فريق أبحاث يطور أول عملية طباعة رباعية الأبعاد في العالم للسيراميك

تمكن فريق أبحاث في جامعة مدينة هونغ كونغ (سيتي يو) City University of Hong Kong (CityU) من تحقيق تقدّم هائل في مجال أبحاث علم المواد وذلك بنجاحهم في تطوير أول عملية طباعة رباعية الأبعاد في العالم للسيراميك وإنتاج أغراض سيراميكية تتمتع بالمتانة الميكانيكية وذات أشكال معقدة. هذا التقدم يمهّد لآفاقٍ جديدة في التطبيقات البنيوية للسيراميك.
 

يتمتع السيراميك بدرجة ذوبان عالية لذا يعد من الصّعب استخدام الطباعة الليزرية التقليدية لطباعة الأغراض السيراميكية، كما أن القطع السيراميكية الأوّلية التي يمكن طباعتها بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد حالياً والتي تعد صعبة النحت والتشكيل تشكل بدورها عائقاً أمام تصنيع أشكال معقدة. لتخطي هذه التحديات، طور فريق سيتي يو "حبراً سيراميكياً" هو عبارة عن مزيج من البوليمرات∗ وجزيئات السيراميك النانوية، وبذلك أصبحت القطع السيراميكة الأولية المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد باستخدام هذا الحبر المُبتكر ناعمة ويمكن تمديدها حتى 3 أضعاف طولها الأصلي. هذه القطع السيراميكية المرنة والقابلة للتمديد يمكن استخدامها لصنع الأشكال المعقدة مثل "الأوريغامي" وطياتها، وذلك باستخدام العلاج الحراري المناسب.

 

"أوريغامي" سيراميكي مطبوع يحاكي دار سيدني للأوبرا. حقوق الصورة: جامعة مدينة هونغ كونغ.
"أوريغامي" سيراميكي مطبوع يحاكي دار سيدني للأوبرا. حقوق الصورة: جامعة مدينة هونغ كونغ.


قاد هذا البحث البروفيسو لو جان Lu Jian عميد أساتذة الهندسة الميكانيكية، وهو عالم متميز في مجال علم المواد وذو أبحاث متعددة بمواضيع مختلفة من تصنيع المواد النانوية والمواد البنيوية المتقدمة وحتى المحاكاة الحوسبية للهندسة السطحية. تمكن الفريق بتطويره للقطع السيراميكية الأولية المطبوعة من تحقيق تقدم كبير آخر وذلك بتطوير منهجيتين مختلفتين للطباعة رباعية الأبعاد.

 

: مجسم ميورا-أوري Miura-ori (طريقة لطي جسم مسطح إلى جسم أصغر، شبيه بالأوريغامي). حقوق الصورة: جامعة مدينة هونغ كونغ
: مجسم ميورا-أوري Miura-ori (طريقة لطي جسم مسطح إلى جسم أصغر، شبيه بالأوريغامي). حقوق الصورة: جامعة مدينة هونغ كونغ

 

الطباعة رباعية الأبعاد هي عبارة عن الطباعة ثلاثية الأبعاد التقليدية نفسها مدموجة مع البُعد الرابع وهو الزمن، وفيها يمكن للأغراض المطبوعة تغيير شكلها أو تجميع نفسها مع الوقت بمحرّضات خارجية كقوة ميكانيكية أو حرارة أو مجال مغناطيسي. في هذا البحث، استغلّ الفريق الطاقة المطاطية المخزّنة في القطع الأولية المطبوعة من أجل تغيير الشكل. عند انتهاء طباعة القطع السيراميكية الأولية فإنها تخضع لتغيير شكل ذاتي، وتتحول بعد معالجتها بالحرارة إلى القطع السيراميكية النهائية المطلوبة.
 

القطع السيراميكية النهائية الناتجة والمبنية من البوليمرات المطاطية تتمتع بالمتانة الميكانيكية، حيث يمكن أن يكون لها معدل قوة-إلى-حجم ضغطي مرتفع (547 ميغاباسكال لكل 1.6 غرام/سم3) ويمكن أن تكون بأحجام كبيرة أكثر قوة مقارنةً مع القطع السيراميكية المطبوعة الأخرى.
 

