لأول مرة.. ضوء سائل في درجة حرارة الغرفة!

حقوق الصورة: Felix Russell-Saw/Unsplash

مزيجٌ من خصائص الضوء والمادة


في حزيران/يونيو 2017، خلَّق الفيزيائيون ضوءًا سائلًا عند درجة حرارة الغرفة للمرة الأولى على الإطلاق، مما جعل إمكانية التوصل إلى هذا الشكل للمادة متاحًا أكثر من أي وقتٍ مضى.

تتكون هذه الحالة الجديدة والغريبة من المادة من سائل فائق الميوعة superfluid، والذي من خصائصه أنه لا يُنتج أي احتكاك friction أو لزوجة viscosity، بالإضافة إلى نوع من تكاثف بوز-آينشتاين Bose-Einstein condensate (وهي حالة تتخذها ذرات الغاز إذا كانت من البوزونات فتصبح في حالة كمومية واحدة، شرط انخفاض درجة حرارتها إلى درجه الصفر المطلق. ويوصَف أحيانًا بالحالة الخامسة للمادة). تسمح هذه الحالة الجديدة للضوء بالجريان حول الأجسام والزوايا. مما يجعله يسلك سلوك سائل.

يسلك الضوء في حالته النظامية سلوكًا موجيًّا، وفي أحيان أخرى يسلك سلوك جسيم، وهو يتحرك دائمًا في خطٍ مستقيم. لهذا السبب لا تستطيع عيناك الرؤية حول الزوايا أو الأشياء. ولكن في ظلِ ظروف خاصة، يمكن للضوء أن يسلك سلوك سائل، ويتدفق فعليًا حول الأجسام.

يُعتبر تكاثف بوز-آينشتاين هامًّا بالنسبة للفيزيائيين، ففي هذه الحالة للمادة، تتحول القوانين الفيزيائية من الكلاسيكية إلى الكمومية، وتبدأ المادة في اكتساب خصائص أكثر موجية. وعادةً ما تُكوَّن هذه الحالة في درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق ويدوم وجودها لأجزاء من الثانية فحسب ثم تفنى. ولكن في هذه الدراسة الجديدة، ذكر الباحثون أنهم خلّقوا تكاثف بوز-آينشتاين في درجة حرارة الغرفة باستخدام مزيج فرانكينشتاين من الضوء والمادة.

يقول الباحث الرئيسي في الدراسة دانييل سانفيتو Daniele Sanvitto من معهد نانوتيك لتقنية النانو CNR NANOTEC Institute of Nanotechnology في إيطاليا: "الملاحظة الاستثنائية في عملنا هي إظهارنا إمكانية خلق ميوعة فائقة Superfluidity في درجة حرارة الغرفة في ظل الظروف المحيطة باستخدام جسيمات ضوئية تُدعى البولاريتونات (ناتجة عن اقتران موجات كهرومغناطيسية مع ثنائي قطب كهربائي أو مغناطيسي يحمل إثارة التي يطلق عليها اسم بولاريتونات polaritons).

ينطوي تخليق هذه الجسيمات على استخدام معدات خاصة وهندسة على مستوى نانوي. حيث أقحم العلماء طبقةً من الجزيئات العضوية بسماكة 130 نانومتر بين مرآتين فائقتي الانعكاسية، وأطلقوا عليها نبضة ليزر دامت 35 فمتوثانية (واحد فمتوثانية عبارة عن مليون مليار (كوادرليون) جزء من الثانية أي عشرة مرفوعة للقوة -15!).

ويضيف ستيفان كينا كوهين Stéphane Kéna-Cohen أحد أعضاء الفريق من مدرسة البوليتكنيك École Polytechnique في مونتريال، كندا: "بهذه الطريقة، يمكننا الجمع بين خصائص الفوتونات (الضوء)، من مثل كتلتها الفعالة الصغيرة وسرعتها الفائقة، مع تفاعلات قوية مع الإلكترونات داخل الجزيئات". 

ولكن للسائل الفائق الناتج بعض الخصائص الغريبة التي لا تشبه بقية السوائل. فمن المعروف لدينا في الظروف العادية، عندما يتدفق سائل ما، فإنه يخلق تموجات ودوامات، ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للسائل الفائق.

وكما هو واضحٌ أدناه في الشكل-1، فإن تدفق البولاريتونات يضطرب مثل الموجات عندما يعترضها حاجز أو عقبة في الظروف العادية، ولكن ليس هو الحال في السائل الفائق.

الشكل-1: تدفق البولاريتونات عندما تعترضها عقبة ما في الأعلى في سائل عادي، وفي السائل الفائق في الأسفل، حقوق الصورة: (Polytechnique Montreal)
الشكل-1: تدفق البولاريتونات عندما تعترضها عقبة ما في الأعلى في سائل عادي، وفي السائل الفائق في الأسفل، حقوق الصورة: (Polytechnique Montreal)


ويضيف كوهين: "في حالة السائل الفائق، تُكبح الاضطرابات حول الحواجز، مما يؤدي إلى استمرار التدفق دون تغيير". ويقول الباحثون أن النتائج تمهد الطريق ليس فقط لدراسات جديدة في الهيدروديناميكا الكميّة quantum hydrodynamics، ولكن أيضًا إلى أجهزة بولاريتونية تعمل في درجة حرارة الغرفة لتقنياتٍ مستقبلية واعدة، مثل إنتاج المواد فائقة التوصيل للأجهزة مثل مصابيح LED والألواح الشمسية والليزر.

ويضيف الباحثون: "حقيقة أن مثل هذا التأثير يُلاحظ في ظل الظروف المحيطة، يمكن أن يحفز قدرًا هائلًا من العمل في المستقبل. ليس فقط لدراسة الظواهر الأساسية المتعلقة بتكاثف بوز-أينشتاين، ولكن أيضًا لتصميم أجهزة ضوئية (فوتونية) مستندة على السوائل الفائقة حيث يتم التخلص من التموجات عند تدفق هذه السوائل تمامًا مما يجعلها أكثر فاعلية بكثير من الأنظمة الضوئية الاعتيادية، وأخيرًا استغلال الظواهر الجديدة غير المتوقعة".

نُشرت النتائج في مجلة نيتشر Nature.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات