكلفة لفحص نظريات غير النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، وطبعاً يمكن زيادة حساسية الكاشف بمقدار كبير في المستقبل. 


تتوقع عدد من نظريات الجاذبية الكمومية وجود أبعاد أخرى غير الأبعاد الأربعة التي نعرفها وهي: 3 أبعاد للمكان بالإضافة لبعد للزمان. وتصور هذه النظريات كوننا على أنه سطح رباعي الأبعاد، أو غشاء brane، موجود في جسم زمكاني لديه عدد أكبر من الأبعاد: مثل صفيحة ورق ثنائية الأبعاد موجودة على هيئة سطح ضمن أبعادنا المكانية الثلاثة الاعتيادية. ويمكن أن يحتوي هذا الجسم على أغشية متعددة تفصلها عن بعضها مسافات محددة ضمن أبعاد أكثر عددًا.

لم يجد علماء الفيزياء أي دليل تجريبي حول وجود الأغشية. ومع ذلك، قدم مايكل سارازين Michaël Sarrazin من جامعة نامور Namur في بلجيكيا وفابريس بيتي Fabrice Petit من مركز سرامك البلجيكي للبحوث Ceramic Research Centre، نموذجًا يُظهر أن الجسيمات المحصورة بالعادة في غشاء واحد، يجب أن تَعبر من الغشاء إلى غشاء مجاور بين الحين والآخر عبر نفق كمومي. ويقولون أيضا إن النيوترونات يجب أن تتأثر بشكل أكبر من الأجسام المشحونة، نظراً لأن التفاعلات الكهرومغناطيسية تعمل على إعاقة الانتقال عبر الانفاق الكمومية.

الجار الأقرب 



شكل الباحثون الآن فريقاً مع علماء فيزياء من جامعة غرونوبل الفرنسية وآخرين من جامعة نامور لاختبار نموذجهم. ويتطلب هذا الأمر تركيب كاشف هيليوم 3 (helium-3) على بعد أمتار قليلة من مفاعل نووي في معهد لاو-أنجيفين Institut Laue-Langevin، أو اختصارًا (ILL) في مدينة غرونوبل Grenoble، ومن ثم تسجيل عدد النيوترونات التي يعترضها. وتكمن الفكرة في أن النيوترونات المنبعثة من المفاعل ستكون في حالة تراكب كمومي: أي بمعنى أنها ستكون متواجدة في غشائنا والغشاء المجاور لنا في نفس الوقت (متجاهلين تأثير الأغشية الأكثر بعدًا). وطبعا تنهار التوابع الموجية wavefunctions الخاصة بالنيوترونات إلى واحدة من الحالتين عند الاصطدام بالنوى الموجودة داخل مهدئ الماء الثقيل المحيط بنواة المفاعل.

ينتهي الأمر بمعظم النيوترونات في الغشاء الخاص بنا، لكن جزءاً صغيرًا منها سيدخل في الغشاء المجاور. وحسبما يقول المنطق، ستهرب هذه النيوترونات من المفاعل، بعكس النيوترونات التي في الغشاء الخاص بنا، لأن تفاعلها مع الماء ودرع الخرسانة المحيط بها ضعيف جدًا. وبالرغم من ذلك، يمكن أن تعود لعالمنا عبر اصطدامها بنوى الهيليوم في الكاشف، نظرًا لأن جزءًا صغيرًا من توابع النيوترونات الموجية هذه سيبقى في الغشاء الخاص بنا حتى بعد الانهيار المبدئي. بمعنى آخر، ستكون هناك فرصة صغيرة ولكن محدودة بذهاب بعض النيوترونات المنبعثة من المفاعل لأكوان أخرى قبل ظهورها مرة أخرى في كوننا، وهكذا يتم تسجيل الأحداث في الكاشف.