يقول البروفيسور لو: "تبدو العملية بمجملها بسيطة، ولكنّها ليست كذلك في الواقع. ما بين تصنيع الحبر وتطوير نظام الطباعة أجرينا اختبارات كثيرة وبمنهجيات متعددة. كما في عملية وضع الكريم على الكيك لتزيينه، هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة النهائية كنوع الكريم وحجم الأنبوب المستخدم، وكذلك سرعة وقوة التطبيق، بالإضافة إلى الحرارة".
 

لقد استغرق الفريق أكثر من عامين ونصف لتجاوز القيود التي تفرضها المواد الموجودة حالياً وتطوير نظام الطباعة رباعية الأبعاد للسيراميك بأكمله.


في منهجية التشكيل الأولى، طُبعت في البداية القطعة السيراميكية الأولية وطبقة الأساس Substrate باستخدام الحبر الجديد. مُدّدت طبقة الأساس باستخدام أداة تمديد ثنائية المحور ثم طُبعت عليها مفاصل لوصل القطعة السيراميكية بها، ووُضعت القطعة السيراميكية عليها بعد ذلك. بعد انتهاء جميع العمليات على قطعة الأساس المُمددة وبمرور الزمن المتحكم به من خلال برنامج حاسوبي، تغيّر شكل المواد تلقائياً وأخذت في النهاية الشكل المرغوب.
 

في المنهجية الثانية، طُبع النمط المُصمم المرغوب على قطعة السيراميك المطبوعة الأولية مباشرةً، ثم تُركت القطعة بأوامر التحكم من البرامج الحاسوبي لتمر بعملية تغير الشكل الذاتي.
 

نُشر هذا العمل في المجلة العلمية ساينس أدفانسيز Science Advances بعنوان "الطباعة رباعية الأبعاد والطي الشبيه بالأوريغامي للبُنى السيراميكية المصنوعة من البوليمرات المطاطية Origami and 4-D Printing of Elastomer-Derived Ceramic Structures" (يمكن الاطلاع عليه هنـــا). جميع باحثي الفريق هم من جامعة سيتي يو، بما فيهم الدكتور لو غو Liu Guo ومساعد البحث الدكتور زاو يان Zhao Yan وزميل البحث الدكتور وو غي Wu Ge.
 

يقول البروفيسور لو: "بفضل إمكانية تغيير الشكل المتنوعة للقطع السيراميكية المطبوعة فإن تطبيقاتها لا حصر لها". أحد التطبيقات الواعدة هو في مجال الإلكترونيات، حيث أنّ المواد السيراميكية تُقدم أداءً أفضل بكثير في نقل الإشارات الكهرمغناطيسية بالمقارنة مع المواد المعدنية. مع وصول الشبكات من النوع 5G سيكون للمنتجات السيراميكية دوراً شديد الأهمية في مجال صناعة المنتجات الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطبيعة الفنية للمواد السيراميكية وقدرتها على تشكيل أشكال معقدة تتيح أيضاً للمستهلكين إمكانية تصنيع أغلفة سيراميكية لحماية الهواتف المحمولة خاصة بهم.
 

علاوةً على ذلك، يمكن أن يكون لهذا التقدّم تطبيقات في مجال الطيران واستكشاف الفضاء، حيث يشرح البروفيسور لو: "بما أن السيراميك مادة متينة ميكانيكياً وبإمكانها احتمال درجات حرارة عالية فإن هناك إمكانية كبيرة لاستخدام السيراميك المطبوع بتقنية الطباعة رباعية الأبعاد كعنصر دفع أو إطلاق في مجال الطيران".
 

بعد تحقيقه هذا التقدم الكبير في مجال علم المواد وتقنيات الطباعة رباعية الأبعاد يقول البروفيسور لو بأن الخطوة التالية هي العمل على تحسين الخصائص الميكانيكية لمادة السيراميك المطبوعة، كتقليل هشاشتها.


∗ البوليمر Polymer: هو عبارة عن مادة ذات بنية جزيئية تتألف بشكل أساسي من عدد كبير من الوحدات المتماثلة والمترابطة مع بعضها البعض. تستخدم العديد من البوليمرات الصناعية (لاسيما البلاستيك) في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد بمثابة "حبر" بحيث يتم توجيه ليزر عليها في حالتها السائلة لطباعة الأغراض المطلوبة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات