قطة شرودينجر تخضع لفحص الواقع

إنه نقاش عمره قرنٌ من الزمن، وجوهره السؤال التالي: ما هو معنى التابع الموجي، الجسم المركزي في ميكانيك الكم؟ هل قطة شرودينجر حقاً ميتة، أم حية؟


مؤخراً، شاركت في تجربة أجراها مختبر اندرو وايت للتكنولوجيا الكمومية في جامعة كوينزلاند، وقدمت هذه التجربة الآن أقوى الأدلة المرتبطة بذلك السؤال، لكن الأمر لا يبدو جيداً بالنسبة للقطة.


ولفهم أهمية هذه النتيجة، لا بد من البحث في تاريخها. ففي أسس الفيزياء الكمومية، يُوجد بعضٌ من أزمات الواقع. إذ توجد تفسيرات مهددة للنظرية، ويُقدم كل منها صوراً للواقع مختلفة تماماً. وأحد المواضع الأكثر أهمية، التي تسبب في حصول نزاعات، هو ما يجب علينا فعله بخوصوص التابع الموجي الكمومي (quantum wave function).

 

باختصار، يصف التابع الموجي الحالة الكمومية للنظام الفيزيائي. لكن على النقيض من الفيزياء الكلاسيكية حيث يقوم التعريف الكامل للحالة بتحديد كل خواصها (على سبيل المثال، موقع الجسيم وسرعته)، تُقدم الحالة الكمومية بشكلٍ عام تنبؤات احتمالية.


في الحقيقة، يبدو أن التابع الموجي يصف حالات غريبة، مثل الأنظمة الفيزيائية الموجودة في حالات متعددة في اللحظة الزمنية نفسها –مثل وجودها بمواقع مختلفة، أو امتلاكها لسرعات مختلفة. وبالتالي، فهو يُقدم احتمالات دقيقة جداً للمخرجات الممكنة لتجربة فيزيائية ما، لكنه يتحدى التفسير البديهي.

 

يقترح بعض مؤسسي النظرية، مثل فيرنر هايزنبرغ ونلز بور، أن أسئلة مثل "أين هو موقع الجسيم؟" تبقى بلا معنى حتى إجراء قياس لخاصية أو أخرى. ووفقاً لوجهة النظر هذه، فليس الجسيم هو من يُوجد هنا أو هناك، ونحن لا نعرف من المقصود بالسؤال حتى الآن. وبالنسبة لبور، فإن المعنى الدقيق لـ "الموقع" يعتمد على وجود قياس يكتشفه.


صُممت التجربة الذهنية للفيزيائي الشهير لارفين شرودينجر بقصد البرهان على قيام ميكانيك الكم بإقحام حتى الأنظمة الماكروسكوبية، مثل القطط، في حالات تراكب، كأن تكون القطة ميتة وحية في الوقت نفسه، وهو استنتاج منافٍ للعقل كما يبدو.

 

• كل شيء في رأسك 


لم يكن الواقع غير المحدد مقبولاً بالنسبة لألبرت اينشتاين، الذي قال: "هل تعتقدون حقاً أنَّ القمر موجود فقط عندما تنظرون إليه؟". فعوضاً عن ذلك، يعتقد اينشتاين بوجوب فهم التابع الموجي على أنه يُمثل معلوماتنا المحدودة عن الحالة الفعلية للأنظمة الفيزيائية.


في العام 1964، جاءت الصدمة الأولى لوجهة نظر اينشتاين عندما برهن جون بيل على أن أي نموذج، يصف واقع غرضي يخضع لميكانيك الكم، يجب أن يتضمن نوعاً ما من الاتصال اللامحلي (non-local connection) بين الأنظمة البعيدة، وهو انتهاك ظاهري لنظرية اينشتاين في النسبية.

 

وبشكلٍ مخالف لرغبة اينشتاين، يُعتبر التابع الموجي جسم فيزيائي حقيقي في كل التفسيرات الغرضية المعروفة حتى يومنا هذا (مثل تفسير العوالم العديدة، ونماذج الانهيار الغرضي، ونظرية برولي-بوهم) –بوجود استثناء وحيد وحديث هو نظرية الأكوان المتوازية، حيث لا يلعب التابع الموجي دوراً صريحاً ومباشراً، وإنما القطة هي حية وميتة في الوقت نفسه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

 

في العام 2007، نشر روبرت سبيكنز، من معهد المحيط، عملاً يُوضح فيه إمكانية إعادة إنتاج العديد من المفاهيم الكمومية المنافية للبديهة، ويعتمد ذلك على نموذج يلعب فيه التابع الموجي دوراً "معرفياً" طالما تاق اينشتاين إليه.

 

لاحقاً، تبين أن أجزاء أخرى من النظرية الكمومية تتناسب مع نماذج مشابهة، لكن كان السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان هذا الأمر ممكناً مع كامل النظرية الكمومية أم لا. هل يتم إحياء حلم آينشتاين من جديد؟


ولفهم طبيعة مثل هذا النموذج، تخيل أنني أمسك برزمتين من أوراق اللعب: إحداها يحتوي على بطاقات حمراء فقط، وأخرى على "الأصوص" فقط، ومن ثمَّ طلبت منك سحب بطاقة من إحدى الرزمتين دون معرفتك بطبيعة الرزمة التي تختار منها.