ومن جهته، يقول سارازين إن أكبر تحدٍ في تنفيذ هذه التجربة كان تقليل تدفق الخلفية الكبير من النيوترونات الذي يسببه التسريب من المعدات القريبة من حجرة المفاعل. وقد قام بهذا مع زملائه عن طريق تطويق الكاشف بصندوق بولي ايثيلين يعمل كدرع متعدد الطبقات -سمك 20 سم - من الخارج، بهدف تحويل النيوترونات السريعة إلى نيوترونات حرارية، ومن ثم وضعوا صندوق بوروم في الداخل للإمساك بالنيوترونات الحرارية. وكنتيجة لذلك، قلل هذا التدريع من تدفق الخلفية بجزء من المليون تقريبًا. 

إذا توافق مقياس طاقة الغشاء مع مقياس طاقة بلانك، فعندئذ، لن يكون هناك أمل في رصد هذا النوع من الظواهر الفيزيائية الجديدة في المصادم. 

 

الحد الصارم الأعلى



سجل سيرازن وزملاؤه عددًا قليلًا ومهمًا من الأحداث بعد تشغيل الكاشف لخمسة أيام في شهر يوليو/ تموز من عام 2015. ويقول الباحثون: "إن كانت هذه الظواهر من بقايا تدفق الخلفية، فهي لا تشكل دليلًا بخصوص النيوترونات المخفية". ولكنها في المقابل تتيح الوصول لحد أعلى جديد فيما يتعلق باحتمال دخول نيوترون إلى كون موازٍ عند اصطدامه بنواة، يساوي 1 من مليارين، وهو أكثر صرامة بـ15 ألف مرة من الحد الذي توصل إليه الباحثون في دراسة النيوترونات المخزنة فائقة البرودة. ويوضح الباحثون أيضاً أن الحد الجديد يدل على أن المسافة بين الأغشية يجب أن تكون أكبر بـ87 مرة من طول بلانك الذي يقدر بـ1.6 × 10–35 متر.


وفي محاولة لتحديد ما إذا كانت أي من الظواهر المتبقية يمكن بالفعل أن تكون نتيجة نيوترونات مخفية، يخطط سارازين وزملاؤه لتنفيذ اختبارات أكثر وأطول في معهد ILL في غضون سنتين تقريبًا. ويشير سارازين إلى أن هذه الاختبارات لا يمكن استعمالها لاستبعاد فكرة وجود أغشية مخفية، وسبب ذلك يكمن في أن النموذج الخاص بهم لا يتنبأ بقوة الاقتران مابين الغشائي (inter brane coupling). وعلى العكس من ذلك، يقول سارازين أنهم يستطيعون تقديم دليل واضح لدعم وجود الأغشية، وهو أمر ربما من غير الممكن تحقيقه عبر مصادم الهادرونات الكبير في سيرن. ويستطرد قائلًا: "إذا توافق مقياس طاقة الغشاء مع مقياس طاقة بلانك، فعندئذ لن يكون هناك أمل في رصد هذا النوع من الظواهر الفيزيائية الجديدة في المصادم". 


يؤيد أكسل ليندنر Axel Lindner من مسارع DESY هذا البحث، وهو يجري تجارب "جسيمات مضيئة عبر الحائط" مماثلة (لكن باستخدام الفوتونات بدل النيوترونات). ويعتقد ليندنر أن هذا البحث مهم جدًا لاستكشاف أفكار "مجنونة" مثل هذه تجريبيًا، بالرغم من المؤشرات المحدودة المتوافرة حاليًا حول ما يمكن أن يحل محل النموذج القياسي. يضيف قائلا:" نريد أن نعرف ما إذا كانت إشارات النيوترونات المرصودة تنتسب لشعاع الخلفية أم أن هناك شيء آخر وراء ذلك". 

 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الهليوم (helium): ثاني أخف العناصر الكيميائية وثاني أكثر العناصر الكيميائية وفرةً. تتألف ذرة الهليوم النموذجية من نواة مكونة من بروتونين ونترونين محاطة بالكترونين. تم اكتشاف الهليوم للمرة الأولى في شمسنا، حيث تصل نسبة الهليوم في الشمس إلى ما يُعادل 25% من كتلتها. المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات