الروائح وعلاقتها بالتفضيل الاجتماعي والنفور

‎علاقة وثيقة تربط بين العوامل العصبية والمنظمات مجهرية الحجم. التاريخ: 31 أغسطس/آب. المصدر: جامعة كاليفورنيا- سان دييغو.

‎الملخص: في سلسلةٍ متراكمةٍ من الدراسات التي امتدت إلى ثمان سنواتٍ مضت، استطاع علماء الأحياء التعرف على الأسس الجزيئية والخلوية التي تحكم التفضيل الاجتماعي، والذي يُعرف في المملكة الحيوانية باسم التطبع. وبالتجارب التي أُجريت على الحيوانات وجد الباحثون: الأسس العصبية للانجذاب والنفور التقاربي، فاستخدموا المسوح الجينية لإيجاد المواد المنظِّمة التي تحكم هذه السلوكيات. كما تحوي الدراسة تضامين حول فهم الانجذاب والنفور الاجتماعي في مجموعةٍ من الحيوانات والبشر.

‎صورة بالتصوير مُتّحِد البؤرة لدماغ شرغوف، تظهر العصبونات دوبامينية المفعول (بالأخضر)، وهي النوع الذي يزداد عند تعرف الحيوان على شعور بالتقارب. وهناك العصبونات التي تعطي مفعول الغابا أمينوبيوتيريك (GABAergic)، والتي تزداد عند حدوث التقارب الاجتماعي الممتد.  ‎حقوق الصورة جامعة كاليفورنيا في سان دييغو
‎صورة بالتصوير مُتّحِد البؤرة لدماغ شرغوف، تظهر العصبونات دوبامينية المفعول (بالأخضر)، وهي النوع الذي يزداد عند تعرف الحيوان على شعور بالتقارب. وهناك العصبونات التي تعطي مفعول الغابا أمينوبيوتيريك (GABAergic)، والتي تزداد عند حدوث التقارب الاجتماعي الممتد.  ‎حقوق الصورة جامعة كاليفورنيا في سان دييغو


‎عندما ينفصل حملٌ رضيعٌ عن عائلته بشكلٍ أو بآخر، فإنه لمن الممكن لهذا الحمل أن يجد أقرباءه ضمن قطعان الخراف الكبيرة التي تبدو متشابهةً إلى حدٍّ ما. وبالمثل فإن سمك السلمون يسبح في جنبات البحر الواسعة ويهاجر عائدًا إلى موطنه حيث المكان الذي بدأ فيه حياته بدقةٍ محيرةٍ.

‎ولطالما عرف العلماء بأمر صلات القرابة هذه بين الحيوانات، والتي يدعوها البعض بـ"التعلم بالطَّبْع" أو "التطبع"[1]، ولكن الآلية التي تحكم هذه الصلات كانت مختبئةً في صندوقٍ أسود على المستوى الخلوي والجزيئي. أما الآن، فقد استطاع علماء الأحياء في جامعة كاليفورنيا_سان دييغو بفك شيفرة بعض العناصر المهمة فيما يتعلق بهذه الألغاز، و قد شملوا بدراستهم هذه تضميناتٍ تتعلق بفهم الانجذاب والنفور الاجتماعي في مجموعةٍ من الحيوانات والبشر.

‎وقد نشر كلٌّ من ديفيد دولسيس Davide Dulcis في قسم طب النفس في كلية الطب التابعة لجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وجيورديانو ليبي Giordano Lippi، وداروين بيرغ Darwin Berg، ونيك سبيتزر Nick Spitzer من قسم العلوم الحيوية وزملاؤهم، نتائجهم في عدد 31 آب/أغسطس 2017 في النسخة المنشورة على الإنترنت من دورية (Neuron).

و ‎في سلسلةٍ من الدراسات العصبية الحيوية التي تمتد لثمان سنوات، فحص الباحثون الضفادع اليرقانية (الشراغيف)، والمعروف بأنها تسبح مع أفراد عائلتها ضمن تجمعات، وبتركيز الباحثين على الدراسات التي أجروها على الإشارات الشمية، أو الروائح المتعلقة بالقرابة، استطاعوا التعرف على الآليات التي تفضل بها الشراغيف ذات اليومين أو الأربعة أيام من العمر السباحةَ مع أعضاء العائلة على السباحة مع أعضاء من خارج العائلة.
كما تظهر فحوصهم أن الشراغيف التي تعرضت لروائح في مرحلة التكون، والتي كانت روائح لأعضاء من خارج التجمع العائلي، كانت مجبرةً على أن تسبح مع المجموعة التي أنتجت هذه الرائحة، مما يوسع تفضيلهم الاجتماعي ليشمل أعضاء من خارج أقربائهم الأصليين.