في التفسير المعرفي، سيلعب التابع الموجي دور الزرمة التي سحبت البطاقة منها، وسيُقدم لك بعض المعلومات حول البطاقة، فإذا قمت بالسحب من رزمة الأصوص، ستكون متأكداً من سحبك لآص من نوعٍ ما. لكن هذه المعلومة ليست إحدى خواص البطاقة أبداً. وفي الحقيقة، قد تكون سحبت "آص الكوبة"، وهذا الأمر يتوافق مع كلا الرزمتين.

 

في عام 2012، عندما برهن ماثيو بوسي (Matthew Pusey) وجوناثان باريت (Jonathan Barrett) وتيري رودلف (Terry Rudolph) على أنه في أي نموذج غرضي لميكانيك الكم، يجب أن يكون التابع الموجي خاصية حقيقية للأنظمة المفردة، على النقيض تماماً من حالة رزمة أوراق اللعب. لكن نظريتهم اعتمدت على افتراض إضافي دُعي بآثار النظرية على السؤال.

 

• فحص الواقع 


على أية حال، نُشرت سلسلة من النظريات خلال العام الأخير، وبدأتْ بعمل قُمت به أنا وزملائي، حيث وضعنا قيوداً قوية على قابلية أي نموذج معرفي للتطبيق، ودون وجود تلك الافتراضات الإضافية.

 

تأخذ هذه النظريات بعين الاعتبار حقيقة عدم القدرة على فصل بعض أزواج الحالات الكمومية في تجربة وحيدة. وهذا الأمر مشابه لعدم تمكنك دوماً من الإخبار عما إذا كانت البطاقة، المختارة عشوائياً، قادمة من الرزمة الحمراء أو من رزمة الأصوص. إذا سحبت بطاقة ولم تكن أصاً، ستكون متأكداً بخصوص مجيئها من الرزمة الحمراء. وإذا التقطت أصاً أسوداً، ستكون متأكداً من مجيئه من رزمة الأصوص.

 

لكن إذا كانت نتيجة السحب أص كوبة أو دينار، فهناك احتمالية لمجيئه من أي من الرزمتين. وبِعد البطاقات الموجودة في الرزمتين، يُمكننا حينها تحديد مدى تكرار حصول هذا الأمر.


من الواجب في التفسير المعرفي أخذ حقيقة عدم القدرة على الفصل بين الحالات الكمومية بعين الاعتبار، ولو جزئياً على الأقل. لكن تُبين النظريات أن هذا التفسير ببساطة لا يعمل. ومن أجل بعض الحالات الكمومية الخاصة، فإن "الرزم" العائدة لها تكون بعيدة عن المقدار الصحيح للبطاقات إذا جاز التعبير.


أُكدت هذه التنبؤات جزئياً من قبل التجربة، التي كنت مشاركاً فيها، والتي أجراها مارتن راينباور (Martin Ringbauer)  وفريق بريسبان، الذي يقوده اليساندرو فيدريزي (Alessandro Fedrizzi). فقد اتبع الباحثون نسخة مطورة لنظريتنا، والفضل في ذلك يعود إلى سيريل برانسيارد  (Cyril Branciard)، المؤلف المشارك في الدراسة.

 

تضمنت التجربة القيام بتحضير فوتونات مفردة (جسيمات الضوء) موجودة في تلك الحالات المصممة خصيصاً، ومن ثمَّ تعريضها إلى عدد من القياسات البديلة. تُقدم النتائج قيوداً جديدة على مدى جودة نموذج ما، كذلك المذكور سابقاً في هذا المقال، وقدرته على وصف الإحصاءات التي رصدوها. ويُمثل هذا أول أنواع النماذج الكمومية الكبيرة، التي ستُستبعد منذ البدء باختبار نظرية بيل في ثمانينات القرن الماضي.

 

إذا ما أكدت تجارب مستقبلية آثار النظريات، قد يُصبح بالإمكان استبعاد قابلية النماذج المعرفية في ميكانيك الكم للتطبيق. وإذا ما أردنا الحصول على واقع غرضي، كذلك الخاص باينشتاين، يجب أن يكون التابع الموجي هو القطط الحقيقية، والميتة والحية.

 

لكن هناك بدائل! إذ يُمكن لأحدهم مجدداً أن يأخذ بعين الاعتبار افتراضات إطار العمل المستخدمة لاشتقاق النظريات، وقد يحصل هذا الأمر عبر تقديم السببية التراجعية بالزمن (backwards-in-time causality)، أو الأكوان المتوازية. مع ذلك وحتى الآن، لم تقم أي من تلك المناهج بإنتاج تفسير معرفي. فلو حصل ذلك، لكان بإمكاننا إنكار أن الوصف الغرضي النقي هو وصف محتمل.

على أية حال، قد تكون غرابة ميكانيك الكم موجودةً لتبقى.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التابع الموجي (wave function): يصف هذا التابع في ميكانيك الكم الحالة الكمومية لنظامٍ معزول مكون من جسيمٍ او أكثر.
  • السببية (causality): تُشير إلى العلاقة الكائنة بين حدث (السبب) وحدث آخر (النتيجة أو التأثير)، حيث يكون الحدث الأول مسؤولاً بالضرورة عن ظهور الحدث الثاني.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات