الإكسيتونيوم: شكل جديد من المادة يثير فضول علماء الفيزياء!

تخيل فني للإكسيتونات الجماعية لمادة صلبة إكسيتونية. ويمكن اعتبار هذه الإثارات كجدران لمجال النشر (باللون الأصفر) في خلفية إكسيتونية صلبة مرتبة (باللون الأزرق). Credits: Peter Abbamonte، U. of I. Department of Physics and Frederick Seitz Laboratory Research Laboratory

تسبب الإكسيتونيوم في حماس فريق من الباحثين في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، فقد أثبت أستاذ الفيزياء بيتر أبامونتي Peter Abbamonte وطلاب الدراسات العليا أنشول كوغار AnshulKogar وميندي راك Mindy Rak، بالتعاون مع زملاء آخرين في جامعة إلينوي، وجامعة كاليفورنيا بيركلي، وجامعة أمستردام وجود هذا الشكل الجديد الغامض من المادة، الذي حيّر العلماء منذ أن وُضعت النظرية أول مرةٍ قبل ما يقرب من 50 عامًا.

ولقد درس الفريق بلوراتٍ غير شائبةٍ Non-Doped من الفلز الانتقالي المُحلل كثيرًا ديكالكوغينايت تيتانيوم ديسالينيد (Dichalcogenide Titanium Diselenide (1T-TiSe2 وحصلوا على النتائج المدهشة خمس مراتٍ على بلوراتٍ ملصوقةٍ مختلفةٍ. وفي جامعة أمستردام قدّم أستاذ الفيزياء جاسبر فان ويزلJasper van Wezel التفسير النظري الحاسم للنتائج التجريبية.

فما هو الإكسيتونيوم بالضبط؟


الإكسيتونيوم هو مُتكثفٌ condensate، يسلُك سلوكًا كموميًّا عيانيًا غريبًا كسلوك الموائع الفائقة أو المُوصِّلات الفائقة، أو حتى البلُّورات الإلكترونيّة العازِلة.حيث يتكون من إكسيتونات excitons، وهي جسيماتٌ تتشكل في اقترانٍ ميكانيكيٍّ كمّيٍّ غريبٍ جدًّا، أيّ عند هروب إلكترون تاركًا ثقبًا خلفه.

يعتبر وجوده تحدياً للمنطق، ولكن اتضح أنه عندما يكون الإلكترون واقعًا على حافة نطاق التكافؤ المزدحم بالإلكترونات في أشباه الموصلات، فإنه يُثار ويقفز عبر فجوة الطاقة إلى نطاق التوصيل الخالي، حيث يترك وراءه "ثقبًا" في نطاق التكافؤ. ويتصرف هذا الثقب كما لو كان جسيمًا مع شحنةٍ موجبةٍ، ويجذب الإلكترون الهارب. وعندما يتحد الإلكترون الهارب بشحنته السالبة مع الثقب، يكوّنان جسيمًا مركبًا، وهو البوزون-الإكسيتون.

في حقيقة الأمر، فإنّ الخصائص التي تشبه الجسْيم في الثقوب تُعزى إلى السلوك الجماعي لحشد الإلكترونات المحيط، مما يجعل الاقتران أكثر غرابةً وروعةً.

لماذا استغرقنا 50 عامًا لنكتَشف الإكسيتونيوم في المواد الحقيقية؟


حتى الآن، لم يكن لدى العلماء الأدوات التجريبية للتمييز إيجابيًا فيما إذا كان الإكسيتونيوم لم يكن في الواقع مرحلة بيرلز Peierls. وعلى الرغم من أنها غير مرتبطةٍ تمامًا بتكوين الإكسيتون، فإنّ مراحل بيرلز وتكثيف الإكسيتونات تتشابه في التناظر والخواص الملحوظة، حيث لها شكلٌ شبكيٌّ فائقٌ وفتحةٌ لفجوة طاقة ذات جسيمٍ واحدٍ.

العلاقة بين الطاقة والزخم للوضع الجماعي الإكسيتوني كما رُصد باستخدام تقنية M-EELS. حقوق الصورة: Peter Abbamonte، U. of I. Department of Physics and Frederick Seitz Laboratory Research Laboratory
العلاقة بين الطاقة والزخم للوضع الجماعي الإكسيتوني كما رُصد باستخدام تقنية M-EELS. حقوق الصورة: Peter Abbamonte، U. of I. Department of Physics and Frederick Seitz Laboratory Research Laboratory


تمكّن أبامونتي وفريقه من التغلب على هذا التحدي باستخدام تقنيةٍ جديدةٍ طوروها وهي مطياف طاقة الإلكترون المفقودة محدد الزخم Momentum-Resolved Electron Energy-Loss Spectroscopy واختصاراً (M-EELS)، وهي تقنية أكثر حساسيةً لإثارة نطاق التكافؤ من تقنيات الأشعة السينية X-ray غير المرنة أوالانتثار النيوتروني Neutron Scattering.

إذ قام كوغار بتعديل مطياف EEL، الذي يمكنه لوحده قياس مسار الإلكترون فقط، محددًا مقدار الطاقة والزخم الذي فقده، باستخدام مقياس الزوايا Goniometer، الذي يسمح للفريق بقياس زخم الإلكترون بدقةٍ كبيرةٍ في الفضاء الحقيقي. وبفضل تقنيتهم الجديدة، تمكنت المجموعة لأول مرة من قياس الإثارات الجماعية للجسيمات البوزونية ذات الطاقة المنخفضة، أي الإلكترونات والثقوب المقترنة بها، بغض النظر عن زخمها.