‎كما اكتشف الباحثون أن هذا التغير متأصلٌ في عمليةٍ تُدعى تبديل الناقل العصبي neurotransmitter switching، وهي أحد مجالات بحوث الدماغ ابتُكِر على يد سبيتزر، والتي بحث فيه دولسيس ضمن سياق المنبهات النفسية psychostimulants وأمراض الدماغ.

وجد الباحثون أن الناقل العصبي "الدوبامين" كان موجودًا بمستوياتٍ مرتفعةٍ خلال عملية التقارب بين الأقرباء من نفس العائلة، ولكن الناقل العصبي الموجود في القرابة الناتجة عن الرائحة الاصطناعية، أو "التجاذب" مع غير ذوي القربى، كان حمض الغاما أمينوبيوتيريك GABA.

‎ويقول دولسيس، وهو أستاذ مساعد: "في الحالات العكسية، تكون هناك إشارةٌ واضحةٌ على وجود تبديلٍ للنواقل العصبية، وبالتالي يمكننا الآن أن نرى أن هذه النواقل العصبية تتحكم فعلًا بسلوكياتٍ محددةٍ. يمكن لك أن تتخيل أهمية هذا بالنسبة للتفضيل الاجتماعي والسلوكي. نملك استجاباتٍ فطريةً بالنسبة للعلاقات، مثل الوقوع في الحب أو التقرير إن كنا معجبين بشخصٍ ما. كما نستخدم العديد من الإشارات، ويمكن لهذه الروائح أن تكون جزءًا من معادلة التفضيل الاجتماعي". ‎وقد مضى الباحثون في الدراسة إلى مستوىً أعلى، وذلك لإيجاد كيفية التعبير عن هذه الآلية على المستوى الجيني.

‎كما ساعد تحليل سلسلة الحمض النووي في عزل جزيئين من الـRNA المكروي microRNA، وهي جزيئاتٌ لها علاقةٌ في تنسيق عملية التعبير الجيني. وبتدقيق العلماء في المئات من الإمكانيات المحتملة، استطاعوا التعرف على microRNA-375، وmicroRNA-200b على أنهما الجزئين الأساسيَين والمُّنظِّمَين من أجل التوسط في عملية تبديل النواقل العصبية للانجذاب والنفور، ويؤثران بذلك على التعبير الجيني لجينين هما Pax6 وBcl11b اللذان يعملان على ضبط سلوك الشرغوف في السباحة.

‎ويقول ليبي، عالم مشاريع في مختبر بيرغ في قسم الأحياء العصبية التابع لقسم العلوم الحيوية ومركز الدارات العصبية والسلوك: "كانت الـmicroRNAs المرشحات المثلى للمهمة، فهي عبارةٌ عن مثبطاتٍ تاليةٍ للنسخ[2] ويمكنها أن تستهدف المئات من الـ RNA المرسال[3] من أجل زيادة بعض البرامج الجينية وتحفيز التبديلات التطورية".

‎بدأت الدراسة في 2009 وتعمقت في حجمها ومداها على مدى السنوات، كما أن الانذهال كان واضحًا على من راجع الورقة بسبب سعة المشروع، وذلك يشمل أحد المُراجعين الذي علق على المؤلفين "من أجل هذه الدراسة البطولية التي نعتبرها مذهلةً وشاملةً".

‎ويقول سبيتزر، وهو بروفيسور بارز في قسم العلوم الحيوية في Atkinson Family Chair، كما وأنه مديرٌ مساعدٌ في معهد كافيل لبحوث الدماغ والعقل في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: "للتفاعلات الاجتماعية العديد من المحددات، سواءً أكانت مع الأشخاص في محيط العمل أو مع العائلة والأصدقاء. وكبشرٍ، فنحن معقدون ونملك العديد من الآليات للحصول على الترابط الاجتماعي، ولكن، يبدو أن هذه الآلية في تبديل التفضيل الاجتماعي استجابةً للمحفزات الشمية تساهم في ذلك إلى حدٍّ ما".

‎الملاحظات:


1- التطبع: هو أحد أشكال التعلم الذي يعتمد على المرحلة العمرية، ومثالهُ: التعلم الذي يحدث مع بعض أنواع الطيور، والذي تكتسب فيه صغار الطيور بعض الخصائص السلوكية من الأبوين. أو هو التعلم الذي يتعلم فيه حيوان ما الصفات الجنسية التي يرغب بها الجنس الآخر من الحيوان نفسه.

2-  المثبطات التالية للنسخ: هي مثبطات تؤثر على البروتينات بعد عملية النسخ، وهي وسيلة من وسائل التحكم بالتعبير عن البروتينات.

3- الـ RNA المرسال: هو جزيء يعمل على نقل المعلومات من الحمض النووي لتُتَرجم إلى بروتينات.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات