أنشأ الباحثون في جامعة دلفت للتكنولوجيا دائرة كمومية يمكنها الاستماع إلى أضعف إشارة لاسلكية تسمح بها ميكانيكا الكم، وتفتح هذه الدائرة الكمومية الجديدة الباب أمام التطبيقات المستقبلية الممكنة في مجالات عديدة مثل علم الفلك الراديوي وماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي في الطب ،(MRI)كما أنها تتيح للتجارب إلقاء الضوء على التفاعل بين مفهومي ميكانيكا الكم والجاذبية، ونُشرت النتائج في مجلة Science.
عادةً ما يكون الحل لإشارة الراديو الضعيفة هو العثور على إشارة أقوى، عن طريق اختيار محطة راديو مختلفة أو عن طريق الانتقال إلى الجانب الآخر من الغرفة، ومع ذلك ماذا لو استطعنا الاستماع بعناية أكبر؟
الإشارات اللاسلكية الضعيفة ليست مجرد تحدٍ للأشخاص الذين يحاولون العثور على محطة الراديو المفضلة لديهم، ولكنها تشكل تحدٍ أكبر لماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) في المستشفيات، وكذلك للتلسكوبات التي يستخدمها العلماء لاستكشاف الفضاء. وفي قفزة نوعية في اكتشاف الترددات الراديوية، أظهر الباحثون في مجموعة البروفيسور غاري ستيل Gary Steele في دلفت اكتشاف الفوتونات أو كوانتا الطاقة quanta of energy، وهي أضعف الإشارات التي تسمح بها نظرية ميكانيكا الكم.
قطع الكم
تقول إحدى التوقعات الغريبة لميكانيكا الكم أن الطاقة تأتي في قطع صغيرة جداً تسمى الكوانتا، ولكن ماذا يعني ذلك؟ يقول الباحث الرئيسي ماريو جيلي Mario Gely : "تخيل أنني أدفع طفلاً يتأرجح على أرجوحة؛ في النظرية الكلاسيكية للفيزياء، إذا أردت أن يتأرجح الطفل بشكل أسرع قليلاً، يمكنني أن أدفعه دفعة صغيرة، مما يمنحه مزيداً من السرعة ومزيداً من الطاقة، ولكن ميكانيكا الكم تخبرنا شيئاً مختلفاً، إذ يمكنني زيادة طاقة الطفل "خطوة كمومية" في المرة الواحدة، أي لا يمكننا الدفع بمقدار نصف هذه الخطوة".
((صورة: صورة عن طريق المجهر الإلكتروني للدائرة الكمومية التي بناها الباحثون. يتطابق عرض الصورة مع ثلث ملليمتر فقط. الحقوق: TU Delft))
وبالنسبة للطفل الذي يتأرجح، فإن هذه الخطوات الكمومية صغيرة جداً بحيث لا يمكن ملاحظتها، وحتى وقت قريب فكان الشيء نفسه ينطبق على موجات الراديو. ومع ذلك، قام فريق البحث في جامعة دلفت بتطوير دائرة يمكنها اكتشاف قطع الطاقة هذه في إشارات التردد اللاسلكي، مما يفتح إمكانية استشعار الموجات الراديوية على مستوى الكم.
من الراديو الكمومي إلى الجاذبية الكمومية؟
إلى جانب التطبيقات في مجال الاستشعار الكمومي، تهتم المجموعة في دلفت بنقل ميكانيكا الكم إلى المستوى التالي وهو الكتلة، في حين أن نظرية الكهرومغناطيسية الكمومية طُورَت قبل حوالي 100 عام، لا يزال الفيزيائيون في حيرة اليوم حول كيفية ملائمة الجاذبية مع ميكانيكا الكم.
يقول جيلي: "نريد محاولة الاستماع والتحكم في الاهتزازات الكمومية للأجسام الثقيلة باستخدام الراديو الكمومي الخاص بنا، واستكشاف ما يحدث عندما نخلط مفهومي ميكانيكا الكم والجاذبية، إن مثل هذه التجارب صعبة ولكن إذا نجحت فسنكون قادرين على اختبار ما إذا كان بإمكاننا إجراء تراكب كمومي quantum superposition لنسيج الزمكان نفسه، وهو مفهوم جديد سيختبر فهمنا لكل من ميكانيكا الكم والنسبية العامة."