وبشكلٍ أكثر تحديدًا، رصد الفريق أول مرة على الإطلاق مادة طليعية لتكثيف الإكسيتون، وهي مرحلة بلازمونية خفيفة Plasmon ظهرت عند اقتراب المادة من درجة حرارتها الحرجة والبالغة 190 كيلفن. وهذه المرحلة الخفيفة من البلازمون هي دليلٌ "دامغٌ" لتكثيف الإكسيتون في مادةٍ صلبةٍ ثلاثية الأبعاد وأول دليلٍ قاطعٍ على الإطلاق لاكتشاف الإكستونيوم.

ويؤكد أبامونتي: "هذه النتيجة ذات أهميةٍ لأبعد الحدود. فمنذ أن صاغ الفيزيائي النظري بيرت هالبرين Bert Halperin مصطلح إكسيتونيوم Excitonium في ستينيات القرن الماضي، سعى الفيزيائيون إلى إثبات وجوده، وقد ناقش العلماء ما إذا كان سيكون عازلًا أو موصلًا مثاليًا أو سائلًا فائقًا، مع بعض الجدالات المقنعة لكلّ الجوانب.

ومنذ سبعينيات القرن العشرين، نشر العديد من التجريبيين دليلًا على وجود الإكسيتونيوم، لكن النتائج التي توصلوا إليها لم تكن دليلًا قاطعًا، ومن الممكن أن تُفسَّر على أنها انتقال في المرحلة البنيوية التقليدية".

وتتذكر راك اللحظة أثناء العمل في مختبر أبامونت، عندما فهمت لأول مرةٍ قيمة هذه النتائج وتقول: "أتذكر أنّ أنشول كان متحمسًا للغاية لنتائج القياسات الأولى على TiSe2. كنا نقف أمام لوحةٍ بيضاء في المختبر وكان يشرح لي أننا قمنا بقياس شيء لم يسبق لأحدٍ أن رآه من قبل وهو بلازمون خفيف".

يعمل أستاذ علم الفيزياء بيتر أبامونتي (في المنتصف) مع طلاب الدراسات العليا أنشول كوغار (إلى اليمين) وميندي راك (يسارًا) في مختبره في مختبر فريدريك سيتز لأبحاث المواد Frederick Seitz Materials Research Laboratory. حقوق الصورة: L. Brian Stauffer, University of Illinois at Urbana-Champaign.
يعمل أستاذ علم الفيزياء بيتر أبامونتي (في المنتصف) مع طلاب الدراسات العليا أنشول كوغار (إلى اليمين) وميندي راك (يسارًا) في مختبره في مختبر فريدريك سيتز لأبحاث المواد Frederick Seitz Materials Research Laboratory. حقوق الصورة: L. Brian Stauffer, University of Illinois at Urbana-Champaign.


وتابعت قائلةً: "لقد شحننا هذا الاكتشاف بالحماس طوال المشروع بأكمله. لقد سمح لي العمل الذي قمنا به على TiSe2 بمشاهدة الإمكانيات المميزة التي تحملها تقنية مطياف M-EELS لتعزيز معرفتنا بالخواص الفيزيائية للمواد، وقد حفز ذلك بحثي المستمر على TiSe2".

ويقول كوجار معترفًا أنّ اكتشاف الإكسيتونيوم لم يكن الدافع الأصلي للبحث، فقد شرع الفريق في اختبار طريقة M-EELS الجديدة على بلورةٍ متاحةٍ بسهولةٍ، زرعها طالب دراسات عليا سابقٍ يُدعى يونج إيل جو Young Il Joe في ولاية إلينوي، والآن من المعهد الوطني للعلوم القياسية والتكنولوجيا NIST. ولكنه يؤكد أن الإكسيتونيوم اكتشاف مثير وليس أمراً عابراً.

ويقول كوغار: "لقد كان الاكتشاف مصادفةً. ولكني مع بيتر كنا قد تحدثنا منذ نحو 5 أو 6 سنوات حول هذا الموضوع المتعلق بالوضع الإلكتروني الخفيف تمامًا، مع أنه في سياقٍ مختلفٍ، عن عدم استقرار بلورة فيغنر Wigner crystal. وعلى الرغم من أننا لم نفهم على الفور لماذا كان يحدث في TiSe2، كنا نعلم بالفعل أنها كانت نتيجةً مهمةً، وهي التي كانت تختمر في أذهاننا لبضع سنواتٍ".

نُشِرت النتائج التي توصل إليها الفريق في العدد الصادر بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 2017 من مجلة Science في مقالة "بصمات تكثيف الإكسيتون في مركب ديكالكوغينايت فلزي انتقاليSignatures of exciton condensation in a transition metal dichalcogenide".

ويعد هذا البحث الهام بحل المزيد من ألغاز ميكانيك الكم: فبعد كلّ هذا، دراسة الظواهر الكمومية المجهرية هي ما شكّل فهمنا لميكانيكا الكم. كما يمكن أن يسلط الضوء على الانتقال للفلزات العازلة في المواد الصلبة النطاقية، التي يُعتقد أنّ تكثيف الإكسيتون يلعب دورًا فيها. ورغم ذلك، فإنّ التطبيقات التكنولوجية الممكنة للإكسيتونيوم ما زالت أفكار متخيلة.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التحليل الطيفي (Spectroscopy): التحليل الطيفي ببساطة هو علم قياس شدة الضوء عند الأطوال الموجية المختلفة. وتُسمى المخططات البيانية الممثلة لهذه القياسات بالأطياف (spectra)، وهي المفتاح الرئيسي لكشف تركيب الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. المصدر: ناسا
  • الالكترون (Electron): جسيم مشحون سلبياً، ويُوجد بشكلٍ عام ضمن الطبقات الخارجية للذرات. تبلغ كتلة الالكترون نسبة تصل إلى حوالي 0.0005 من كتلة البروتون.

اترك تعليقاً () تعليقات